الأورومتوسطي: إفادات مروّعة تكشف وحشية الهجوم على قرية “نهر الإمام” بديالى شرقي العراق

جنيف – كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن إفادات مروّعة حول حادثة اقتحام ميليشيات مسلّحة قرية “نهر الإمام” شمال شرق محافظة ديالى شرقي العراق في أكتوبر/تشرين أول الماضي، ما أسفر عن مقتل 12 مدنيًا بينهم أطفال ومسنّون، وتهجير سكان القرية، وتخريب وإحراق ممتلكات عامة وخاصة.

وقال المرصد الأورومتوسطي -ومقرّه جنيف- في بيان صحفي اليوم الأحد، إنّ سكان القرية والبالغ عددهم نحو 1,250 شخصًا ما يزالون حتى الآن غير قادرين على العودة إلى بيوتهم بعد نحو 40 يومًا من النزوح، بسبب عدم وجود ضمانات من القوات الحكومية –التي تسيطر حاليًا على القرية- بحمايتهم من هجمات مشابهة، لافتًا إلى أنّهم يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، ولا يتلقون سوى مساعدات حكومية محدودة، ومساعدات أخرى من الأهالي في المناطق المجاورة.

وفي 26 أكتوبر/تشرين أول، اقتحم مسلّحون قرية “نهر الإمام” –يسكنها سُنّة- في محافظة ديالى عند حوالي الساعة العاشرة والنصف مساءً، بعد نحو ساعة واحدة من هجوم دموي على قرية “الرشاد” المجاورة –يسكنها شيعة- راح ضحيته 14 مدنيًا، فيما بدا انتقامًا من أهالي قرية “نهر الإمام” الذين تعرّضوا بعد هجوم “الرشاد” لحملة تحريض وكراهية واتهام بالمسؤولية عن الهجوم.

وبحسب تقديرات أهالي القرية، تسبب الهجوم –عدا عن مقتل 12 مدنيًا- بخسائر مادية شملت إحراق 70 منزلاً من أصل 160 في القرية، بالإضافة إلى إتلاف وإحراق 30 دونمًا زراعيًا و40 مركبة.

ووفق الإفادات التي جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي من أهالي القرية، فإنّ قوات الحشد الشعبي (هيئة عسكرية تتبع بصفة رسمية للقوات النظامية العراقية) لم تحاول منع هجوم المسلحين على المدنيين في قرية “نهر الإمام”، بل واقتحمت القرية قبل وقت قصير من الهجوم، في سلوك يثير الشكوك حول إمكانية وجود تنسيق أو تعاون بين الحشد الشعبي والميليشيات المسلحة التي هاجمت القرية.

أبلغ “م.س”، وهو أحد سكان قرية “نهر الإمام”، فريق المرصد الأورومتوسطي: “تفاجأنا بعد نحو ساعة من الهجوم على قرية “الرشاد” باقتحام القرية من قبل قوات تتبع اللواء (24) في التابع للحشد الشعبي والذي يبعد مقره حوالي 3 كلم عن القرية، حيث نفذوا جولة سريعة في القرية على ما يبدو للتأكد من عدم وجود مسلحين أو مقاومة محتملة لأي هجوم، وبعدها مباشرة دخل المسلحون القرية وبدأوا بعمليات الإعدام والتخريب”.

ووفق الإفادات، نفّذ المسلحون الذين اقتحموا القرية عمليات إعدام ميداني لمسنين وأطفال، وأحرقوا وخرّبوا منازل وممتلكات الأهالي بلا رحمة، إذ أخبر 4 أفراد من سكان قرية “نهر الإمام” فريق الأورومتوسطي أن المسلحون اقتحموا منزل “كريم حسين سلامة” (65 عامًا)، وهو رجل مبتور القدم ويقيم مع عائلته، وكان لحظة دخول المسلحين المنزل يحتضن حفيده “أيهم أيمن كريم سلامة” (3 سنوات)، حيث توسّل لهم على مرأى من عائلته أن يقتلوه ويتركوا الطفل الصغير، إلا أنّهم قتلوا الطفل ثم قتلوا جدّه بدم بارد.

وفي حادثة أخرى، قال “ب.ج”، وهو أحد سكان القرية، لفريق المرصد الأورومتوسطي إنّ المسلحين قتلوا رجلًا ثمانينيًا بطريقة وحشية، إذ أفاد أنّ المسن “صالح محمد حبيب” كان في منزله مساء يوم الهجوم، لكنّ المسلحين لم يهاجموا منزله كونه يقع في مكان ناءٍ داخل القرية. وفي صباح اليوم التالي، توجّه المسن -الذي لم يكن يعلم بالهجوم- مستعينًا بعكازته إلى منزل شقيقه داخل القرية، ليتفاجأ بالمسلحين الذين اعترضوا طريقه وقتلوه باستخدام “الساطور”.

وعلى إثر الهجوم الذي استمر من حوالي الساعة العاشرة والنصف مساءً إلى الساعة الثالثة صباح اليوم التالي، نزح مجموعة من الأطفال والنساء باتجاه قرية “شوك الريم” التي تبعد كيلو مترًا واحدًا عن القرية. وفي ظهيرة يوم الأربعاء 27 أكتوبر/ تشرين أول، بدأت القوات الأمنية بتجميع الأهالي في مضايف أحد الوجهاء المحليين شرق قرية “نهر الإمام”، وعند الساعة الثانية والنصف ظهرًا أُخبر الأهالي أنّ قوات الأمن ستنقلهم إلى المنطقة التي يرغبون بالنزوح إليها نظرًا لعجزها عن حمايتهم، حيث خرجت نحو 284 عائلة بإجمالي عدد أفراد يقدر بـ 1,250 شخصًا وهم جميع سكان القرية باتجاه سيطرة “الهارونية” التي تبعد (2.5) كلم، وبعد ذلك اتجهوا إلى قضاء بعقوبة مركز محافظة ديالى، وتم استقبالهم في أحد المساجد هناك، ويقيم معظمهم في الوقت الحالي في بعقوبة.

وحصل المرصد الأورومتوسطي على أسماء وأعمار عشرة مدنيين من ضحايا الهجوم، وهم: محمد كاظم نصيب (85 عامًا)، وصالح محمد حبيب (80 عامًا)، كريم حسين سلامة (65 عامًا)، وعدنان إبراهيم سلامة (55 عامًا)، زهير محمد دقدق (45 عامًا)، وستار إبراهيم محمود (23 عامًا)، وعباس جواد إبراهيم (17 عامًا)، وعلي جواد إبراهيم (14 عامًا)، وأيمن علي شهاب (13 عامًا)، وأيهم كريم سلامة (3 أعوام).

وكان رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” أمر بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين أول بإجراء تحقيق شامل في أحداث قريتي “الرشاد” و “نهر الإمام”، لكن حتى هذه اللحظة لم تظهر أي نتائج للتحقيق، ولم تحدد الجهات الرسمية هوية مرتكبي تلك الفظائع.

وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي “عمر عجلوني” إنّ عدم تحديد الحكومة العراقية هوية الجناة يمثل استمرارًا لعجزها عن حماية المدنيين أثناء حدوث الهجوم، مشدّدًا على مسؤولية السلطات في إطلاع الرأي العام على مجريات التحقيق في الجرائم المرتكبة في قريتي “نهر الإمام” و “الرشاد”، ومحاسبة المتورطين وتعويض أهالي الضحايا والمتضررين.

وأضاف أنّ حماية المدنيين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية مسؤولية أصيلة للدولة بموجب المادة (15) من الدستور العراقي والتي نصت على أنّ:”لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقًا للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة”.

وطالب المرصد الأورومتوسطي الحكومة العراقية بتقديم الدعم الكافي لنازحي قرية “نهر الإمام” في أماكن إقامتهم المؤقتة، والعمل بشكل سريع لتأمين عودتهم إلى بيوتهم وإنهاء أي مخاطر أمنية من شأنها أن تؤخر عودتهم أو تشكّل خطرًا على أمنهم وسلامتهم.

ودعا المرصد الأورومتوسطي الحكومة العراقية إلى التحقيق في حوادث القتل الجماعي والتخريب في قرية “نهر الإمام” وقرية “الرشاد”، وتقديم المتورطين إلى العدالة، وبذل جميع الجهود الممكنة للتأكد من عدم تكرار مثل هذه الجرائم، ويشمل ذلك الحد من خطاب الكراهية والتحريض السياسي والطائفي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here