محنة الانسان والوجود في رواية ( المعلون المقدس ) للكاتب محمد إقبال حرب

محنة الانسان والوجود في رواية ( المعلون المقدس ) للكاتب محمد إقبال حرب
النص الروائي يشكل مغامرة غير مألوفة في المتن الروائي , في منظومته الشاسعة الأبعاد في الرؤية الفكرية والفلسفية المطروحة في التناول النص , و المصاغة في إيقاظ مشاعر الذهن بالتفكير والتأمل في طرح الاسئلة الملتهبة , التي تناقش وتحاجج وتجادل وتحاكم قضايا ملحة احتلت عناوين الوجود وأعمدته القائمة في عناوينها البارزة وهي : الأسطورة الدينية ومنطلقاتها , ومدى قابليتها للواقع والعقل والمنطق , يضعها على مشرحة المحاججة والجدل . مسائل الخير والشر والصراع الجدلي القائم بينهما , و حين يتغلب الشر على الخير ويصرعه . أو أنهما في ميزان الواقع اللامعقول بالفانتازيا , ان يتساويان في المعايير والقيم والاخلاق , يناقش مسألة الحكمة والسلطة والعدالة , التي هي من صنع البشر , وحين يكون هذا الثالوث في قبضة المقدس المدنس والملعون , ومسألة ارتباطهم مع الرعية الخاضعة لسلطتهم , لا تملك الحول والقوة سوى الخنوع والخضوع , حين تفسد المبادئ ولاخلاق والشرف والضمير في المجتمع , من أطراف عمدة الحكم والنفوذ الرئيسية . وهي : الحاكم ورجال السياسة ورجال الدين يغلفهم ثوب الفساد , حين يطفو على السطح بقذارتهم الساقطة والمنحطة , في الصراع القائم . فاذا فسدت الارض واهلها , فأن السماء لم تفسد عدالتها يوم الحساب الآتي , في يوم البعث في الحساب و العقاب والقصاص , يوم الرحمة والقسوة ما اقترفت الذات وما جنت . واذا كان ناموس الارض وشريعته عمياء , أو انحرفت الى اللامعقول والفنتازيا الغرائبية , فأن يوم الحساب يكون بالمرصاد . اذا كانوا اهل الارض يعانون المحنة الوجودية في عالم غرائبي في فانتازيا , بتلوث العقل بالشوائب والخطايا والذنوب , إذا كان الوجود متلوثاً بالاخلاق والمفاسد المنحطة , فإن الامور لا تغيب عن عدالة السماء ويوم الحساب . تطرح هذه القضايا الملتهبة في المتن الروائي , في اطار الفنتازية التي تجمع الواقع والخيال في لغة السرد . طالما ان سمة الواقع والوجود مغلف بالفنتازيا الغرائبية واللامعقول . ان ما يطرحه النص الروائي من رؤية فكرية وفلسفية تناقش وتحاجج وتحاكم منصات اللامعقولة التي جرفت الواقع والوجود إليها . تطرح مسألة الصراع وجدلية المفاهيم , التي تحتل العقل وتقوده الى المتاهات والضبابية , في تلمس ماهية الملعون حين يتلبس القدسية. وتختلط الأمور والمعايير بين الملعون والمقدس ,وان شخصية ( عرقول ) الحاج الكريم الذي يحرص على أداء فرائض الحج والدين . يمثل شخصية في أطار المقدس المدنس في سيرته الحياتية والذاتية , الملطخة بالكذب والنفاق والزيف والأخلاق المنحطة في سلوكها الشائن , , التي أصبحت الفحشاء والزنا المحرم واللواط والاجرام من سجاياها , بالضمير والشرف والعفة في السلوك والتصرف , ايضاً أن شخصية ( عرقول ) هي صورة مصغرة لصورة مكبرة , لكل حاكم ورجال السياسة والدين الفاسدين . يأخذنا الحدث السردي الى يوم الحساب والبعث , ويقف ( عرقول ) في قفص الإتهام ليعترف بسيرته الذاتية المنحطة . فنعرف التفاصيل الدقيقة لهذه الشخصية بما اقترفت من أقواله عن نفسه ( لا أدري كم الاطفال من بنات وصبيان الذين كنت اعتدي عليهم , هل هو من أولئك الأطفال ؟ ) ص25 ويضيف في افادته ( لابد ان الله يعاقبني على شيء فعلته ؟ وهل هناك شيء لم أفعله ؟ بدأت حياتي بعقوق والدي , وسرقة أموال زوجتي , نعم زوجتي , انها زوجة الناشز بلا شك , لابد أنها استأجرت هذا المعتوه لتنتقم مني , فهي تعلم بأنني خنتها مع صديقاتها وسامحتني عدة مرات حتى ضبطتني مع أختها , فآثرت السكوت على الفضيحة وهربت مع عشيقها دون أن تأخذ مني قرشاً ) ص25 . هذه الشريحة التي تربت على مستنقعات الضحلة بالأخلاق القذرة , لا تعرف معنى العفة والضمير والشرف . نتعرف على الحاج الكريم ( عرقول ) من خلال اعترافاته يوم الحساب والقصاص , بأنه هاجر من بلاده ثلاثين عاماً وعاد صفر اليدين . نعرف بأنه اصبح من اصحاب المال والغنى , لكنه وقع في مكيدة خبيثة من صديقه ( سمير ) دفعه الى الافلاس وهرب مع زوجته , واصبح مديوناً بالمال لكل من يعرفه , فهو السكير المدمن الذي لا يشبع , والزوج الذي لا ينفع . فزوجته هربت مع عشيقها ( سمير ) , فأصبح الكذب والنفاق والتحايل والفساد خصال سمات اخلاقه , ليعوض نقصه الداخلي . هذه الشخصية هي نتاج الواقع اللامعقول , فقد أغتصب ابنته , ومارس اللواط منذ الطفولة حين فضوا مؤخرته مقابل الحلوى , فتربى على الرذيلة والفحشاء والمحارم الزنى والاجرام , تعلم كيف يصطاد الغلمان من الجنسين ليماس الفحشاء والمنكر معهم . اغتصب شقيقته العذراء ( زينب ) وهي اقل من ستة عشر عاماً ( أتذكر يوم اغتصبتها على سرير والديك . أفتضيت بكارتها وأخبرتها بأنك ستفضحها لو أخبرت أحداً , ألم تقل لها أنك ستقول لجميع أصحابك عن سر جاذبيتها , وأنك تتحدى أياً منهم أن يرى ثدييها ولا يغتصبها ) ص49 , ( عرقول ) الحاج الكريم القاتل , الذي قتل من اغتصبه ليرد الثأر لشرفة المنخور . هذا المتلبس بالدين يحمل روحية الراهب والشيطان معاً , ولكن هذا الاخير يتغلب على الاول ويصرعه , لتبقى روحه ملكاً للشيطان وحده لا شريكاً له . وما شخصيته المنخورة في شرفها وأخلاقها وسلوكها . تعيش في دوامة الكذب والدجل ( أيها الكاذب أنا لم أجبرك , أنت اخترت , أنت تغتصب أي أنثى بل أن تنكح أية مؤخرة حتى لو كانت لخنزيرة , لماذا لم ترفض ؟ أنت الانسان القذر الذي يفعل أي شيء من أجل أنانيته , لم تكن لتنظر في صون عرض الناس , لم تكن لتكبت جماح غزيرتك حتى في أرذل عمرك وخلال مصيبتك هذه , لقد آليت أن تهدر شرف وكبرياء اي فتاة , بل ان تفقد عذريتها لتفوز بحياتك النتنة دون ان تذكر بأن لك عرضاً تريد من الناس صونه , ها قد فزت وهذا الباب يفتح لتخرج مع أبنتك الى ظلام الدنيا مطأطئاً رأسك أمام ابنتك لم تنتهِ عن الموبقات التي مارستها مع بقرة سعيد يوم كنت تنكحها في الزريبة ) ص50 . فقد هدم حياة شقيقته ( زينب ) أغتصبها على فراش والديه , وجعل حياتها تعيش في الجحيم حتى انتحرت خوفاً من كشف الفضيحة والعار , اغتصبها بضمير ميت بمحارم الزنى وكما فعل مع أبنته ( هل سمعت عن أب يعتدي على شرف أبنته , ثم يتوب ثم يعاود الكرة دون معيار أخلاقي ؟ ) ص52 . ولكن يبرر افعاله المنحطة دون اخلاق وشرف , بأنه شيء صغير لا يقاس بالمقارنة بفداحة الافعال الشنيعة والأخلاق المنحطة لكل حاكم فاسد , ولكل سياسي يتاجر بالعهرالسياسي , ولكل رجل دين امتلكه الشيطان من ( رجال السياسة والأعمال في ابراجهم , عن رجال الدين في صوامعهم , عن رذائل الأزواج والزوجات والعهر المتشفي , صدقني مع كل مساوئي أنا ملاك مقارنة بهم , على الأقل ضحاياي قلة وضحاياهم مجتمع , سرقت بعض المال , سرقوا شعوباً كاملة ) ص75 . . ومن البديهي في المجتمع الديستوبيا أن الخير والشر في معيار واحد متساوياً , ربما على الأرجح أن الشر يحطم الخير ويصرعه , وما ( عرقول ) إلا من هذه الحفنة الرذيلة التي تنخر المجتمع باخلاق الفساد والمحارم . لأنه يحمل في عقليته الحقد والكراهية والعدوانية , والأخلاق المنحطة التي تربى عليها منذ الطفولة . ولكن كيف تقبل الالهة لهؤلاء ان يكونوا على رأس هرم الواقع والوجود ؟ , وما هم إلا لوثة قذرة بالدنس في فساد المجتمع وتخريبه , حتى لو كانوا يحملون راية المقدس ؟ , ولكن السؤال الكبير : هل هذه نهاية المطاف للواقع والوجود . ألم توجد قيم ومبادئ وأخلاق حسنة ؟ , ألم توجد عقليات غير ملوثة بالدنس والمحارم ؟ . نعم توجد افكار وعقليات نيرة تسمو بصفات الحميدة وترشد الناس الى الطريق الصواب ( بالمعنى المجازي نعم . هناك آلاف الافكار التي تسمو بالبشر نحو الطريق الصواب , لكن أحداً منكم لا يرى أحداً ) ص151 .
× الكتاب : رواية الملعون المقدس
× الكاتب : محمد إقبال حرب
× سنة الاصدار : عام 2021
× عدد الصفحات : 177 صفحة
× اصدار : دار النهضة العربية بيروت / لبنان
جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here