زارتني حبيبتي ” أوفو ” قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

ربما كنتُ متواجدا ــ حسيا مبهما على الأقل ــ بين منطقة حياد رمادية لصحوة مترجرجة وهزازة ، و بين عتمة نعاس مظللة بأشيائها المتماوجة كأرجوحة منطلقة بسرعة صاروخ إلى أعمق سديم مديد .. حينما زارتني بعد منتصف الليل مخلوقة ” أوفو ” مسالمة .. وقد كانت في منتهى لطف وبشاشة أيضا .. أمر الذي أزال مني الخوف سريعا .. مع أنها كانت ــ حسب توجسي ــ مدججة بأعتى أسلحة خطيرة سرية كانت تومض حول خاصرتها الرشيقة والنابضة مثل لعبة أطفال مشعة .. ضيّفتُها بقدح من نبيذ معتق ماركة “توكايي ” الهنغاري الشهير ، ولكنها لم ترتشف ولا قطرة واحدة .. ثم سألتها فيما إذا كان بإمكاني خدمتها بشيء ما أو حاجة ملحة وفورا ، فقالت بهزة رأس نافية وقاطعة :
ــ شكرا لا !..لستُ بحاجة لأي شيء مطلقا ..
ثم أضافت ــ كأنما توضح سبب زيارتها ــ إنها رأت من واجبها إن تنبهني إلى إنه من الممكن ، و في أي وقت ملائم ، سنقوم بغزو الأرض بهدف تحريرها من براثن بشرية باتت خطيرة جدا ، وذلك إنقاذا للطبيعة المهددة بخراب كامل بفعل بشر جشعين وغير مبالين ..
عندما سألتها بدافع فضولي من أنتم ؟..و لماذا وقع اختيارها عليّ أنا بالذات لتنبهني بهذا الخبر الخطير و الجلل ؟، فأجابت بنبرة يقين واثقة جدا :
ــ بالمناسبة نحن كائنات فضائية !.. حيث يروق لكم أنتم البشر تسميتنا ب “أوفو ” .. أما لماذا أخبرك أنت بالذات، فذلك لكونك من محبي الطبيعة المخلصين وحريص على عافية الأرض وحمايتها من تكالب طماعين وشريرين .. أما السبب الثاني فأنا مغرمة بك في الحقيقة !.. وسأكون سعيدة لو ترافقني إلى دياري البعيدة في كوكب آخر وبعيد جدا ..
فصحتُ حينذاك مؤيدا و بتحمس مفرط :
ــ أي و الله صحيح !.. يا صديقتي” أوفو العزيزة !..فأنا مغرم بأمنا الطبيعة الخلاّقة العظيمة بشغف شديد و بشكل صوفي أيضا !، إلى حد أتخيل الله رمزا متجسدا بالطبيعة ذاتها التي أرى في كل مخلوقاتهـا ـ( طبعا ما ماعدا بشر) وجودا بديعا و جمالا مدهشا ومبهرا لا يزول و لا ينضب !.. تصوري عزيزتي أوفو أن نملة وفراشة أو نحلة و غزالة
و زرافة ، حتى نمرا و طائرا وشجرة ..ناهيك عن عشبة زاهية و زهرة فواحة ووردة ريانة مفعمة ونهرا جاريا و نبعا متعانقا مع جذور زنابق و رياحين: فكل هذا يجعلني في دهشة إعجاب آسر كعاشق أبدي..بل افتنانا دائما لا يُمل بجمال أمنا الطبيعة الساحرة العظيمة وبمخلوقاتها غير البشرية .. وأما أن أذهب معكِ إلى دياركِ الواقعة خلف كواكب بعيدة ومجهولة و غامضة ، فأنا أخشى من احتمالات قسوة غربة و ضيق اغتراب وكذلك من معاناة حنين لا أدري إلى ماذا و ……
قاطعتني ضاحكة ضحكة تهكم وسائلة بنبرة ازدراء :
ــ هل حقا ستحنَّ إلى مثل هؤلاء البشر المخربين و الجشعين الذي يكادون أن يخربوا الأرض تخريبا شبه كامل ، ليجعلوا منها صحارى قاحلة و قفارا لا يصلح سوى لمكب نفاياتهم التي تزادا جبالا فوق جبال يوما بعد يوم ؟.. حتى بدأت الأرض تختنق بقاذوراتهم المتراكمة التي لا نهاية لها ..
قالت ذلك بلهجة منكسرة بخيبة واضحة،.. ثم نهضت لتخرج مستاءة من عدم استجابتي .. وهي تغيب ..لا بل تتلاشى وسط شعاع هائل و متموج … والذي سرعان ما تحوّل إلى عصف من وميض طويل أخذ يزول مختفيا بسرعة برق كرمشة عين في الثواني !..
في أثناء ذلك بقيت أنا مدهوشا ، مبهوتا ، متقلبا بين حيرتي وخيبتي ..و خاصة تخبطي في عجزي التام عن اتخاذ قرار صائب وحكيم في وقت سريع و مناسب ..
دون أن أعلم هل فعلتُ حسنا من حيث بقيت على الأرض .. أم أخطئتُ بعدم ذهابي إلى عالم جديد ومجهول ، ربما قد يكون أفضل وأجمل من هذا العالم التعيس والرث البائس ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here