السودان : الى اين ..؟

السودان : الى اين ..؟

الكاتب محمد شمال

عاش السودان حقبة طويلة من المحن والمصائب , جراء الانقلابات الدموية لحكم العسكر ,

المعروف بالظلم والاستبداد والسيطرة على الثروات وحرمان اغلبية الشعب السوداني منها , واختصارها على فئة قليلة , هي الفئة التي تسيطر على البلاد ” بالحديد والنار ” وتستحوذ على كل خيراته .. هذا هو الوضع السائد في السودان .. ما ان ينتهي من طاغية ويضحي بعشرات الثوار من ابنائه , ويزيحه عن سدة الحكم ويظن انه سيرتاح , حتى يبتلى باخر اشد منه عنفا وقسوة . وهكذا ياللاسف الحال منذ امد بعيد , يكرر مأساته واحواله المتردية وينتظر الفرج من حيث لا يدري . ان الاطماع والمصالح الشخصية وحب الاستحواذ على خيرات البلد وعدم الاهتمام بمصالح السواد الاعظم من الناس , كلها اسباب منطقية لدى حكام السودان , لتحكيم قبضتهم على الشعب المسكين , وخنق حرياته وسلب ارادته ودفعه الى القبول بالامر الواقع , الذي رسمته الطغمة الحاكمة لتسيطر على البلاد والعباد , دون ان تترك فرصة لشعبهم ان يشاركهم تلك الخيرات , وان يعيشوا كبقية عباد الله ! . ان التعامل المزري والعنيف , والذي يرتدي جلباب الاستبداد , عمق الهوة بين السلطة وابناء الشعب السوداني , واصبحت المسافة بين الطرفين ابعد ما تكون , والحاجز بينهما مخيفا , .. من هنا , من بئر الضغوطات وخيمة الاحزان وظلم السجان وانين الحرمان , بدأ التململ وتغلغل القهر والشعور بالحيف والاضطهاد , وسط النفوس , وبات الخروج الى الشارع , واجب شرعي تحتمه الاوضاع الرهيبة التي يعيشها الشعب المنكوب .. نعم هذا هو السيناريو الذي يتكرر في كل مدة , ويبدأ بقتل الابرياء, ولا ينتهي الا بالقضاء على المتسلطين على رقابهم .. حتى اصبحت تلك الاحول امثلة تتداولها الناس , للاشارة الى تعدد الانقلابات في هذا البلد العربي الذي تكفي خيراته ان يعيش عزيزا وكريما مدى الحياة .

أن السودان ما بعد الاستعمار بقي في حالة من الاعتقال التاريخي، فهو يكرر دورة تاريخية واحدة، بنفس المعالم العامة (مع تغيّرات في التفاصيل بسبب اختلاف سياقات زمنية)، بصورة غريبة، وباسترجاع وتحقيق للعبارة الشهيرة لمحمود محمد طه “كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها”. ومن أجل الخروج من هذا الاعتقال ينبغي أن تحصل اختراقات حقيقية في الحراك السياسي السوداني، وتلك الاختراقات تقتضي، ضمن ما تقتضي، تمايز الصفوف بين من يريدون تحوّلات جذرية في بنية الدولة السودانية وعلاقات السلطة والثروة فيها , وبين من يريدون تغيير واجهات ومساحيق بين الحين والآخر مع الاحتفاظ ببنية الدولة وعلاقات السلطة والثروة . المهم في الامر , ان السودان في مأزق حقيقي ,

والذين حكموه .. للاسف لم ينصفوه , وتوالت عليه الكوارث والمصائب , من حكومة انقلاب لاخرى , والثمن يدفعه من دماء ابنائه , الذين لا يعرفون غير الخروج الى الشارع , ليعبروا عن غضبهم , واطلاق شعاراتهم التي تعبر عن مطالبهم الحقة .

ان الحراك الشعبي في السودان لا يزال مستمرا , والدماء النازفة لا تزال تروي الارض , والحناجر لا تزال تصدح بمطالبها والشوارع مكتظة بجموع الشباب الذين قرروا البقاء في ساحات العز والنزال لتحقيق الاهداف المرجوة ..

أن علينا أن نركّز على هذا الاختلاف الجديد البارز: طول وسعة , فترة الحراك وكبر التضحيات، فهذا الاختلاف ربما هو مفتاحنا لكسر الحلقة البائسة والخروج من هذا الاعتقال التاريخي نحو ممكنات أوسع وأعمق.
لذلك، وكما أكّدت قوى الثورة، فما حدث في، 21 نوفمبر 2021، في ما سمّي بالاتفاق السياسي، لا يعني قوى الثورة في شيء، فالثورة ماضية بديناميكاتها وقوتها الذاتية في طلب أهدافها، مهما تكالبت عليها دواعي الانحراف (وهي الدواعي التي أخّرتها فعلا وكلّفتها المزيد من الثمن والزمن، لكن لم تقتلها).

وما زالت السيناريوهات الصعبة تتفتّق، والتحديات تترى، لكن الشعب يزداد وعياً بتسارع كبير، ويزداد تصميما في خياراته المصيرية وتزداد قوى الثورة حماساً في العمل المستمر حتى النصر.

ان الشعب المكافح , لابد ان يصل الى اهدافه مهما كان الثمن , شريطة ان يوحد صفوفه ويسير بخطى ثابتة , وتتفق النوايا على توحيد الجهود والكلمة , والنزول الى الساحة بمظاهرات سلمية , اهدافها تحقيق العدالة لعموم ابناء الشعب السوداني وارجاع الحقوق المسلوبة , وتحويل المذنبين بحق الشعب , الى العدالة لتاخذ مجراها وتنفذ القصاص العادل بكل من يستهدف ابناء الشعب , وكل من يقدم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ولا يعير اهتماما لشعبه الذي صوت له , ليحميه ويصون حقوقه ويهتم بشؤونه وشؤون عائلته . . الامل كبير بان يعود الشعب السوداني الى طبيعته التي ميزته عن اقرانه , وان يتبوأ مكانة تليق به كشعب عربي كريم , يحب العدل والانصاف والمساواة بين الجميع ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here