نظرية التطور لداروين، ظهور عمالقة الارض

نظرية التطور لداروين، ظهور عمالقة الارض (*)

بقلم د. رضا العطار

قبل ان تظهر اللبونات التي ترضع اطفالها، امتلأ العالم بالزواحف التي كانت تشبه في كثير من هياكلها التمساح ولكنها كانت تنمو الى احجام ضخمة جدا، تسعى على اليابسة وتسبح في الماء و تفترس الاحياء لكنها كانت تبيض ولا تلد، وما زلنا نجد بيضها بين المتحجرات لحد الان. لكن هذه الحيوانات مع كل ضخامتها قد انقرضت ولم يبق منها غير الزواحف التي تعيش في عصرنا. واكثرها من الضعف بحيث يعيش في السر يختفي في النهار ويخرج في الليل مثل الثعابين. لكن حتى هذه الزواحف التي لا تزال حية قد احتاجت الى تطورات مختلفة ساعدتها على البقاء. مثل تلاشي الاطراف في الثعابين ومثل الحراشف في التمساح ومثل الدرق في السلحفاة.

نحن نعرف ان العمالقة يعقمون. فالفيل وهو عملاق اللبونات على اليابسة لا تلد انثاه الا مرة كل 25 سنة في حين اننا لو تركنا زوجين من الارانب يتناسلان، حصلنا خلال بضع سنين على مليون ارنب.

فما هو السر في ذلك ؟ اغلب الظن ان وفرة الغذاء وانعدام الحركة حملت هذه الزواحف الى زيادة النمو ثم العقم. ولكن ما يفتح بصيرتنا انه عقب انقراض الزواحف الكبرى ظهرت اللبونات والطيور. علما ان اللبونات تمتاز بالشعر ( الصوف ) كما تمتاز الطيور بالريش، لذلك ليس بعيدا ان يكون المناخ قد تغير من الحر الى البرد فلم تستطع الزواحف الكبرى مقاومته فأنقرضت.

فقشر السمك وحراشف التماسيح ودرقات السلاحف والشعر والريش كلها تتفق كيمياويا بحيث يمكن ان نتخيل بأن تطور الشعر والريش جاء من حراشف الزواحف.

يقول كاتب السطور: في ربيع عام 1974 زرت متحف التاريخ الطبيعي في باريس. ووقفت مشدوها امام هيكل الديناصور وهو من الزواحف الكبرى التي انقرضت قبل 80 مليون سنة، قبل ان تحلم الأرض بظهور الأنسان وقد بدا لي الديناصور الذي شاهدته بعد التمحص ان جميع اعضائه كانت سليمة. وكان حجمه من الضخامة بحيث يعادل مجموع سبعة فيلة من الحجم المتوسط.

وكان لهذا الكائن، ذو العظمة المرعبة، جمجمة صغيرة تحوي على دماغ يمكنك مقارنته برأس فأر !!! . فحجم الرأس عنده يقل عن حجم جسمه بمئات المرات …

من هنا نستلخص انه لو اننا وزناه بميزان العقل، لوجدناه غير جدير بالبقاء، فباد واندثر وبقى ذكْرُ .

تمر الدهور المتطاولة في الطبيعة بملايين السنين والابناء تخرج كالاباء وتسير على غرارها. وقد شذ النبات والحيوان حينما اختلف في تركيب جسمها، فكانت انواع جديدة غيرت وجه الطبيعة، والنوع الجديد في اعتبارها، كالعبقري في اعتبار الأمة، عزيز الوجود، لان الجري على العادة القديمة اسهل على الدوام من اختطاف خطة جديدة.

فأول ذلك انفصال الحيوان عن النبات، فقد كانت الخلية الاولى التي ظهرت في العالم نباتية على الارجح. ثم ظهرت الخلية الحيوانية فصار التطور اسرع مما كان.

والخطوة الثانية كانت في ظهور اجسام مركبة. فقد كانت الاحياء الاولى خلايا منفردة تتكاثر بالانقسام ثم ظهرت انواع الاسفنج ثم المرجان وغيره من الحيوانات الجوفاء، المؤلفة من طبقتين حول كيس اجوف له فتحة في كل طرف.

والخطوة الثالثة كانت ظهور الذكر والانثى فقد كان ظهور الجنس بمثابة مضاعفة سير التطور. والخطوة الرابعة الكبرى كانت في اتخاذ الحيوان شكلا ذا جانبين كالديدان. فالأسفنج ليس له شكل منتظم، اما نجمة البحر والقنديل فكلاهما شعاعي كروي الشكل

و الخطوة الكبرى في التطور البيولوجي ظهرت في الفقريات، وهي على اختلاف درجاتها تستند الى الغريزة ولكن شئ من الوعي برز في بعضها. كانت اقواها في الانسان.

ومما يفتح ذهن القارئ، اهمية العمود الفقري، حيث ان الحيوانات الحاصلة عليه قد اخذت تتقدم تقدما سريعا في جملة نواح من تركيب الجسم وتأهيله للتنازع على البقاء. فسمكة اللامبري مثلا هي اول حيوان صار له جمجمة. والضفدع هو اول حيوان ظهر له اصابع في الاطراف و رئة ولسان و صوت، علما ان جميع الاسماك خرس لا تقدر على النطق، والزواحف هي اولى الحيوانات التي صار لجنينها كيس يحفظه، واول قلب يحتوي على اربع فجوات، اذينين وبطينين، ظهر في التمساح، واول ما ظهر الدم الدافئ في الطيور، واللبونات اصبح لها اكبرمدار من الدماغ عند مقابلتها بغيرها. فظهور الفقريات كان من اكبر فتوحات الطبيعة في ميدان الحياة.

الحلقة التالية في الاسبوع القادم!

*مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان لسلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here