د . طه جزاع..نجم سطع في عالم الصحافة والفلسفة والرحلات الإستكشافية!!

د . طه جزاع..نجم سطع في عالم الصحافة والفلسفة والرحلات الإستكشافية!!

حامد شهاب

علاقتنا مع الدكتور طه جزاع كانت منذ أن دخل أعتاب قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة بغداد في العام الدراسي 1973- 1974 ، حيث لا يبتعد قسمه عنا في الإعلام سوى بضعة أمتار ، وامتدت صداقتنا معه طوال مدة عمله في أروقة الصحافة بعد تخرجه عام 1977 ، وحتى هذه اللحظة ! .

حصل د. طه جزاع على شهادة الماجستير عام 1990 في موضوع الفكر السياسي في فلسفة أفلاطون ، ثم حصل على الدكتوراه عام 1994 مواصلاً البحث عن الفكر السياسي اليوناني عند فلاسفة الإسلام ومفكريه ، وكتب المقالات والأعمدة الصحفية في صحف ومجلات عديدة ومن هذه الأعمدة : ( فنتازيا ) (ويا طويل العمر ) و (مع الصباح ) و ( خيمة الثلاثاء ) وغيرها . وكان بعضها ساخراً مثل فنتازيا في جريدة الزوراء ، رأس تحرير عدد من الصحف الأسبوعية ومنها الزوراء والإعلام والأيام والوطن ، كما أشرف على تحرير جريدة الأفق التي صدرت عام 2006 .

مارس التدريس في جامعة بغداد ومن ذلك قيامه بتدريس طلبة الصفوف الأولية والعليا ..الماجستير والدكتوراه في قسم الفلسفة بكلية الآداب ، ومن المواد التي درسها : ” تاريخ الفلسفة اليونانية “” شخصيات من الفلسفة الإسلامية ” ، ” الفلسفة الوسيطة (المسيحية ) ” و” دراسات في الفلسفة اليونانية” وغيرها من الموضوعات الفلسفية لاسيما في الفكر الفلسفي السياسي عند أفلاطون وفلاسفة الإسلام .

وخلال تلك الفترة بقي قلمه يصهل بين ربوع عرش صاحبة الجلالة ، وكانت له بصمته في انه بقي وفياً لحرفته الصحفية بالرغم من ان اختصاصه كان في الفلسفة ، التي أرى انه قد يكون ودعها مؤقتاً للاستراحة الذهنية بإتجاه ان يمضي في رحلات استكشافية بين مدن الدنيا وآثارها العريقة ، وتحول من فيلسوف الى رحالة ، يجوب الاماكن الجميلة والاثارية ذات القيمة الحضارية وبخاصة جنوب شرقيا آسيا وتركيا ، وحصل كتابه عن هذه الرحلات على الجائزة الأولى في مسابقة ناجي جواد الساعاتي لأدب الرحلات لعام 2018 .

ويؤكد الدكتور طه جزاع في حوار أجرته معه مجلة ” الكاردينيا ” الثقافية : ان الفلسفة لم تُضف لقلمه الصحفي فحسب ، إنما أضافت لحياته الشيء الكثير من المفاهيم الناضجة ، والحقائق الواضحة ، والرؤى الواسعة ، مثلما أضافت لها الكثير من الخيالات والأوهام ! .

ويضيف : ” إن قلم الصحفي ، مثل أي كائن حي ، يتغذى وينمو ويتطور باستمرار ، وهو انعكاس لتطور أو تراجع شخصية الكاتب نفسه ، فهناك كُتّابٌ صحفيون ” تخندقوا ” في مواضعهم الأولى التي انطلقوا منها ، وأكتفوا بما لديهم من ماء وغذاء وعدة قتالية ، وهناك آخرون غادروا ” خنادقهم ” وواجهوا الحياة ومستجداتها بتطوير لغتهم وتجديد أساليبهم ، وتحديث ” عددهم القتالية ” وهناك كُتَّابٌ يكتبون ضمن تصورات قديمة أكل الدهر عليها وشرب ” !.

وفي لقاء تلفزيوني ، أكثر من ممتع ، أطل به الدكتور وزميل العمر الاستاذ طه جزاع ، في برنامج ( بصمة ) عام 2016 ، من على منبر قناة ( ديوان ) الفضائية، بعد أن وضع النقاط على الحروف ، في شرحه لمفهوم الفلسفة واصولها وكبار مفكريها ، وقد أبدع الرجل في شرح مضامينها ، وتبسيط معانيها حتى أعاد الى الاذهان ان الفلسفة تعني (حب الحكمة) اي ان الفيلسوف ليس حكيماً كما كان يعتقد البعض ، بل أن الفيلسوف هو من يهوى الفلسفة ويحبها او يعشقها .

وأوضح أن الفلسفة تعني التواضع وان استاذ الفلسفة يبقى ( طالب فلسفة ) مهما علت مكانته ، ولا يسمى فيلسوفاً ربما الا للرعيل الاول من الكبار الذين سبقونا في هذا المضمار وكانت لهم نظرياتهم التي اصطرع العالم من اجلها لسنوات ، لكنها الآن تشهد حالات خفوت، بعد أن أفل نجم الفلسفة لصالح طغيان المادة والطبيعة على القيم المثالية والروحية ، مما أدى بالبشرية إلى الهبوط إلى ما دون سطح الأرض ، وكأن البشر والكون أصبحا رهناً لإرادة دول الطغيان الكبرى التي تمتلك القوة الغاشمة ، ويبدو العالم اليوم وكأنه غير قادر على الخروج من طغيانها الرهيب .

لقد أشار الدكتور طه جزاع الى حقيقة وجود تيارين او إتجاهين للفلسفة أحدهما مثله أفلاطون وهو يسير بالقيم العليا المثالية الى الأعالي ، وهو يهتم بالروح والنفس الانسانية وما تسمو وتطمح اليه في الرفعة والعلو والمكانة المرموقة، وبين أرسطو الذي صنف العلوم وكتب عن المادة والصورة ، وتحدث عن المادة الأولى ( الهيولى ) وجعل الفلسفة تمشي على الارض ، ويقصد بها تطويع المنطق المادي الجدلي وقوانين الطبيعة ، التي ارست دعائم الفلسفة المادية، على عكس مفهوم المثالية، التي ترفرف في الأعالي ، لتسمو القيم الانسانية والمثل الرفيعة وتزدهر الافكار وتصطرع في اطار قيمي مثالي ، يحاكي الروح والنفس الانسانية التي يصعب التكهن في سبر أغوارها، وقد قرب لنا الدكتور طه جزاع الكثير مما خفي او كان غامضاً ، او مما يصعب تفسيره ، وكان الرجل بسيطاً ، في توضيحه للكثير مما خفي عن كثيرين من الاجيال الحالية التي لم تهتم منذ عقد من الزمان بجدل من هذا النوع ، بعد أن أصيبت الفلسفة بموت بطيء ، وحمل نعش المثالية الى مثواها الأخير .

وفي هذا الحوار الممتع مع الدكتور طه جزاع ، كانت فيه اضافات نوعية وقراءات فلسفية ، أنستنا هموم الحياة عن التمعن في مضامينها وصراعاتها الفكرية التي كانت تحرك فينا جذوة العقل وشعلة التوقد الفكري الجدلي، ليعيد بنا الحياة الى أيام السبعينات والثمانينات ، يوم كانت تعد العصر الذهبي للفلسفة وللصراع الفكري ، وهو نفسه من اوصل كل أولئك الشباب بعد كل تلك السنوات الى ان يصعدوا قمم المجد ، ليكونوا اعمدة البلد وأركانه المشعة نورا وألقاء ومجدا وكبرياء، لتعانق عقولهم كبرياء السماء الى حيث القيم العليا والمثل الرفيعة وهم يحدوهم الأمل بأن عراق المجد والحضارة لحري به أن يبقى في الأعالي ، وهو يمتلك كل هذا الارث الحضاري الشامخ ، ما يرفع رؤوسنا الى السماء .

تحياتنا للدكتور طه جزاع ( طالب الحكمة ) الذي بقي أميناً لمهمته ، وقد أوضح للكثيرين ممن غابت عنهم الكثير من الرؤى عن مفهوم الفلسفة أن الفيلسوف انسان بسيط متواضع ، وهو كلما غطس في عمق الفلسفة ازداد جهلاً بحقائق كثيرة .. فله منا كل تحية وتقدير .. وعسى ان نكون قد وفقنا في عرض بعض ما حاول الاستاذ طه جزاع ان يسبر أغواره ، في هذا الاستعراض الجميل ، وقد أمتعنا كثيراً وسار بنا الى حيث ترتقي الكلمة والعقل البشري ، لتمخر عباب بحور العلم والفلسفة في أبهى صورها .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here