قرار وزير العمل وآثاره على فلسطينيي لبنان..

قرار وزير العمل وآثاره على فلسطينيي لبنان..

فتحي كليب / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

أثار القرار الصادر عن وزير العمل اللبناني مؤخرا “والمتعلق بالمهن الواجب حصرها باللبنانيين فقط” ضجة سياسية مفتعلة وغير مبررة لا في الشكل ولا في المضمون، من قوى “طائفية” لبنانية امتهنت الاستخدام السياسي وباتت تتبارى وتتنافس في رفض كل مطلب انساني محق يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، خاصة عشية الانتخابات البرلمانية..

حدد القرار في مادته الاولى المهن التي يجب حصرها باللبنانيين دون سواهم، سواء على مستوى الاجراء او ارباب العمل. ولأسباب انسانية واخرى لها علاقة بحاجة السوق اللبناني، فقد استثنى هذا القرار الفلسطينيون المقيمون بشكل قانوني في لبنان، اضافة الى بعض الفئات من غير اللبنانيين.. ويعتبر القرار تقليدا سنويا اتاحه القانون لوزير العمل الذي ترجع اليه مسؤولية تحديد المهن الواجب حصرها باللبنانيين في اطار سياسة حماية اليد العاملة المحلية..

ماذا يعني هذا القرار بالنسبة للعمال الفلسطينيين، وهل حقا منحهم الحق بالعمل؟ من الناحية العملية، لم يرتب القرار السابق اي اثر قانوني بالنسبة للعمالة الفلسطينية، وما اضافه هو فقط زيادة بعض المهن التي كانت سابقا ممنوع على الفلسطيني الاقتراب منها. فقبل صدور القرار، ووفقا لقرارات ادارية سابقة، كان على الفلسطيني ضرورة الحصول على اجازة عمل في المهن التي حددتها وزارة العمل قبل ممارسته المهنة، وما حصل اليوم هو رفع عدد هذه المهن. وفي كلتا الحالتين، سواء صدر قرار عن وزير العمل او لم يصدر، فعلى الاجانب، ومن ضمنهم الفلسطينيون بالتعريف الاستنسابي، ضرورة الحصول على اجازة العمل، اي من الناحية القانونية لا يمكن القول ان الفلسطيني اصبح بامكانه العمل بحرية، فهذا امر يتجاوز صلاحيات الوزير ويتعلق بمواد قانونية ما زالت تعتبره اجنبيا اولا وتشترط عليه ثانيا ضرورة الحصول على اجازة عمل، وهو امر لم يتغير بقرار وزير العمل الاخير..

ووفقا لما قاله وزير العمل في شرحه لحيثيات القرار انه لم يخالف القانون، وان ما قام به لا يعدو كونه توسع في المهن لصالح الفلسطيني نتيجة حاجة السوق اللبنانية لذلك، خاصة بعد مغادرة آلاف العمال اللبنانيين بسبب الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، وبالتالي فما كان ممنوعا ومحظّرا في القوانين والمراسيم والأنظمة النقابية وغيرها، ما زال ممنوعاً وهو باق على حاله. فما الذي حصل.

هل خالف وزير العمل صلاحياته، وهل فعلا ان القرار يخالف الدستور وقانون العمل كما ذكر الوزير جبران باسيل وغيره؟ لسنا هنا في معرض الدفاع عن وزير العمل، فقد افاض بما يكفي في مؤتمره الصحفي الذي خصص لشرح القرار وحيثياته ومدى قانونيته.. فقط نود ان نذكر بعض من وضع اجراء وزير العمل في خانة التوطين او غير ذلك من مبالغات معروفة اهدافها، خاصة وان الاجراء ليس الاول من نوعه، بل سبق لكثيرين من الوزراء وان اصدروا قرارات مماثلة لن نستفيض في ذكرها، فقط سوف نستذكر بعضها:

في عام 2005، اصدر وزير العمل طراد حماده قرارا اداريا حدد بموجبه اكثر من 61 مهنة محصورة باللبنانيين فقط، واستثنى من القرار “الفلسطينييون المولودون على الاراضي اللبنانية والمسجلون بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية”، وهي نفس الصيغة التي استعارها الوزير الحالي مصطفى بيرم. وفي حينه لم نر القوى الطائفية تتنطح في رفض هذا القرار وبعضها كان مشاركا في الحكومة. وفي العام 2008 اصدار الوزير محمد فنيش قرارا مماثلا قلص بموجبه عدد المهن المحصورة باللبنانيين لتنخفض الى نحو 53 مهنة، وايضا تم استثناء الفلسطينيين من هذا القرار.. ولم نسمع الغيارى على الوطن والوطنية يرفضون او يحتجون على هذا القرار.. وفي عام 2010 عاد الوزير بطرس حرب ليصدر قرارا مماثلا بخفض المهن الى نحو 45 مهنة ويستثني بدوره الفلسطينيون المولودون في لبنان مستعيرا نفس الصيغة من قرارات سابقة.. اما في عهد الوزير سجعان قزي (2014) فكان التشدد في منح اجازات عمل للفلسطينيين هو السائد، حيث سجل اقل عدد اجازات عمل خلال فترة توليه الوزارة، اما الوزير كميل ابو سليمان (2019) فقد نزل الى الشارع ملاحقا العمال وارباب العمل الفلسطينيين باحثا عما اذا كانوا يعملون بشكل قانوني ويحملون اجازة عمل ام لا!

خلال كل القرارات السابقة، كان وزراء العمل يمارسون صلاحياتهم المحددة لهم بالقانون، لكن القيود القانونية المتعلقة بضرورة الاستحصال على اجازة العمل ظلت قائمة، وكل ما فعله الوزراء هو توسيع دائرة الاستثناء، كما فعل وزير العمل الحالي مصطفى بيرم، الذي قام بزيادة عدد المهن الذي بامكان الفلسطيني ان يعمل بها لتصل الى نحو 100 مهنة، لكن شريطة الحصول على اجازة العمل المنصوص عنها في قانون العمل (المادة 59) وفي مرسوم تنظيم عمل الاجانب. اما المهن الحرة، فقد سمح الوزير بممارستها شرط التقيد بالشروط الخاصة بالمهن المنظمة بقانون، وهنا استحالة تطبيق هذا البند، لأن القاسم المشترك لجميع المهن الحرة هو اشتراطها لمن يريد ممارسة المهنة ان يكون لبنانيا منذ عشر سنوات على الاقل وان يكون بلده يعامل اللبناني بالمثل، وهذا ما لا يتوفر بالحالة الفلسطينية، وفقا للتفسيرات الاستنسابية التمييزية.

لقد كان الوزير موفقا في وصفه الرافضين للقرار انهم لا يقرأون جيدا، وقد يجهلون بعض النصوص القانونية، وان حملتهم هي محض افتراء وتسرع وقلة مهنية. فالوزير لم يتصرف الا استنادا للصلاحيات الممنوحة له من قبل القانون، والمحددة في المادة التاسعة من مرسوم تنظيم عمل الاجانب رقم 16571 لعام 1964 وتعديلاته المختلفة والتي تشير نصا الى التالي: “يحدد وزير العمل خلال شهر كانون الاول من كل عام، بناء على اقتراح المدير العام، وبعد استطلاع رأي الادارات والهيئات المختصة عند الاقتضاء، الاعمال والمهن التي ترى الوزارة ضرورة حصرها باللبنانيين”.

وعلى هذا القاعدة تقوم ” المؤسسة الوطنية للاستخدام” في وزارة العمل باجراء مسح سنوي للسوق اللبنانية ودراسة المهن التي يشغلها لبنانيون، وبناء على هذه الدراسة يقوم وزير العمل بتحديد المهن التي يمكن التساهل في السماح للاجنبي بممارستها ضمن الاصول القانونية ومن ضمنهم الفلسطينيون..

هذه هي حدود القرار لا اكثر ولا اقل، اما الكلام عن التوطين واحلال العمال الفلسطينيين مكان اللبنانيين او تغيير هوية ووجه لبنان وغير ذلك من تحليلات اسطورية وخيالية، فنقاشها في مكان آخر، ولا يمكن تفسيرها الا في اطار سياسة المناكفات والاستخدام السياسي، وهي تدخل ضمن احدى احتمالين او الاثنين معا: اما ان خلفيتها هي العداء المستحكم من قبل فئة من اللبنانيين ضد كل مطلب فلسطيني محق، بغض النظر عن احقيته، واما بسبب اقتراب الانتخابات البرلمانية وما يمكن ان يشكله اللاجئون الفلسطينيون والسوريون من مادة سياسية يمكن ان تساهم في رفع شعبية بعض القوى الطائفية، حتى لو كانت حملتهم غير موضوعية وظالمة وتفتقد للحس الانساني والاخلاقي..

ان القرار الذي اصدره وزير العمل الاستاذ مصطفى بيرم يجب التعاطي معه وتقييمه انطلاقا من حجمه الطبيعي. فهو تدبير اداري صادرة عن وزير، والتدبير الاداري بحكم الاعراف الوزارية يمكن ان يلغى بتدبير اداري آخر. فالتوسع في السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل، في بعض المهن لم يأت نتيجة لقانون شرع لهم هذا الحق، كما اعتبر البعض في وصفه لهذا الاجراء، بل لرؤية الوزارة والمؤسسات المعنية، خاصة المؤسسة الوطنية للاستخدام، التي حددت حاجة السوق اللبنانية لليد العاملة الاجنبية والمهارات اللبنانية المتوافرة لتلبية هذه الحاجة، وبناء على ما قالته هذه المؤسسة، جاء قرار وزير العمل مترجما لها. وقد تكون نفس الهيئات التي اقترحت على الوزير كميل ابو سليمان اتخاذ اجراءاته ضد العمال الفلسطينيين عام 2019، وفي حينها جميع القوى التي رفضت قرار الوزير الحالي ايدت ودافعت عن اجراءات ابو سليمان، وهذا التناقض يعبر عن سياسة انتقائية غير متوازنة يصح فيها القول “الصيف والشتاء تحت سقف واحدة”.

ان الترحيب الذي صدر عن فصائل ومنظمات عمالية فلسطينية ناتج عن حرص حقيقي على نسج افضل العلاقات مع مؤسسات الدولة اللبنانية ومؤسساتها المختلفة، وربما يكون في جانب منه مقارنة باجراءات اتخذها وزراء سابقون بملاحقة العمال الفلسطينيين ومنعهم من العمل. وفي هذه الحالة ليس هناك من ضمان ان يبقى هذا الاستثناء خلال العام القادم، او في عهد وزير آخر قد يتشدد في هذا الاستثناء. لذلك كان واجبا على الفلسطينيين تقدير خطوة وزير العمل وشكره على قراره الذي يمكن وضعه في خانة الموقف الايجابي والمنسجم مع ما سبق لمعالي الوزير وان وعد به سابقا لجهة دعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتحسين اوضاعهم المعيشية.

اذاكان قرار وزير العمل اللبناني خطوة بالاتجاه الصحيح، فان ما يطمح اليه اللاجئون الفلسطينيون اليوم، بعيدا عن المواقف الشعبوية الطائفية، هو ان تستكمل هذه الخطوة لتأخذ مسارها القانوني الصحيح في توفير الحماية لليد العاملة الفلسطينية بعيدا عن كافة صيغ الاستغلال، ومن خلال مسألتين: الاول يحصن خطوة وزير العمل من خلال تشريع قانوني يلغي اجازة العمل بشكل كامل باعتبارها عنوانا لحالة التمييز المرفوضة، والثاني مراعاة الاوضاع الخاصة للفلسطينيين باعتبارهم لاجئون مسجلون في قيود وزارة الداخلية اللبنانية وليسوا اجانب، ما يعني ضرورة التعاطي معهم وفق خصوصيتهم الوطنية، خاصة وان المرحلة السابقة اكدت قصور القوانين اللبنانية في تعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

بيروت في 11 كانون الاول 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here