يا حكيم زمانك العظيم ! .. قصة قصيرة

يا حكيم زمانك العظيم ! .. قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

مرت شهور طويلة على التصدع الذي حدث في ماسورة المياه العتيقة والمزنجرة في الحمام ، الأمر الذي جعل قطرات الماء تنسكب على أرضية الحمام بغزارة متواصلة ، مشكّلة بركا صغيرة و طافحة هنا و هناك ..
مع أن زوجها كان يعلم بذلك لدخوله الحمام ليلا و نهارا ، فقد نوّهت هي مرارا إلى مسألة الماسورة المكسورة أمام الزوج الذي لم يعر أية أهمية أو سعيا للتصليح ، ربما لهوسه المتزايد والمرّكز طوال اليوم على جهاز اللاب توب أو التلفون الذكي والانهماك المتواصل في الكتابة الدائمة ــ هكذا فكرت مع نفسها بانزعاج مكتوم وغضب ملجوم ــ وهو الأمر جعلها مستاءة تماما من حالة المياه السائدة و المتجمعة دوما على شكل برك صغيرة على طول أرضية الحمام حيث تغوص أعقاب الإقدام عميقة ومبتلة بعد الخروج ، وكان يرافق كل ذلك شعور بأسف عميق على ذلك الهدر الظالم للمياه ــ حسب وصفها ــ و خاصة إن ما دفعها إلى هذا الشعور بالأسف على هدر المياه هو سماعها حوارا في التلفزيون أثناء قيامها بتنظيف البيت عن شحة المياه الضاربة في العراق ، بل و أسوأ من ذلك هو :
مؤشرات احتمال كبير عن زيادة هذه الشحة في السنوات العشرة أو العشرين القادمة و بشكل كارثي خطير ومهلك وعن نزوح ملايين من الناس ، فقالت مخاطبة نفسها بحسرة وأسى
ــ يا ويلي على أولادنا وأحفادنا من مستقبل مجهول ومظلم بلا مياه صالحة للشرب !..
ولكن بدافع فضول وهاجس و ظنون زوجة من مغبة استغراق زوجها المتواصل في الكتابة على الفيس المعروف عن ما قد يترتب على ذلك ــ حسب سماعها من صديقاتها ــ عن علاقات حرة و صداقات تعارف مشبوهة وهجران و طلاق ، فقررت أن تقرأ ما يكتبه زوجها بكل هذا الانهماك المثير للشبهة ! ، و كم كانت دهشتها صادمة و كبيرة عندما وجدت أن تلك السطور تحتوي على دعوات إصلاح وبناء وتعمير ، فضلا عن نقد في تقصير أداء واجب و مسؤولية ، و في أثناء ذلك أقترب منها زوجها بعدما لاحظها تقرأ ما كتبه ، فسألها بحب استطلاع و نبرة افتخار ما رأيها بهذه الكتابات متوقعا مدحا وإطراء فردت بلهجة مبطنة بسخرية وتهكم :
ــ كل هذا جميل يا حكيم زمانك العظيم !!.. ولكن الأجمل و الأكثر فائدة ونفعا فعليا و ملموسا لو قمتَ بإصلاح ماسورة المياه في الحمام قبل دعوة الناس إلى الإصلاح و التصليح و التعمير !.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here