الخمور والمخدرات آفتا الآفات ودمار الشعوب والمجتمعات !

الخمور والمخدرات آفتا الآفات ودمار الشعوب والمجتمعات !

احمد الحاج

نعم لم يعد في القوس منزع ، ولقد بلغ السيل الزبى ، وتجاوز الحزام الطبيين وأصبح إنطلاق الحملة الوطنية الكبرى ضد تجارة المخدرات والتعاطي والترويج والادمان لزاما وواجبا شرعيا وأخلاقيا وقانونيا وتربويا وصحيا حتميا لامناص منه ولامفر بتاتا ، ولن يعفى أحد قط من تلكم المسؤولية بدءا من الأسرة الصغيرة ، فالعائلة الكبيرة ، فشيوخ العشائر ، فزعماء القبائل،فالمرجعيات الدينية، فالمدرسة ، فالكلية، فالجامعة ،فالصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة ، فمنابر الجمعة ،فالمجمعات الفقهية ودور الافتاء الشرعية ،فمنظمات حقوق الانسان ،فالنشطاء والمنظمات والنقابات المهنية والجمعيات الخيرية والمؤسسات التربوية والصحية ، الاهلية منها والحكومية ، كلها مسؤولة عن هذه الحملة التي آن أوان انطلاقها عاجلا غير آجل مشفوعة بطباعة البوسترات والمطويات وتعليقها في كل مكان ،وتوزيع النشرات والكراسات التي تحذر من خطر المخدرات على الأفراد والمجتمعات، علاوة على انتاج البرامج التوعوية والتثقيفية الصحية والدرامية ، الاذاعية منها والتلفزيونية في هذا الصدد ، مع تكثيف الحملات الامنية والرقابية والاستخبارية لتفكيك شبكات المخدرات ومطاردة تجارها وتشديد القوانين في هذا الشأن بما يتماهى وحجم الكارثة التي عصفت بالعراق قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة قريبا وبما لايفع معه الندم وعض الانامل حزنا على ما فرطنا وأهملنا وأغفلنا وذهلنا !
هناك مقولة شهيرة منسوبة الى الأديب والروائي والشاعر الفرنسي المعروف فيكتور هوغو الملقب بشكسبير فرنسا ، وهو مؤلف الروايات الرائعة ” أحدب نوتردام ” و ” البؤساء ” و ” ثلاثة وتسعون ” و” عمال البحر ” يقول في مقولته تلك ” دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا-يقصد قصر الامبراطور الصيني – أحدهما قام بالنهب ، والآخر قام بالحرق ، وأحدهما ملأ جيوبه ، والثاني ملأ صناديقه ،ومن ثم رجع الاثنان الي أوروبا ويداهما بيد بعض ضاحكين.. إن الحكومات تتحول أحيانا إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك”.
هذه المقولة وبإختصار تتحدث عن حرب الأفيون القذرة التي شنتها كل من فرنسا وبريطانيا بمساعدة اميركا على الصين وقاموا بقتل مئات الصينيين الابرياء العزل ، وتشريد وترويع واغتصاب الاف مؤلفة منهم ، كما اقتحموا القصر الامبراطوري – وحوسموا – كل تحفه وذهبه ومقتنياته وأثاثه ومن ثم أحرقوه بما يذكرنا بأحداث سابقة ولاحقة حدثت هنا وهناك ، لسبب قد لايخطر على بال العقلاء وخلاصته، أن ” الصين كانت قد حظرت كليا تهريب وتصدير ودخول الأفيون الذي تشرف بريطانيا الشمطاء،أس الرذيلة والبلاء ،شيطان الارض والسماء ، بريطانيا التي زرعت الكيان الصهيوني المسخ في أرض العروبة والاسلام بوعد بلفور المشؤوم ، بريطانيا التي أرست دعائم التشظي والتشرذم الشرق اوسطي ورسمت حدود سايكس بيكو ، بريطانيا التي قيل فيها قديما”اذا رأيت سمكتين تتقاتلان في النهر فأعلم أن وراء ذلك انجليزي” على زراعته في الهند المجاورة بغية تصديره وتهريبه الى الصين بعد أن تحول أكثر من 120 مليون صيني الى مدمن أفيون حيث لا إنتاج ولا صناعة ولا زراعة ولا تعلم ولا تعليم ، وإنما مجرد مخلوقات مخدرة خاملة وهائمة وتائهة وغائبة عن الوعي تتعاطى الأفيون ليلا ونهارا ، سرا وعلانية بإنتظار حتفها لا أكثر، تماما كما يفعل القات الذي قضى على مزارع البن في اليمن بالشعب اليماني ، وكما يفعل الكوكايين والهيرويين بشعوب أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية، وكما يفعل إنتاج الأفيون وزراعة الخشخاش وتعاطيها في افغانستان بوجود مليون مدمن معظمهم من الشباب ولاسيما خلال فترة إحتلال رعاة البقر الاميركان لها ، وكما تصنع حبوب الكرستال والكبتاغون”حبة صفر واحد” والترياق اضافة الى المخدرات الصناعية والطبيعية والرقمية بالعراقيين اليوم بما دفع مجلس القضاء الاعلى للتحذير في وقت سابق من العام 2021 من إن إدمان المخدرات بين شريحة الشباب في العراق قد يصل الى 50% !!
في عام 2003 يممت وجهي متأبطا اوراقي لإجراء تحقيق صحفي استقصائي تجاه مركز علاج الادمان الدوائي والكحولي في ساحة الاندلس وسط العاصمة بغداد وسألت القائمين عليه عن نسب المدمنين على المخدرات حينئذ فكانت الاجابة القاطعة المانعة بأنها وحتى عام 2003 = صفرا لأن عقوبة الاتجار بالمخدرات هي الاعدام شنقا حتى الموت، وجل حالات الادمان في العراق حتى ذلك الحين كانت محصورة بالادمان الكحولي على الخمور بأنواعها ، اضافة الى ادمان بعض المسكنات والمهدئات المخصصة للامراض العقلية والنفسية وعلاج الفصام والاكتئاب الحاد ، فضلا عن الأدوية التي تحتوي على نسبة من الكحول كالتوسيرام ، اضافة الى ادمان المواد الطيارة كالثنر والاسيتون ونحوها ، اما كرستال، وهيرويين ،وكوكايين ، وكراك ، وترياق ،وقات وبقية الحبوب والنباتات الشيطانية والمهلوسات فهذه لاوجود لها البتة .
وعندما قمت مع أحد الأصدقاء الأفاضل المعنيين بحقوق الانسان بطباعة واستنساخ عدد من الملصقات التي تحذر من إدمان المخدرات آنذاك للصقها تطوعا على الجدران داخل الأسواق القديمة المكتظة وفي المقاهي الشعبية كان معظم المارة من حولنا ينظرون الينا بدهشة ويتضاحكون ويتغامزون ويتهامسون قائلين بتهكم لاذع وبلسان واحد ” وين اكو مخدرات بالعراق يمعودين ..خمور بأنواعها نعم …مخدرات لا ؟!!” .
وهكذا مرت السنون سراعا كأعمارنا الضائعة في العراق ، حيث حرب عبثية تنكح أخرى وبلا توقف ، حيث حصار اميركي غاشم ، أعقبه احتلال ودمار وخراب شامل، حيث حرب طائفية قذرة ، تتبعها حرب إرهابية أقذر، وحيث صراع وإحتراب سياسي وآخر قبلي وعشائري يتناسل من صراع ،واذا بالمخدرات تغزو بلادنا غزوا كان آخره وليس أخيره قطعا إستفاقة العراقيين على خبرين صادمين يتحدث الأول عن إلقاء القبض على نقيب في مكافحة مخدرات النجف متهم بترويج وتسهيل تجارة المخدرات ، ويتحدث الثاني عن إلقاء القبض على معمم – مال تالي وكت – في منطقة الراشدية شمالي العاصمة بغداد وبحوزته 2 كيلو غرام من الكرستال مع مسدسين غير مرخصين …بما يدفعني للتغني بأبيات من نظم الشاعر الشعبي الساخر ملا عبود الكرخي ، في قصيدته الشعبية الشهيرة ” قيم الركاع من ديرة عفج ” :
گمت ما اعرف حماها من الرجل
ياهو التكضه اهو ايمثل العدل
وگمنه نستورد الشلغم والفجل
لان كلها ظلت اتدور ودچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
ولعل أغرب ما في كارثة الإدمان الدوائي والكحولي عراقيا هي تلك الحرب الضروس القائمة على قدم وساق بين تجار الخمورمن جهة وبين تجار المخدرات وعلى رأسها الكرستال والكبتاغون الشهير بحبة “صفر – واحد ” الذي اكتشفه اليابانيون وطوره هتلر كمنشط لجنوده في الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى ، الطرفان كلاهما يتنافسان لتحقيق أعلى قدر من اﻷرباح المليارية على حساب الضرورات الخمس التي أوجب الدين الحنيف حفظها من كل عابث ” حفظ العقل ، النفس ، الدين ، المال ، العرض ” ولعل تدمير الضرورات الخمس وما يتربتب عليها من آثام لاتحصى هو غايتهما ومبتغاهما إضافة الى جني الارباح الفلكية ، ويحاول كل منهما قدر المستطاع كبح جماح اﻵخر وتحجيم تجارته بوسائل شتى فكانت الطامة الكبرى متمثلة بولادة فريقين ” فريق ابي نؤاسي “يتغنى بالخمر ويدافع عنها وينكر تحريمها ويشكك فيه ويقلل من شأن أضرارها التي حذرت منظمة الصحة العالمية بجلالة قدرها منها ، وفريق ” كبتاغوني ، ترياقي ، كرستالي ، ثنري ، اسيتوني ، امفيتاميني ، حشيشي ، هيروييني ، كوكاييني ، ماريجواني “يحاول منع الخمور واغلاق الخمارات، وبعضهم لايفعل ذلك ورعا ولا تدينا كما يخيل للمغفلين ، بقدر الترويج للمخدرات بشتى الطرق والوسائل كبديل عن الخمور كما اشار الى ذلك علانية النائب السابق فائق الشيخ علي ، خلال مؤتمر صحفي وعلى الهواء مباشرة قبل اعوام خلت عقد لهذا الغرض ، كلا الفريقين يرقص ويغني على جراحات عوائلنا وبقايا عقول شبابنا ممن اهلكتهم الخمور والمخدرات ومزقتهما أي ممزق : ” هل رأى الحب سكارى مثلنا ؟ !” .
الاحصاءات الطبية الاخيرة كلها تؤكد بأن 95 % من جرائم الاغتصاب والقتل والتحرش والسلب والنهب والانتحار سببها المسكرات والمخدرات ، ناهيك عن الحوادث المرورية المروعة التي يذهب ضحيتها الالاف اضافة الى الامراض المستعصية السايكولوجية والفسيولوجية الناجمة عنهما وقلة الانتاج ، الكسل ،الخمول ، البطالة ، الرسوب ، عقوق الوالدين ، قطيعة الارحام ،ترويع اﻵمنين ، زد على ذلك حجم الجهود والاموال الهائلة المبذولة لملاحقة المتعاطين والمتاجرين والمروجين علاوة على علاجهم وإعادة تأهيلهم ثانية بعد رحلة إدمان مروعة لأسباب عدة لعل أصدقاء ورفقاء السوء في مقدمتها !
ولا شك أن البطالة تلعب دورًا مهمًا في هذا المجال،ما يجعل المتعاطي يهرب من واقعه الاجتماعي والاقتصادي المرير إلى الإدمان، فضلًا عن تأثير وسائل الإعلام المشبوهة في الترويج لهذه الظاهرة والضغوطات النفسية والشعور بالملل، والفراغ وعدم القدرة على مجاراة الواقع وتلبية الحاجات ، وقلة الكفاءة وحب المجازفة وغياب الوازع الديني، والتفكك الأسري، فكلها عوامل تدفع باتجاه الإدمان الكحولي والدوائي وإلى تعاطي المخدرات بأنواعها وبالأخص حبوب الكبسلة ولا نغفل عن أصدقاء السوء والمروجين ، فلهؤلاء الدور الأكبر في جر أصحابهم إلى هاوية المخدرات السحيقة.
واﻷعجب ان ﻻ مراكز – مال آوادم – لتأهيل المدمنين بما يتناسب وحجم الكارثة التي ألمت بالعراق ، فيما لم تتعد القوانين حتى اﻵن غرامات مالية تقدر بـ 10 ملايين دينار والسجن لبضع سنين بإمكان اصغر تاجر مخدرات يجني الملايين شهريا دفعها ولسانه يردد – بس هاي ؟ يدلل الحلو !” .
وللخمارين حسبي ان اذكر بالحديث النبوي الشريف ” كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ” . وبإحصائية الصحة العالمية بأن ” أنّ استهلاك الكحول ينطوي على مخاطر صحية ويخلّف آثاراً اجتماعية لها علاقة بقدرته على الإسكار وإحداث التسمّم والإدمان ..ويقتل على نحو ضار 2.5 مليون شخص، 320000 منهم شباب تتراوح أعمارهم بين 15 – 29 سنة. وهو عامل الخطر الرئيس الثالث المسبب للوفاة حول العالم “.اودعناكم اغاتي

احمد الحاج
نعم لم يعد في القوس منزع ، ولقد بلغ السيل الزبى ، وتجاوز الحزام الطبيين وأصبح إنطلاق الحملة الوطنية الكبرى ضد تجارة المخدرات والتعاطي والترويج والادمان لزاما وواجبا شرعيا وأخلاقيا وقانونيا وتربويا وصحيا حتميا لامناص منه ولامفر بتاتا ، ولن يعفى أحد قط من تلكم المسؤولية بدءا من الأسرة الصغيرة ، فالعائلة الكبيرة ، فشيوخ العشائر ، فزعماء القبائل،فالمرجعيات الدينية، فالمدرسة ، فالكلية، فالجامعة ،فالصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة ، فمنابر الجمعة ،فالمجمعات الفقهية ودور الافتاء الشرعية ،فمنظمات حقوق الانسان ،فالنشطاء والمنظمات والنقابات المهنية والجمعيات الخيرية والمؤسسات التربوية والصحية ، الاهلية منها والحكومية ، كلها مسؤولة عن هذه الحملة التي آن أوان انطلاقها عاجلا غير آجل مشفوعة بطباعة البوسترات والمطويات وتعليقها في كل مكان ،وتوزيع النشرات والكراسات التي تحذر من خطر المخدرات على الأفراد والمجتمعات، علاوة على انتاج البرامج التوعوية والتثقيفية الصحية والدرامية ، الاذاعية منها والتلفزيونية في هذا الصدد ، مع تكثيف الحملات الامنية والرقابية والاستخبارية لتفكيك شبكات المخدرات ومطاردة تجارها وتشديد القوانين في هذا الشأن بما يتماهى وحجم الكارثة التي عصفت بالعراق قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة قريبا وبما لايفع معه الندم وعض الانامل حزنا على ما فرطنا وأهملنا وأغفلنا وذهلنا !
هناك مقولة شهيرة منسوبة الى الأديب والروائي والشاعر الفرنسي المعروف فيكتور هوغو الملقب بشكسبير فرنسا ، وهو مؤلف الروايات الرائعة ” أحدب نوتردام ” و ” البؤساء ” و ” ثلاثة وتسعون ” و” عمال البحر ” يقول في مقولته تلك ” دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا-يقصد قصر الامبراطور الصيني – أحدهما قام بالنهب ، والآخر قام بالحرق ، وأحدهما ملأ جيوبه ، والثاني ملأ صناديقه ،ومن ثم رجع الاثنان الي أوروبا ويداهما بيد بعض ضاحكين.. إن الحكومات تتحول أحيانا إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك”.
هذه المقولة وبإختصار تتحدث عن حرب الأفيون القذرة التي شنتها كل من فرنسا وبريطانيا بمساعدة اميركا على الصين وقاموا بقتل مئات الصينيين الابرياء العزل ، وتشريد وترويع واغتصاب الاف مؤلفة منهم ، كما اقتحموا القصر الامبراطوري – وحوسموا – كل تحفه وذهبه ومقتنياته وأثاثه ومن ثم أحرقوه بما يذكرنا بأحداث سابقة ولاحقة حدثت هنا وهناك ، لسبب قد لايخطر على بال العقلاء وخلاصته، أن ” الصين كانت قد حظرت كليا تهريب وتصدير ودخول الأفيون الذي تشرف بريطانيا الشمطاء،أس الرذيلة والبلاء ،شيطان الارض والسماء ، بريطانيا التي زرعت الكيان الصهيوني المسخ في أرض العروبة والاسلام بوعد بلفور المشؤوم ، بريطانيا التي أرست دعائم التشظي والتشرذم الشرق اوسطي ورسمت حدود سايكس بيكو ، بريطانيا التي قيل فيها قديما”اذا رأيت سمكتين تتقاتلان في النهر فأعلم أن وراء ذلك انجليزي” على زراعته في الهند المجاورة بغية تصديره وتهريبه الى الصين بعد أن تحول أكثر من 120 مليون صيني الى مدمن أفيون حيث لا إنتاج ولا صناعة ولا زراعة ولا تعلم ولا تعليم ، وإنما مجرد مخلوقات مخدرة خاملة وهائمة وتائهة وغائبة عن الوعي تتعاطى الأفيون ليلا ونهارا ، سرا وعلانية بإنتظار حتفها لا أكثر، تماما كما يفعل القات الذي قضى على مزارع البن في اليمن بالشعب اليماني ، وكما يفعل الكوكايين والهيرويين بشعوب أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية، وكما يفعل إنتاج الأفيون وزراعة الخشخاش وتعاطيها في افغانستان بوجود مليون مدمن معظمهم من الشباب ولاسيما خلال فترة إحتلال رعاة البقر الاميركان لها ، وكما تصنع حبوب الكرستال والكبتاغون”حبة صفر واحد” والترياق اضافة الى المخدرات الصناعية والطبيعية والرقمية بالعراقيين اليوم بما دفع مجلس القضاء الاعلى للتحذير في وقت سابق من العام 2021 من إن إدمان المخدرات بين شريحة الشباب في العراق قد يصل الى 50% !!
في عام 2003 يممت وجهي متأبطا اوراقي لإجراء تحقيق صحفي استقصائي تجاه مركز علاج الادمان الدوائي والكحولي في ساحة الاندلس وسط العاصمة بغداد وسألت القائمين عليه عن نسب المدمنين على المخدرات حينئذ فكانت الاجابة القاطعة المانعة بأنها وحتى عام 2003 = صفرا لأن عقوبة الاتجار بالمخدرات هي الاعدام شنقا حتى الموت، وجل حالات الادمان في العراق حتى ذلك الحين كانت محصورة بالادمان الكحولي على الخمور بأنواعها ، اضافة الى ادمان بعض المسكنات والمهدئات المخصصة للامراض العقلية والنفسية وعلاج الفصام والاكتئاب الحاد ، فضلا عن الأدوية التي تحتوي على نسبة من الكحول كالتوسيرام ، اضافة الى ادمان المواد الطيارة كالثنر والاسيتون ونحوها ، اما كرستال، وهيرويين ،وكوكايين ، وكراك ، وترياق ،وقات وبقية الحبوب والنباتات الشيطانية والمهلوسات فهذه لاوجود لها البتة .
وعندما قمت مع أحد الأصدقاء الأفاضل المعنيين بحقوق الانسان بطباعة واستنساخ عدد من الملصقات التي تحذر من إدمان المخدرات آنذاك للصقها تطوعا على الجدران داخل الأسواق القديمة المكتظة وفي المقاهي الشعبية كان معظم المارة من حولنا ينظرون الينا بدهشة ويتضاحكون ويتغامزون ويتهامسون قائلين بتهكم لاذع وبلسان واحد ” وين اكو مخدرات بالعراق يمعودين ..خمور بأنواعها نعم …مخدرات لا ؟!!” .
وهكذا مرت السنون سراعا كأعمارنا الضائعة في العراق ، حيث حرب عبثية تنكح أخرى وبلا توقف ، حيث حصار اميركي غاشم ، أعقبه احتلال ودمار وخراب شامل، حيث حرب طائفية قذرة ، تتبعها حرب إرهابية أقذر، وحيث صراع وإحتراب سياسي وآخر قبلي وعشائري يتناسل من صراع ،واذا بالمخدرات تغزو بلادنا غزوا كان آخره وليس أخيره قطعا إستفاقة العراقيين على خبرين صادمين يتحدث الأول عن إلقاء القبض على نقيب في مكافحة مخدرات النجف متهم بترويج وتسهيل تجارة المخدرات ، ويتحدث الثاني عن إلقاء القبض على معمم – مال تالي وكت – في منطقة الراشدية شمالي العاصمة بغداد وبحوزته 2 كيلو غرام من الكرستال مع مسدسين غير مرخصين …بما يدفعني للتغني بأبيات من نظم الشاعر الشعبي الساخر ملا عبود الكرخي ، في قصيدته الشعبية الشهيرة ” قيم الركاع من ديرة عفج ” :
گمت ما اعرف حماها من الرجل
ياهو التكضه اهو ايمثل العدل
وگمنه نستورد الشلغم والفجل
لان كلها ظلت اتدور ودچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
ولعل أغرب ما في كارثة الإدمان الدوائي والكحولي عراقيا هي تلك الحرب الضروس القائمة على قدم وساق بين تجار الخمورمن جهة وبين تجار المخدرات وعلى رأسها الكرستال والكبتاغون الشهير بحبة “صفر – واحد ” الذي اكتشفه اليابانيون وطوره هتلر كمنشط لجنوده في الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى ، الطرفان كلاهما يتنافسان لتحقيق أعلى قدر من اﻷرباح المليارية على حساب الضرورات الخمس التي أوجب الدين الحنيف حفظها من كل عابث ” حفظ العقل ، النفس ، الدين ، المال ، العرض ” ولعل تدمير الضرورات الخمس وما يتربتب عليها من آثام لاتحصى هو غايتهما ومبتغاهما إضافة الى جني الارباح الفلكية ، ويحاول كل منهما قدر المستطاع كبح جماح اﻵخر وتحجيم تجارته بوسائل شتى فكانت الطامة الكبرى متمثلة بولادة فريقين ” فريق ابي نؤاسي “يتغنى بالخمر ويدافع عنها وينكر تحريمها ويشكك فيه ويقلل من شأن أضرارها التي حذرت منظمة الصحة العالمية بجلالة قدرها منها ، وفريق ” كبتاغوني ، ترياقي ، كرستالي ، ثنري ، اسيتوني ، امفيتاميني ، حشيشي ، هيروييني ، كوكاييني ، ماريجواني “يحاول منع الخمور واغلاق الخمارات، وبعضهم لايفعل ذلك ورعا ولا تدينا كما يخيل للمغفلين ، بقدر الترويج للمخدرات بشتى الطرق والوسائل كبديل عن الخمور كما اشار الى ذلك علانية النائب السابق فائق الشيخ علي ، خلال مؤتمر صحفي وعلى الهواء مباشرة قبل اعوام خلت عقد لهذا الغرض ، كلا الفريقين يرقص ويغني على جراحات عوائلنا وبقايا عقول شبابنا ممن اهلكتهم الخمور والمخدرات ومزقتهما أي ممزق : ” هل رأى الحب سكارى مثلنا ؟ !” .
الاحصاءات الطبية الاخيرة كلها تؤكد بأن 95 % من جرائم الاغتصاب والقتل والتحرش والسلب والنهب والانتحار سببها المسكرات والمخدرات ، ناهيك عن الحوادث المرورية المروعة التي يذهب ضحيتها الالاف اضافة الى الامراض المستعصية السايكولوجية والفسيولوجية الناجمة عنهما وقلة الانتاج ، الكسل ،الخمول ، البطالة ، الرسوب ، عقوق الوالدين ، قطيعة الارحام ،ترويع اﻵمنين ، زد على ذلك حجم الجهود والاموال الهائلة المبذولة لملاحقة المتعاطين والمتاجرين والمروجين علاوة على علاجهم وإعادة تأهيلهم ثانية بعد رحلة إدمان مروعة لأسباب عدة لعل أصدقاء ورفقاء السوء في مقدمتها !
ولا شك أن البطالة تلعب دورًا مهمًا في هذا المجال،ما يجعل المتعاطي يهرب من واقعه الاجتماعي والاقتصادي المرير إلى الإدمان، فضلًا عن تأثير وسائل الإعلام المشبوهة في الترويج لهذه الظاهرة والضغوطات النفسية والشعور بالملل، والفراغ وعدم القدرة على مجاراة الواقع وتلبية الحاجات ، وقلة الكفاءة وحب المجازفة وغياب الوازع الديني، والتفكك الأسري، فكلها عوامل تدفع باتجاه الإدمان الكحولي والدوائي وإلى تعاطي المخدرات بأنواعها وبالأخص حبوب الكبسلة ولا نغفل عن أصدقاء السوء والمروجين ، فلهؤلاء الدور الأكبر في جر أصحابهم إلى هاوية المخدرات السحيقة.
واﻷعجب ان ﻻ مراكز – مال آوادم – لتأهيل المدمنين بما يتناسب وحجم الكارثة التي ألمت بالعراق ، فيما لم تتعد القوانين حتى اﻵن غرامات مالية تقدر بـ 10 ملايين دينار والسجن لبضع سنين بإمكان اصغر تاجر مخدرات يجني الملايين شهريا دفعها ولسانه يردد – بس هاي ؟ يدلل الحلو !” .
وللخمارين حسبي ان اذكر بالحديث النبوي الشريف ” كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ” . وبإحصائية الصحة العالمية بأن ” أنّ استهلاك الكحول ينطوي على مخاطر صحية ويخلّف آثاراً اجتماعية لها علاقة بقدرته على الإسكار وإحداث التسمّم والإدمان ..ويقتل على نحو ضار 2.5 مليون شخص، 320000 منهم شباب تتراوح أعمارهم بين 15 – 29 سنة. وهو عامل الخطر الرئيس الثالث المسبب للوفاة حول العالم “.اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here