لنتعلم من تكساس

لنتعلم من تكساس :
بقلم ( كامل سلمان )
الشعب الأمريكي له عادات وتقاليد يختلفون بها عن شعوب امريكا اللاتينية والشعوب الأوربية والشعوب الأخرى ، وسكان تكساس هذه الولاية الامريكية الشاسعة بأراضيها بحجم ارض العراق ثلاث مرات تقريبا ، لسكان هذه الولاية بعض التقاليد التي يختلفون بها عن باقي الولايات الامريكية ، حب سكان هذه الولاية للسلاح وخزن السلاح والعتاد ونادرا ما تجد مواطن يعيش في ولاية تكساس لا يمتلك السلاح في البيت او في سيارته الشخصية وهو مسموح قانونا بحيث تجد بعض العوائل او الاشخاص يمتلك ترسانة اسلحة في بيته بشكل لا يصدق ، ولا نستغرب ان نجد اماكن هواية الرمي المغلقة والمفتوحة منتشرة بشكل واسع ، ويمكن اعتبارها الهواية الاولى لسكان هذه الولاية ، وعند الذهاب الى ساحات الرمي تشاهد انواع الاسلحة المستخدمة وبنفس الوقت يمتازون اهل هذه الولاية بحبهم الشديد لأفراد قوى الأمن من الجيش والشرطة ويعتبروهم بمثابة الملائكة ، فأي مواطن يصادف شرطي او جندي في الطريق او اي مكان يحيه بحب واحترام ، وهناك تعاون كبير بين المواطنين وأفراد قوى الامن الداخلي .
في احدى الأمسيات جاء أحد رجال الشرطة بسيارته الحكومية التي تحمل علامة الشرطة الى محطة تعبئة الوقود لملىء خزان الوقود ، وأثناء ملئه للوقود أقترب منه شخص مجهول يحمل مسدس بيده وأطلق ثلاثة رصاصات على رأس الشرطي وأرداه قتيلا في الحال ثم انطلق بسيارته التي لم تكن تحمل ارقام ثابتة في وقت لم يكن هناك من المارة احدا ، انطلق مسرعا الى مكان مجهول ، حضرت سيارات الشرطة بعد ان اخبرها العامل بمحطة الوقود عن سماعه اصوات رصاصات ثم شاهد الشرطي ساقطا على الارض ، وانه لا يعرف شيء عن الجاني سوى ان سيارته كانت بيك اب حمراء اللون . تم تعميم الخبر من خلال اجهزة النقال الى كافة اهالي الرقعة الجغرافية لوقوع الحادث ، لم تمضي سوى دقائق واذا بمئات المركبات من الاهالي مع انواع الاسلحة الاوتوماتيكية ترافق دوريات الشرطة في كل مكان للبحث عن الجاني ، ساعتان من الوقت كانت تكفي بإلقاء القبض على الجاني ، ولم يكتفي الأهالي بهذا التصرف بل قاموا بجمع مبالغ مالية لعائلة الشرطي من خلال التبرعات فقد وصل المبلغ الذي تم تسليمه لزوجة الفقيد الشرطي اكثر من ثلاثة مليون دولار ، وخلال اسبوع على الحادث كانت العوائل برجالها ونساءها وحتى الاطفال يحضرون اكاليل من الزهور كل يوم في المكان الذي قتل فيه الشرطي ، والأكثر من ذلك بعد مرور سبعة ايام خرج الالاف من اهالي الحي مطالبين سلطات المدينة التي وقع بها الحادث على تسمية ذلك الشارع الذي يقع عليه محطة الوقود بأسم ذلك الشرطي الفقيد وهذا ما تحقق فعلا عندما استجابت لطلب المواطنين .. ماذا نتعلم من سكان هذه المدينة التكساسية ؟ نتعلم بإن المجتمع هو اساس السلطة هو اساس الحفاظ على الترابط الاجتماعي ، افراد المجتمع تربطهم إيحاءات الدفاع عن القانون ورجال القانون لإن ذلك يعني الدفاع عن انفسهم وعن عوائلهم ، فالمجتمع وامن المجتمع خط احمر لا يمكن تجاوزه . وهذا لا يعني ان تلك المجتمعات خالية من العيوب ولكن محاسنها تغطي عيوبها بشكل كبير ، انه سلاح بيد الناس ولكنه ليس سلاح منفلت لإن فائدته تصب في صالح المواطن ويقف سلاح الاهالي خلف القانون ورجل القانون ، هذا عكس ما يتناقله الناس والاعلام ، فهذه حقيقة تربى ونشأ عليها سكان هذه الولاية ، السلاح بيد العقلاء ثروة وعطاء وأمان والسلاح بيد الجهلاء فوضى وانعدام للامان . فعندما نطالب في مجتمعاتنا بسحب السلاح المنفلت علينا ان نتذكر ان المشكلة في العقول المنفلتة ، فالمجتمع عندنا هو نفسه ذلك المجتمع ( مجتمع الحواسم) ولم يكن حينها يملك السلاح لكنه يحتفظ بنفس العقول المنفلتة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here