بعض التشابه  بين الاغريق والرومان  و الكورد قديما  . 

 ا . د . قاسم المندلاوي
 قدماء الاغريق هاجروا من اوربا الشمالية بسبب قسوة الظروف الطبيعية ” شدة البرد ” و سكنوا بلاد اليونان ، استطاعو بمرور الزمن ان يكونوا دويلات صغيرة مستقلة كان ابرزها ” دولة اسبارطه  و ” دولة اثينا  ”  وكان لكل من هاتين الدولتين نظاما خاصا و كان اليونانيون في ” دولة اسبارطه ” يعلقون اهمية كبيرة على تربية الجسم ولم يكونوا ليقدروا الجمال تقديرا جيدا فحسب بل ان الوصول الى وضع جسمي لائق و صحيح كان اول رغبة واهم واجب على كل فرد وكانت الحروب شغلهم الشاغل في اغلب الاحيان ” كراتكي فرنتيشيك – تاريخ التربية البدنية  1963 براغ  ” ولكي يكون الرجل فردا مفيدا ومفكرا صائبا في المجتمع عليه ان يكون في حالة جسمية جيدة ، كان ثمة نظامان رئيسيان في التربية البدنية و الاعداد الفكري يختلفان شديدا في الغاية و الطريقة  و كان الغرض من التربية البدنية في دولة ” اسبارطه ” ان يخلق من المحارب الاسبارطي رجلا كامل الجسم شجاعا مطيعا لقوانين الدولة طاعة عمياء و كان هدف هذا النظام الصارم تدريب الشباب و الرجال وجعلهم اشداء وتعويدهم على القساوة و الحياة الخشنة لاجل الخدمة العسكرية وكان البرنامج التدريبي للفرد الاسبارطي مقتصرا على المصارعة و الملاكمة و السباحة و المشي والركض و القفز و الرمي بالاضافة الى التدريب العسكري وقد اهتمت ” اسبارطه ” اهتماما كبيرا بالاعداد القتالي و العسكري واستطاعة ان تبني اقوى دولة عسكرية في جنوب اوربا وكانت فلسفتها و سياستها  مبنية على التفوق العسكري و القتالي وكان هدف هذا النظام اعداد الفرد لمكانة في الدولة  .. اما الاتجاه الثاني كان الطراز الجمالي لنظام اثينا  ” في التربية البدنية وهو اوسع مدى حيث أصبح فيما بعد هو السائد في طول البلاد اليونانية وعرضها وقد اتجهت التربية البدنية في ” اثينا ” اتجاها تربويا و اجتماعيا  وكان الهدف ليس لاجل بناء اجسام رشيقة ومرنه فحسب وانما لاجل الاعداد الجمالي و العقلي و الجسدي  ” ليبينسكي . يان – نظريات التربية الرياضية  1960 براغ  ”  وقد اهتمت  ” اثينا ” على عكس ” اسبارطة ” بتعليم الموسيقى الى جانب التربية البدنية                        .
الرومان كانت فلسفتهم في الالعاب الرياضية مبنية على القوة و العنف بخلاف الاغريق التي كانت تتميز بالجمالية و الرشاقة و بعيدا عن العنف ، وكان جل اهتمام الرومان بالرياضة الدموية  فالمصارع لاقت اهتماما كبيرا عند ملوك الرومان فكانوا يستمتعون بمشاهدة صراعات العبيد الدموية التي تميزت بمختلف انواع العنف و الخشونة والقسوة و الهمجية مما ولد كرها لدى المجتمع الاوربي انذك ، ففي روما القديمة كانت تجري الاحتفال بحياة العبيد خلال القتال في ما بينهم حتى الموت اوالقتال مع الحيوانات المفترسة ” الاسود والنمور حتى الموت ” وكان الرومان يلقون ببعض رجال الدين الى الوحوش كي تمزقهم و تفترسهم اثناء المهرجانات الرياضية وكان هدف الرومان من هذه المشاهد والالعاب الدموية ترهيب الناس واثارة الخوف والفزع بين المجتمع الروماني وبذلك تامين المحافظة على الحكم . لذا كانت نظرة الكنيسة للرياضة الروماني الرفض واثم و خطيئة  ” محمد العجوري – التربية عند الرومان 2011  ” كانت الرياضة لدى الرومان وسيلة للترفيه و التسلية تتخللها العنف و الخطورة و التشويق للدماء  وذلك عكس ماكانت عليها لدى اليونانيين ” في دولة اثينا ” الذين كانوا ينظرون اليها من الناحية الاخلاقية و الروحانية لذا كانت المسابقات الاغريقية غير خطرة و غير دموية وكانت وسيلة لاظهار وبناء الانسان جماليا وعقليا و خلقيا وعمليا  ولم تكن العاب الصيد  جزءا من فلسفتهم الثقافية بل كان هدفهم الوحيد مجابهة الحيوانات المفترسة الكبيرة لحماية انفسهم و عوائلهم و محاصيلهم ” كراتكي فرنتيشك – تاريخ التربية البدنية  1963 براغ .                                                                 .
 قدماء الكورد اتجهوا في فلسفتهم الرياضية  نحو اتجاهين : الاول ” عسكري – قتالي ”  تميزت بالقوة البدنية و قوة التحمل – كما لدى الميديين و الكاشيين و الايلاميين  ” و هنا نجد بعض التشابه مع فلسفة الاغريق في ” دولة اسبارطة ” و مع فلسفة الرومان والتي تميزت بالقساوة والدموية ، اما الاتجاه الثاني : كان ” جماليا و فنيا و رياضيا واجتماعيا ، وكان  مشابه لفلسفة ” دولة  اثينا – الاغريقية ” حيث اهتموا الى الجانب الفني والجمالي ” الموسيقى و الغناء و الرقص الشعبي ” يذكر بول مترو – 1985 القاهرة  ”  كانت هنالك تشابه كبير وعلاقات بين اقوام اليونانيين القدماء و الكورد ” الساسانيين و الكاشيين ” الكاسيين ” و الميديين ، فالتشابه كانت في العوامل الجغرافية و الطبيعية وكذلك في الجوانب  القتالية  و الحروب المستمرة  مشابها  ” لدولة اسبارطة ” وقد اعتمد الكورد على القساوة و العنف في تربية الفرد منذ الصغر و من خلال تدريبهم على المصارعة و الملاكمة و السباحة و الرمي و القفز و الوثب و الجري  و المشي العسكري و تحمل المشاق ، و ركوب الخيل و صيد الحيوانات البرية وكان هذا النظام يسمح للكبار خلال منازلات المصارعة استعمال العنف و الضرب الشديد للتغلب على الخصم  .. يذكر البرفيسورليبنسكي يان – نفس المصدر السابق – 1960 براغ  ”  ان نظام ” اسبارطة ” اباح نوعا قاسيا من الرياضة اقرب الى الوحشية اذ كان  يسمح للمقاتلين قطع اي جزء من اجزاء الجسم .. كذلك الرومان اباحوا اشد العنف و القسوة خلال اقامة مهرجانات للمصارعة الدموية كانت تقام بين العبيد وبين الحيوانات المفترسة تارة وبين المعارضين للحكم تارة اخرى وكما اشرنا انفا ، قدماء الكورد اعتمدوا ايضا على العنف والقسوة في اسلوب تربية و اعداد  الفرد وكانوا  يهتمون بتدريب اطفالهم و شبابهم على فنون المصارعة و الفروسية و المبارزة و الملاكمة و صيد الحيوانات البرية  و كان  الكثير من ابطالهم  يدفعون ثمنا باهضا قد ” يؤدي بحياتهم للمخاطر وحتى الموت ” خلال المنازلات في المبارزة و المصارعة و الملاكمة و الفروسية و التدريبات القتالية والعسكرية ”  قاسم المندلاوي – الثقافة الرياضية و الاعداد العسكري في بلاد الرافدين قديما  – مجلة العلم و الحياة 1971 براغ ”  اما الجانب الاخر من فلسفة الكورد في الحياة  كانت تشبه ” دولة اثينا – الاغريقية ” حيث كانت للتربية الفنية و الاجتماعية مكانة بارزة لدى قدماء الكورد  كالتقدير و الاحترام و الطاعة و الصدق و الامانة و الاخلاص الى جانب الاعداد  البدني و القتالي للنشئ  ليصبحوا  و بمرور الزمن رجالا شجعان و محاربين يتمتعون بكامل اللياقة البدنية ” نفس المصدر السابق  ” وكان الصغار وبعد العشاء يجلسون في مجالس كبار السن وعند رئيس العشيرة ” ليستمعوا الى احاديث وقصص مشوقة و مثيرة ، كان في الغالب يدور حول الشجاعة و القتال لدى ابطال الكورد و امور حياتية و اجتماعية الاخرى ، وفي بعض الاحيان كان الاطفال و الشباب  يقدمون  انواع من الرقصات و الاغاني ” محمد عبد الله عمر – مباحث كوردية فيلية 2004 اربيل  ” كان الهدف الحقيقي للكورد خلق جيل الشباب  ليكونوا  اقوياء  و شجعان و مستعدين للقتال و الدفاع عن النفس و الارض  وكانت تربية الطفل تتم ضمن حدود الاسرة ،  لذا كانت للاسرة  تاثير كبير في تهيئة النشئ لمجابهة قساوة الطبيعة والمناخ و الكوارث في كوردستان فضلا عن الاستعداد التام للظروف و المتغيرات المختلفة و المخاطر المحاطة بهم  ” قاسم المندلاوي – الثقافة البدنية في العراق قديما – مجلة الشرق الجديد 1968 براغ  ”  كانت الحياة الاجتماعية لدى الكورد الميديين  مبنيا على  اساس الروابط الاسرية ” العائلية ” وكان افضل ابناء العائلة  او القبيلة من النواحي العقلية و البدنية ينتخب رئيسا .. يذكرعبد الستار طاهر شريف ” المرأة في المجتمع الكوردي – دراسة اجتماعية وثقافية سياسية 1981 بغداد ” ان شخصية الطفل الذي يولد و يرضع في ظروف بيئية قاسية كالعيش في المغارة و الكهوف و يترك للطبيعة في رعايته يتكون لديه نوع من القسوة و الخشونة ، اذن فالطفل الكوردي   و الكلام للسيد عبد الستار طاهر  تعود على المغارة و تنمى فيه روح الاقدام و الشجاعة و المواظبة على النضال و حمل الصعاب ، لذا فان جميع تلك العوامل الاخلاقية و الحياتية و الطبيعية و المناخية جعل من الانسان الكوردي الاهتمام باللياقة البدنية و الاعداد  القتالي  وقد انتشر في كوردستان مجتمعات سكنية محصنة  بقلاع تحيط بها وهذه القلاع كانت منيعة جدا و مبنية فوق قمم الجبال الصخرية او على تلال تستحدث من الاتراب لهذا الغرض .. كان يحيط بالقلاع سورا او عدة  اسوار تبنى فيها اماكن خاصة لرمي السهام و الرماح و قنوات مائية للاستفادة منها في حالات الضرورة و الحصار . ” لويس ماسينيون – الاكراد اصلهم ، تاريخهم ، موطنهم عقائدهم ، ادبهم لهجاتهم قبائلهم قضاياهم  ظرائف عنهم 1958 بيروت  ”  و نظرا  لان بلاد الكورد كانت معرضة دوما لظروف طارئة ، اخذت تستخدم الخيول لاغراض عسكرية و قتالية ، و تعتقد مجموعة من المؤرخين بان الكاشيين هم اول شعب استخدم الخيول في الحروب وفي سحب العربات و حمل الاثقال ، وهم الذين علموا سكان ما بين النهرين السفلى كيفية استخدامها حيث كانوا يطلقون على الخيول اسم ” الحمار الجبلي ”  وكانوا  يستفيدون من الخيول في الصيد ايضا ” جيمس هنري – 1969 القاهرة   ” وقد اشتهر العشائر الكوردية التي  كانت تقطن ” زاغروس ” بالفروسية و فنونها  و بتربية الخيول ، و تشبه الخيول الكوردية الخيول العربية ، الا انها اصغر منها  حجما واكثر منها قوة بالمقابل ، و يذكر كل من ” دانا ادمز شميدت  و  وليام  اي وغيرهم ” رحلة الى رجال شجعان في كردستان – ترجمة جرجيس فتح الله المحامي 1971 بيروت  ”  الذين زارو المناطق الكوردية  التي تربى فيها الخيول لم يكفوا عن الاشادة  بقدرة و كفاءة الكورد في الفروسية  وقالوا بان الكورد بوجه عام فرسان مهرة .. يذكر المؤرخ ” جوزيف كليما ” ” جوزيف كليما – المجتمع و الثقافة في بلاد الرافدين  – 1963 براغ  ” ان الكورد كانوا يتمتعون بنوع من الاعداد البدني مرتبطة باسلوب الفروسية والمبارزة و فنون القتال ، والتي كانت من الامور المهمة عند ملوك الحكم الميدي وذلك لتربية واعداد الشباب على القساوة ومخاطر الحياة ، كان الكبار يمارسون صيد الحيوانات البرية ، كما كانوا يساهمون في حلقات الرقص في الافراح و الحفلات الدينية و المناسبات الاخرى ، كما كانوا يقضون ما تبقى من الوقت في الفروسية و المبارزة وقطع المسافات مشيا والتي كانت اهم اهدافهم التربوية والحياتية ، واذا كان الاسبارطيون قد اباحو نوعا قاسيا من الرياضة يجمع بين الملاكمة و المصارعة وهو اقرب الى الوحشية اذ كان يسمح للمقاتلين ان يستخدمو اي وسيله للتغلب على الخصم  ولو ادى الامر الى قطع جزء من اجزاء الجسم ، كذلك  فان قدماء الكورد كانوا يمارسون ايضا العاب وفنون قتالية خطرة خلال المبارزة و المصارعة و الفروسية ، وكانت تؤدي في الكثير من الحالات الى اصابة المبارزين بتشوهات جسدية او الى فقدان الحياة .. وبالاضافة لما سبق فقد كان الكورد الكاشيين و الميديين والايلاميين اهتموا بالزراعة وتربية الحيوانات و صناعة الاواني و الادوات الفخارية  والاسلحة و الالات  المستخدمة في الصيد و في الحروب ، ويذكر  دياكونوف . م ” ميدي ” ترجمة برهان قانع 1978  ”  عن التقدم الفني و الصناعي عند الكاشيين  ، كذلك فان الكورد الكاشيين و الميديين  منذ القديم استخدموا في حروبهم  البارجات الحربية ” كه له ك ”  لعبور الانهار و البحيرات وكانت للسباحة و التدريبات المائية مكانة خاصة لديهم ، وكان المقتلون الجنود يتدربون ويمارسون السباحة والفعاليات القتالية ضمن برامج عسكرية ” فاضل قرداغي – ميزووي لو للو 1998 السليمانية  ” ..  يقول احمد فوزي ” التاريخ الكردي 1961 القاهرة  ” الكوردي الى كونه مقاتلا لايهمل الحب ، فهو غالبا ما يغني الاغنيات الغرامية ويتغزل كما انه يفني  بحياته من اجل حبه ، ان احداث قصة ” فرهاد وشرين ” الا دليلا قاطعا على الحياة العاطفية والحب النقي والطاهر من قبل ” فرهاد ” الذي كان بطل زمانه ، شجاعا وقويا وهو الذي قام بحفر جبل ” بيستون ” هذا الجبل العملاق الذي يحيط بمدينة ” كرمنشاه ” الكوردية في شرق كوردستان ، وكان ذلك شرطا لزواجه من ” شيرين ” حيث استطاع هذا البطل الكوردي بقوة ايمانه وصبره واردته الصلبة حفر هذا الجبل واخراج الماء منه ”  سعيد ئاكام ” كورد له ميزووي دراوشيكايندا – 1979 ” والى يومنا يتدفق ماء عذب صافي وبارد كالثلج من ذلك المكان و يسقي مدينة كرمنشاه و ضواحيها ، كما ان هذا المكان اصبح مركزا سياحيا دوليا للسواح القادمين من الخارج اضافة الى سكان المدينة ، و يمارس الشباب في هذا المكان بعض الالعاب الرياضية والانشطة الترويحية اضافة الى اقامة حفلات موسيقية وغنائية و الرقصات الفولكلورية من قبل الفتيات والفتيان .. ان اغنية الحصادين حول ” فرهاد وشيرين ” تذكر الرحالة ” ريج ” من قصيدة ” تآس ” التي كان يغنيها البحارة البنادقة في زوارقهم ، وتآس هو الشاعر الغنائي والحماسي الايطالي الذي نال من أضطهاد الكنيسة وعذابها الشيء الكثير حتى مات وهو في حالة اشبه ماتكون بالمجنون . كما ان هناك تقارب واضح في وسائل اللهو بين الرومان والكورد و يؤكد على ذلك  الكاتب الروسي ” مينورسكي ” مجلة الكوران ” 1943 موسكو ”  تشابه وسائل اللهو عند الكورد عدا الموسيقى و الرقص ، وهكذا فان تاريخ قدماء الكورد حافل بالاثباتات و الادلة القاطعة على ما قدم هذا الشعب في حضاراتهم القديمة من بطولات وشجاعة قتالية وفنون موسيقية وفولكلورية والعاب رياضية وغيرها  وان انهم  اتبعوا منهجا منتظما و خاصا وفلسفة واضحة في التربية  البدنية و الالعاب الرياضية ، و الامة الكوردية فخورة بحضاراتهم العريقة و المشرقة ” قاسم المندلاوي ” الثقافة الرياضية والاعداد العسكري عند الكورد قديما ”  1975  بيروت صوت الاكراد د          .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here