العراق ديرة فنطزة في قصص الجدات

العراق ديرة فنطزة في قصص الجدات

أبو مسلم الخرساني

عجزت شرطة بابل عن إثبات التهم التي ألصقتها برب العائلة الذي واجه مفارزهم في قتال شرس إمتد نهاراً كاملاً، أسفر عن إنتحاره بعد قتل عائلته كاملة.

والميليشيات التي هددت بفتح النار على المحتفلين برأس السنة، نهاراً ونفذت تهديدها وقت الذروة في الكرادة داخل.. مكان إكتظاظ المطاعم ومحلات المرطبات والحلويات والكافيهات بالعوائل، في نزهة بريئة.. عند رأس السنة او ذيلها او ما بينهما من 365 يوماً معبأة بالخوف في عراق فالت من منطق العقل.. مع الأسف.

لن أقول هذا عرفناه بعد 9 نيسان 2003 لكن التحول أصبح حاضنة تضفي قوة على جبناء.. والجبان إذا تولى لا يعف.. أقلقوا المجتمع والسلطة بمطامعهم.. يغلفونها بالشرع ويمررونها بقوة السلاح المنفلت من عقال الشجاعة الى منطق “الولية”.

العراق بالنسبة لهؤلاء أنفال، أي الإستيلاء على كل ما تطاله يدهم.. مال ونساء مباحان لهم وفق منطق القوة التي تجور بإسم المذهب، كما جارت قبل التمذهب بقرون تحت غطاء الدين كله.. إحتكروا حق قطع رفيف الحياة السعيدة.. البريئة، بإرتداء عمامة وإطلاق لحية وإرتداء محبس فضة وختم طرة على الجبين من دون صلاة وحمل سلاح يجبر غير المعنيين بقضيتهم على الإصغاء لتفاهات خطبهم الهوجاء الركيكة بلاغياً المليئة بالأخطاء النحوية والسلامة المعلوماتية.. المتوثبة موتاً…

في ظل الإنفلات يقدم شاب من عائلة ميسورة.. يحب بنتاً ولأنها رفضت الزواج منه يبتكر طريقة بشعة للانتقام منها بتشويه وجهها بالتيزاب، وأعني الاميرة مريم، وشرطي يغتصب الطفلة حوراء التي لم تبلغ التاسعة من العمر، وأب يقتل ابناءه وزوجاتهم واطفالهن، في “إجبله” عند أعماق أرياف بابل، ثم تظهر روايات اخرى للحادث يتبين فيها ان الجريمة معقدة، ناتجة عن زعل بناته من أزواجهن الذين إستخدموا ميليشيات تستعبد الشرطة النظامية بقوة السلاح لتحرك سلاح الدولة وفق أهواء الميليشيات بما فيها القضايا الشخصية لمنتسبي تلك الميليشيات، وكان الصحيح أن توجه الميليشيا منتسبها الى الى القضاء او العشيرة كي يعيدوا له زوجته او يطلقها، ولا توظف إنفلاتها الدستوري في إجبار الأب على إعادة البنت الى زوجها إغتصاباً، وهو الأمر الذي جعله يقاوم الشرطة نهاراً كاملاً.. حسب شهود عيان.. أقروا بأنه رجل بسيط يسعى على رزق عياله، ولا علاقة له بإرهاب ولا دعارة او مخدرات.. تلك التهم التي تحاول الآن شرطة بابل إلصاقها به للخروج من ورطتها “مثل بلاع الموس” طاعت الميليشيا ظناً منها حماية وضعها من بطش تلك المليشيا او كسب ودها او تواطئاً صريحاً متضامناً معها على ظلم الرجل، لكنها جوبهت بفاجعة فظيعة إحتفاظا من الأب بكرامته.. ميتاً.

طبعاً الميليشيا لا يجرؤ أحد على توجيه إصبع إتهام إليها، ولا دليل عليها، فالامور تجري شفاهاً في العراق لحسم أخطر اللفات لصالح الأقوى!!! وحتى لو توفر “أخو خيته” يوجه إليهم الإصبع الخنصر ويقدم دليلاً على إجبارهم الشرطة بالتدخل لإعادة الزوجة الزعلانة الى بعلها.. وأنا شاهد على ميليشيا طوقت بيت أحد أقاربي لإجباره على بيع سيارته لعنصر من تلك الميليشيا.. أعجبته.

وتتوالى هذا الاسبوع كعينة مقتطعة من سلسلة أحداث باتت واقعاً في حياتنا.. شاب مسيحي يحاول قتل فتاة يحبها لأنها رفضت السفر معه الى تركيا، ومنتسب في الصحة يعتدي على زوجته ويضربها حتى الموت بسبب تأخرها في أعداد طعام الغداء!

الوضع في منتهى الخطورة والحكومة معنية بنتائج الانتخابات بينما السلاح الفالت يفكر ويدير البلد كما يشاء.. وعلى رجال السلطة والدين والتربية والامن والسياسة العودة الى العمل وترك حالة الانشغال بالصراعات التي لاطائل منها.

سمعنا عن أب قتل إبنته الشابة.. فائقة الجمال، عندما إدعى منتسبو الحرس القومي 1963، أنها شيوعية؛ بقصد إختطافها، وتكررت حوادث بموازاتها؛ فوجه رئيس مصر جمال عبد الناصر، أمراً الى رئيس العراق حينها عبد السلام عارف، بإيقاع “نكبة البرامكة” بالبعثيين وقطع دابر الإنفلات… لا نختلف على أن قرار جمال الذي أملاه على عارف، ليس ثأراً للعراقيين من الحرس القومي، إنما لأسباب ستراتيجية، يدخل الإنفلات فقرة واحدة من مئات الفقرات تضمنتها قائمة أسباب التخلص من البعثيين…

فكم سبب في العراق يوجب حل الأحزاب وزج الميليشيات في السجون لمقاضاتهم وإعدام قادة الميليشيات لتخاطبهم مع دول أجنبية ولعملهم طابوراً خامساً لصالح تلك الدول.. عسكرياً وإقتصادياً، بحيث فرغوا ميزانية العراق في خزائن تلك الدول، وساقوا الشباب للقتال دفاعاً عنها وفتحوا أجواء العراق لتصفية حساباتها مع أعدائها الذين ليس من مصلحتنا ولا توجد أسباب لدينا في معاداتها.

كما ينبغي.. لتنقية البلد من الداخل.. قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي رعت الارهاب وشكلت ميليشيات داخل العراق، ورفع شكوى أممية بها الى مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية في لاهاي.

لحد كتابة هذا المقال.. بعد خمسة أيام من الحادث، الى الآن لم تستطع شرطة بابل إثبات تهمة الارهاب والمخدرات والدعارة بمرتكب فاجعة “إجبله” فأودعت الحكومة قائدي شرطة وإستخبارات بابل التوقيف!

خطوة إيجابية إذا كانت حقيقية وليست إعلامية، وألا يطلق سراحهما بعد يومين.. قبل صلاة الجمعة خشية أن يفوتهما ثواب الوقوف وراء السيد؛ لأن صلاة الجمعة كتاب موقوت أهم من مأساة إجبله وأهم من إجبله وبابل والعراق والكون كله! هل يشك أحد بقدسية الصلاة؟ إذن أطلقوا سراح قائد شرطة بابل ومدير إستخباراتها؛ كي يصليان الجمعة، وهذا سبب كافٍ، مثلما حكمت المحكمة في ديرة فنطزة، على فاسد إختلس مليارات الدولارات؛ بغرامة 250 دينار.. يعني نصف كروة الكيا.. نفرات بين الباب الشرقي والباب المعظم! وغض النظر عن المليارات!

إنه العراق ديرة فنطزة في قصص الجدات!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here