الاضطهاد مسار خارج العقل

الاضطهاد مسار خارج العقل :
بقلم ( كامل سلمان )
اي عمل مشين يرفضه العقل وترفضه التركيبة البشرية الصحيحة هو شذوذ في السلوك ، لذلك نقول الاضطهاد هو مسار وسلوك لا ينبع من العقل ، وإذا تحدثنا عن الاضطهاد وما يفرزه الاضطهاد لابد ان نوضح بما نقصده هنا . والمقصود بالإضطهاد اساءة المعاملة وبخس الحق ويأتي هذا من قبل فرد او مجموعة بحق فرد او مجموعة ، وتتعدد الانواع اي انواع الإضطهاد منها الديني والعرقي والسياسي والإنساني والعقائدي والمعيشي وكلها نتاج الموروثات البيئية والاجتماعية العقيمة التي تترك اثارها السيئة لعشرات السنين في نفوس المضطهدين . فالاضطهاد الفكري او الديني او العرقي دائما ما يكون مصحوبا بالعنف والإكراه نتيجة محاولة تغليب فكر او دين او عرق على فكر آخر ودين آخر وعرق آخر ، وهذا النوع من الإضطهاد يولد الضغينة وحب الإنتقام عندما يدور الزمن وتتغير الأحوال ، والمضطهدون من هذا النوع غالبا مايهربون الى ديار وأرض أخرى ويتحملون مرارة الغربة على حلاوة الوطن الذي عاشوا فيه مضطهدين بدون حق ، وعندما تحين الساعة للتغيير تخرج زفراتهم بالإنتقام القاسي المفرط ، أما الإضطهاد المعيشي فهذا يعني سلب حقوق الآخرين وتعريضهم للتجويع والحرمان وهذا النوع من الإضطهاد يولد الإحساس بالظلم والتمرد ثم الثورة ، وأكثر الثورات في التأريخ المعاصر كانت بسبب الإضطهاد المعيشي ، أما الإضطهاد الإنساني كسوء المعاملة للمرأة او الطفل او للضعيف فهذا النوع من الإضطهاد يولد الانحراف والعوق النفسي التي تنتهي بضمور الأواصر الإجتماعية وتفتت المجتمع . فالسؤال هنا هل هناك فعلا دين أفضل من دين او عرق افضل من عرق او إنسان افضل من إنسان لكي تتولد هذه النتائج الوخيمة على المجتمع الجواب نعم هنالك افضلية ولكن هذه الأفضلية هي نتيجة وليست في التركيبة . احدى التجارب الإجتماعية النفسية تم فيها جلب شخص مشرد معدم ليحل محل شخص نبيل ذو مكانة إجتماعية مرموقة وبنفس الوقت تمت تهيئة الظروف لجعل الشخص النبيل في وضع يضطر فيه في النهاية ان يجد نفسه مشرد ، فتم توفير كل الظروف المناسبة للشخص الأول ( هؤلاء ليسوا اطفال بل كبار في السن ) وبعد اشهر معدودة اصبح المشرد سابقا النبيل فيما بعد يتصرف كالنبلاء والشخص الثاني يتصرف كالمشردين ، هذا الكلام مع كبار بالغين ولفترة قصيرة ، فما بالك ان يولد الإنسان وهو محروم ويعيش الحرمان والاخر يولد نبيل ويعيش حياة النبلاء ، اكيد ستكون هنالك فوارق وتميز . بعض الناس من ذوات البشرة السوداء توفرت لهم الظروف فأصبحوا علماء يتفوقون على نظرائهم من اصحاب البشرة البيضاء ، إذا الناس جميعا مؤهلين فطريا ان يكونوا بدرجة النبل والرقي وبنفس الوقت مؤهلين ان يكونوا بدرجة التخلف والضياع والعبودية وهذا يدل على ان الظالم الذي يضطهد الأخرين عنده هذا الشعور فيحاول ان يسبق الزمن لكي لا يتساوى مع المظلوم المضطهد لإن التساوي سيفقده ما أستحوذ عليه من جاه ومال بغير حق وقد يكون كعب المظلوم اعلى من كعب الظالم ، فتغلب على افكار هذا الظالم القسوة والظلم والانحراف عن القيم الاخلاقية وبالنتيجة يفقد صواب عقله لينتقم . للأسف هذا السلوك اصبح وراثي ولا يمكن تصحيحه في عشية وضحاها .
من غرائب الأمور بالنسبة لنا وهي طبيعية بالنسبة لهم مانراه اليوم في المجتمعات المتحضرة التي قطعت شوطا طويلا نحو ازالة الفوارق المصطنعة نرى في هذه المجتمعات وبشكل شائع تصاهر وتزاوج النساء والرجال من مختلف الديانات والاعراق والأنساب بعضهم لبعض فنرى اسود البشرة متزوج من حسناء بيضاء البشرة وهندوسي متزوج من كاثوليكية ومسلم متزوج من بوذية وغيرهم الأمثلة كثيرة ، كل ذلك يحدث بعد ان عرف الناس بإن الإنسانية لا تقاس بالدين واللون والعرق فتحرروا من هذه الأفكار اللعينة التي كانت ومازالت سبب مآساة الشعوب وتدميرها والنتيجة هو ان هذه المجتمعات أخذت بالتطور بشكل ملفت للنظر واصبح البون بينها وبين بقية المجتمعات كبيرة جدا ويمكن القول أنهم اصبحوا مجتمعات نموذجية وكأنهم من كوكب أخر ، اما في مجتمعاتنا فما زالت هذه الأفكار العرقية الشيفونية متسيدة على العقول وترفض المغادرة ونتيجتها المذابح والقتل والترهيب المستمر بلا هوادة . أنها قلة وعي وخروج عن المسار العقلي الإنساني .
مازلنا نعتقد بصحة سلوكياتنا مع كل هذا التردي والانحطاط ومازلنا نتفاخر بمنجزات من سبقونا الذين أورثونا تلك اللعنة الابدية من سلوك خاطىء ونحاول صبغتها ونعتها بالتأريخ الناصع دون النظر الى الكم الهائل من الويلات التي نعيشها ونتجرع مرارتها في عصر باتت الإنسانية تعطي الحقوق للحيوان والمناخ والبيئة وحتى للنبات والصحراء ، فمتى يبدأ إدراك هذه الحقائق ويتم تصحيح العوق الفكري الذي لازمنا لقرون وندفع ثمنها من دماء شعوبنا لا لشيء سوى الحفاظ على المنجز التأريخي الملوث .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here