لا حاجة للمفتي بل الحاجة المُلِّحة للقائد

لا حاجة للمفتي بل الحاجة المُلِّحة للقائد

منصب المفتي! لم يكن في يوم من الأيام موجوداً في العصور الإسلامية.. طوال أكثر من ألف وثلاثمائة سنة.

وإنما اصطُنِعَ، واستُحدث، وابتُدع مؤخرا قبل مائة سنة تقريباً، بعد تمزق، وتفتت، وتشرذم الدولة العثمانية، وتنفيذ مخطط سايكس بيكو الإجرامي، وبعد دخول الفرنسيين إلى سوريا، فأوجدوا هذا المنصب الهلامي الرمزي..

فكان أول من عُين في هذا المنصب المستحدث الجديد، أبو الخير عابدين، ليكون المفتي أداة طَيِّعة في يد المحتل الفرنسي.

ثم من بعده في يد الحكام الظلمة، الفجرة، الكفرة، يستخدمونه لشرعنة طغيانهم، واستبدادهم، ولضرب الإسلام والمسلمين، ولتحريف الكَلِمَ عن مواضعه، والتلاعب بشرع الله وأحكامه، حسب أهوائهم ومزاجهم.

فلو نظرنا إلى ديننا العظيم، الحنيف، لوجدنا أنه ليس عندنا في الإسلام بابا، ولا ولي الفقيه.. ولا حاخام .. ولا الحبر الأعظم..

مرجعيتُنا الكتابُ والسنةُ

ومرجعيتَنا في ديننا، هي الكتاب والسنة فقط.. وليس مرجعتَنا العبيدُ..

فالعبيدُ أياً كان اسمُهُم.. فقيهٌ أو عالمٌ، أو مفتيٌ، وظيفتُهم الوحيدة فقط.. هي: تبيان ما هو موجود في الكتاب والسنة.. وإصدار فتوى لعامة الناس، بناءً على ما هو موجود في القرآن والسنة.

ويمكن أن نأخذ بكلامهم.. أو نضرب به عرض الحائط.. حينما يكون مخالفاً للكتاب والسنة.. ولا نعتمد على أقوالهم بشكل أعمى.. كما يفعل النصارى والشيعة وأخواتهما.

فكلامهم ليس مقدساً.. ولا مرجعاً.. ولا مُعقِّبَ له، كما هو الحال عند النصارى والشيعة.. وغيرها من الأديان الأرضية البشرية.

فلنا الحق كل الحق، أن نعترض على فتواهم، ونفندها، ونبطلها، ونردها، ونُعقب عليها.. إذا جاءت مخالفة للقواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية.

وبناءً على ذلك.. يتجلى السؤال الكبير؛ الذي يقرع الآذان، ويهز كوامن النفوس التقية، النقية، الأبية، المؤمنة، الصادقة، العارفة بالله، ويُحرك الوجدان، ويُزلزل الضمائر الحية، للرجال الأبرار الأحرار، الذين تتفجر في عقولهم وقلوبهم، ينابيع الحكمة، والذين تعتمل في صدورهم المكلومة، هموم الثورة، وأشجان تحرير سوريا المحتلة.

السؤال الخطير

يتراءى السؤال الخطير، صارخاً، مزلزلاً، مدوياً، مجلجلاً، مزمجراً، موقظاً النفوس النائمة، والقلوب الغافلة، وفاتحاً العقول المقفلة، قائلاً:

يا قومِ! ما لكم لا تتفكرون، ولا تتدبرون؟! ما الفائدة المرجوة من اصطناع، واستحداث، منصب للمفتي في استنبول، بعد أن حلت الكارثة، ونزلت المصيبة الدهماء، على رؤوس مسلمي سوريا، الذين أصبحوا أقلية، تائهين، ضائعين، حيارى، يتسولون على موائد اللئام، لا يدرون ماذا يصنعون. والهوية الإسلامية لسوريا قد ذهبت أدراج الرياح، وأصبحت نسياً منسياً؟!

وا بؤساه! وا فجيعتاه! وا أسفاه! وا مصيبتاه!.. إيران تعمل بكل جد، ونشاط ، وهمة عالية، وتخطيط ماكر، وخبيث على استئصال الإسلام من سوريا، وتحويلها إلى بلد شيعي، رافضي، مجوسي.

والسوريون – إلا قليلاً منهم – مشغولون بأمور سطحية، هامشية، وذلك باصطناع منصب هزيل للإفتاء، وتاركون، وغافلون عن أخطر مخطط يُطبق في سوريا، يستهدف تحطيم، وتدمير عقيدة الأمة.

كان المفروض في هؤلاء العلماء وأتباعهم – لو أنهم يعقلون – بدلاً من الانشغال بهذا المنصب الصوري، الشكلي، الهيكلي الذي لا يسمن، ولا يغني من جوع.. أن يحشدوا كل طاقاتهم، وإمكانياتهم؛ لإبطال الخطة الخبيثة التي يقوم بها بشار وأسياده؛ والتي تتضمن إلغاء الهوية الإسلامية لسوريا، وجعل المسلمين – وهم الأكثرية في البلد – كمجرد طائفة، تماثل، وتعادل، وتكافئ بقية طوائف الأقليات الباطنية وسواها.

وأن يقوموا بحملة إعلامية، وحركية كبيرة، فيها كل الاستنكار، والتنديد، والاحتجاج، والرفض للخطة الماكرة، والعمل بكل جد، ونشاط ، لتفويت الفرصة على مُعديها، ومُنشئيها، وصانعيها، والعمل على وأدها في مهدها، وإبطالها، وإلغائها مهما كلف الأمر، ومهما تطلب من تضحيات.

ولأن أمر إلغاء الهوية الإسلامية لسورية، أمر جللٌ، وخطيرٌ، ومنكرٌ، ونكيرٌ.. فلا يجوز بأي حال من الأحوال التغاضي عنه، والركون إلى منصب المفتي التافه، السخيف، الرقيع.. والرضى والقناعة به، وترك، وإهمال الأمر الخطير، والتغافل عن المصيبة المدلهمة، التي دهمت سوريا الجريحة النازفة.

خطأ الانشغال بالمفتي عن ضياع الهوية الإسلامية لسوريا

فهذا التصرفُ خاطئٌ. ويدل على منتهى الغفلة، والسذاجة، والسطحية في التفكير لدى من يؤيده، ويدعمه، والذي سيزيد من معاناة السوريين، ويعمق في جراحاتهم النازفة يومياً.

والذين يؤيدونه؛ خَطَّاؤون ولو بلغ عددهم ملء الأرض، ولو أيده كل العالم.

فالخطأ والباطل، لا يُقيَّم بعدد الأتباع والمؤيدين. وكذلك الصوابُ والحقُ لا يُقيَّم بعدد الأتباع والمؤيدين.

فالخطأ يبقى خطأً، ولو اتبعه أهل الأرض كلهم، والصوابُ يبقى صواباً، ولو اتبعه شخص واحد.

فأبو بكر الصديق رضي الله عنه، كان على صواب في حرب الردة، بالرغم من أنه كان لوحده، والصحابة كلهم كانوا معارضين له.

وإبراهيم الخليل عليه السلام كان أمةً، بالرغم من أنه كان لوحده.

كثرةُ الأتباع دليلٌ على خطأ الطريق

ودائماً وأبداً! كثرة الأتباع لأمر من الأمور، دليلٌ قاطعٌ على أنهم على باطل، وعلى خطأ، لأن الناس بِجِبلتها، وفطرتها، تميل إلى الباطل، لأن طريقه، سهلٌ، ومريحٌ، ولا يتطلب دفع أي ضريبة.

أما الحق! فدائماً وأبداً أتباعه قلة؛ لأن طريقه صعبٌ، وشائكٌ، ويتطلب دفع ضريبة كبيرة، وثمن باهظ ، لا يتحملها إلا أولو القوة، والعزم، والبأس الشديد.

فتأييد إنشاء منصب للمفتي، أمر سهلٌ، وبسيطٌ ، لا يتطلب دفع أي ثمن. لذلك يؤيده كثير من الناس.

أما معارضةُ ذلك المنصب، والاشتباك مع النظام الأسدي، وإيران، وفضح مخططاتهما، والعمل على تقويضها، يتطلب دفع أثمان غالية جداً.

وسيأتي الأذى والبلاء للمعارضين، من جهة المؤيدين الذين سيتهمون المعارضين باتهامات باطلة وكاذبة، ومن جهة النظام الأسدي وإيران. ويمكن أن يدفع المعارضُ حياته ثمناً لذلك. وهذا لا يُقبل عليه، إلا أولو البأس الشديد، والعزيمة القوية، والإيمان الصادق.

بل إن النظام الأسدي! ليرحب أشد الترحيب بإنشاء هكذا منصب للمفتي، لأنه يعلم أن هذا المنصب المهلهل، سيتلهى به الناس، وينشغلون به عن مقارعته، ومحاربته، وعما يخطط له، من تغيير جذري في بنية المجتمع السوري.

والسوريون في هذه المرحلة الخطيرة من التشتت، والتمزق، والتفرق.. ليسوا بحاجة إلى منصب المفتي الهلامي الصوري.

الحاجة المُلحة للقائد وليس للمفتي

وإنما هم بحاجة ماسة، وملحة، إلى قائدٍ هُمامٍ، شجاعٍ، ذي عقلية متفتحة، ونظرة بعيدة، ورؤية شاملة. وله جاذبية، وذي شخصية قوية مؤثرة، تستطيع أن تستقطب الجماهير كلها، وتجعلها تلتف حوله، ويسير بها إلى طريق التحرير الشامل لسوريا، من كل العناصر المجرمة، من الأسد وبطانته ابتداءً، ثم المليشيات والعصابات الغازية والمحتلة، وتطهير سورية منها جميعاً.

كما أن السوريين بحاجة أيضاً إلى تكوين تجمع مستقل جديد، يختلف كل الاختلاف عن التجمعات الهلامية المبعثرة، والمتفرقة شذر مذر.

وقد دعونا إلى تجمع السوريين الأحرار، وعرضنا في مقالاتنا السابقة مواصفاته، وميزاته، وإيجابياته، ونكرر الدعوة لكل الأحرار، ذوي الضمائر الحية، وذوي الروح الوثابة، وذوي النفوس الأبية المكلومة، والغيورة على بلدها، والمتعطشة إلى تحريرها، من شذاذ الآفاق، ومن الحثالات البشرية القميئة الوضيعة، الممتلئة قلوبها بالحقد والضغينة على الإسلام والمسلمين.

ونكرر الدعوة مجدداً في هذا المقال، للمسارعة إلى الانضمام إليه، كي يحظوا بوسام الشرف، في تحرير بلدهم.

إن تحرير سورية، لا يكون بالكلام، ولا نظم القصائد الشعرية، ولا الردح، ولا الندب على وسائل الإعلام المختلفة، ولا بتشكيل منصب المفتي.

إن تحرير سوريا! يحتاج إلى رجال ذوي بأس شديد، وذوي عزيمة فولاذية لا تلين، وذوي همة عالية، وذوي نفوس أبية شامخة، تهفو إلى مدارج العلا، وترنو بأبصارها إلى بلوغ قمة المجد.

فهل من مستجيب؟ وهل من متشوقٍ وراغبٍ في دخول جنات عدنٍ عند مليكٍ مقتدرٍ؟

20 ربيع الآخر 1443

25 تشرين الثاني 2021

موفق السباعي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here