د. جواد بشارة : المثقف الحقيقي يجب أن يكون محصناً ضد وباء الطائفية والتخلف والخرافة !

د, جواد بشارة : المثقف الحقيقي يجب أن يكون محصناً ضد وباء الطائفية والتخلف والخرافة ! ،

حوار أجراه الكاتب علي المسعود

الباحث العلمي والسياسي والسينمائي د. جواد بشارة ، عرفته في سبعينيات القرن الماضي حين كنا طلبة في الاعدادية المركزية في مدينة الحلة التابعة لمحافظة بابل ، كان فتى متمردا في كل شئ في ملابسة وشعره الاشقر الطويل وحتى كتبه التي كان يدسها بين دفاتره المدرسية فهي كانت للفلاسفة جان بول سارتر وديكارت وغيرهم ، حتى كان يطلق عليه ” جودي الوجودي” ، كان مفتونا في السينما ، طارد حلماُ حتى صار حقيقة ، و كان الحلم هوالسفر ودراسة السينما ، وعند تضيق النظام السابق على المثقفين من اليساريين وملاحقتهم هاجر الى باريس ، وهناك حصل على ليسانس علوم سينمائية وإعلامية من جامعة باريس 1977 ، ثم حصل على الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة باريس 1978 ، بعدها نال شهادة الدكتوراة في السينما من جامعة باريس الأولى سنة 1982 ، وكان عنوان الأطروحة ” نحو نظرية جديدة في اللغة السينمائية من منظور السيميولوجيا ـ نظرية الإشارات والرموز أو النظرية الدلالية ” ، و نال شهادة الدكتوراة في الأدب الفرنسي وعلاقته بوسائل التعبير السمعية البصرية من جامعة باريس الأولى 1984 ، وكان عنوان الأطروحة ” البنى السردية في روايات وأفلام مارغريت دوراس ” أسس شركة للانتاج السينمائي والنشاطات الإعلامية باسم “افلام عشتار ” , قام بإنتاج الأفلام القصيرة وعمل على تنظيم دورات سينمائية للشباب. له خبرة في ممارسة العمل الصحفي والإعلامي والنقد السينمائي وكتابة الأبحاث والدراسات السينمائية والفنية المنشورة في مختلف المجلات المتخصصة بالفن السينمائي والمسرحي منذ سنة 1970، وبصفة محلل وصحافي وإعلامي سياسي واقتصادي واستراتيجي وثقافي في العديد من الصحف الفرنسية والعربية ومحرر لدى مجلة دراسات شرقية الصادرة في باريس منذ عام 1986 إلى الآن. له خبرة واسعة في الإعلام الفرنسي والدولي والعلاقات العامة في المؤسسات الإعلامية الفرنسية ، عمل مراسل في باريس لإذاعة أوروبا الحرة في الفترة المحصورة مابين 2000-2001 نشر مايزيد عن خمسة آلاف دراسة وبحث ومقالة بين تأليف وترجمة في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية في مختلف الصحف والمجلات العربية والأجنبية ، عمل في الدائرة الصحفية للسفارة اليمنية من سنة 1980 إلى سنة 1992 ، عمل في ترجمة وإعداد ودراسة وتحليل النشاطات الإعلامية على الساحة الفرنسية والعالمية وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي وكتابة التقارير الدبلوماسية التحليلية في كل أسبوع مع ترجمات مختصرة أو كاملة لما يكتب في الصحافة الفرنسية والعالمية ، كذلك عمل مراسل في فرنسا لعدة مجلات وصحف عربية مثل ” المدى ” و ” النهج ” و” النور ” و ” الدفاع الخليجي ” و ” الموقف ” و ” الحياة السينمائية ” و ” نزوى ” و” الدفاع الخليجي” ، و ” مجلة المجلة ” . تعاون مع بعض المجلات والصحف الفرنسية في الكتابة والترجمة مثل مجلة ” مشرق ـ مغرب الصادرة عن مركز الوثائق الفرنسي ” ولوموند ديبلوماتيك ” و كورييه انترناسيونال ” ومساهمات في ترجمة النص العربي لصحيفة لوموند ديبلوماتيك، وكذلك إجراء المئات من المقابلات مع مختلف الأسماء و الشخصيات العالمية وفي مختلف الاختصاصات التي نشرت في مختلف وسائل الإعلام. قام بعرض وقراءة ونقد وتعليق على مئات الكتب الصادرة باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية ، وكذلك التعاون مع مركز الدراسات العربي الأوروبي بباريس منذ تأسيسه سنة 1992 من خلال الترجمات والكتابة في مجلته ” الملف العربي ـ الأوروبي ” ومن ثم العمل فيه كموظف منذ سنة 1997 إلى 2001، وساهم في كتابة العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير للمركز والإشراف الفني من ترجمة وإعادة صياغة وطباعة وإخراج وتحرير لجميع المداخلات التي ألقيت في مؤتمرات مركز الدراسات العربي ـ الأوروبي التسعة منذ سنة 1992 وصدرت في كتب عن منشورات المركز . نظم وأدار أربع دورات تدريبية سينمائية للأطفال والشباب بين 8 إلى 18 عاماً تمخضت عن إخراج وتنفيذ أربعة أفلام سينمائية روائية قصيرة مقاس 8 مللم و 16 مللم و 35 مللم عرضت في التلفزيون الفرنسي وفي بعض دور العرض والنوادي السينمائية ، إلقاء العديد من المحاضرات الفنية والفكرية والعلمية في العراق وأوروبا . عمل رئيس مؤسسة العراق والعالم للدراسات السياسية والإستراتيجية ومدير عام العلاقات الدولية في مؤسسة معهد المدينة الفرنسية للشرق الأوسط. ثم عُين مدير عام للإعلام في وزارة الثقافة العراقية 2003-2005، ومستشار لوزير الثقافة للشؤون الفنية. بالإضافة الى عمله مراسل لصحيفة المدى العراقية في باريس وكاتب صحفي ومستشار إعلامي في عدد من الصحف والمواقع الإعلامية المكتوبة والمرئية والانترنيت مثل إيلاف والحوار المتمدن والأخبار وغيرها وقناة فرنسا 24 الفرنسية الفضائية باللغتين الفرنسية والعربية وإذاعة فرنسا الدولية وإذاعة مونت كارلو وإذاعة الشمس وغيرها 2005- 2010 ، دكتور ” جواد بشارة ” باحث علمي متخصص في الفيزياء النظرية وعلم الكونيات الكوسمولوجيا ومشارك كمحاضر في العديد من المؤتمرات العلمية المتخصصة في هذا المجال في فرنسا وكندا والولايات المتحدة ، له العديد من المؤلفات عن السينما و السينما العرافية وكذالك في موضوع / الكون أصله ومصيره ، و الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء ، الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبير، لغز الإلوهية بين اللاهوت والناسوت دار الأهوار 2021 بغداد العراق ، له كتاب سفر التكوني العلمي وسفر التكوين الثيولوجي دار الأهوار 2021 بغداد العراق . وغيرها من ألمؤلفات التي أغنت المكتبة العربية السينمائية والثقافية. كما قام بترجمة العديد من الكتب، حاولت أن أعثر عليه في سفراتي المتعددة الى باريس ولكني لم أعثر على عنوانه، وحين عثرت عليه من خلال احدى وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وأردت أن أرتب لقاءه ولكنه اعتذر لظرفه الصحي في وقتها وأجراءه عملية جراحية. احتفظت بتلك الاسئلة واعدت صياغتها في لقاءنا مع الدكتور جواد بشارة . في البداية كان حديث ذكريات امتد زمنها 40 عاما ،

سؤالي الاول: ما سر اهتمام الدكتور جواد بالكون وفك أسراره ؟ ، وهل وجد الإجابة على التساؤلات التي كان يطرحها في بداية الوعي وثورته الفكرية؟ .

ج: صديقي العزيز أنت تعرفني منذ مرحلة الصبا والدراسة. كنت مولعا بمجالين، السينما التي عشقتها حد الجنون، والعلم وبالأخص علم الكونيات والفيزياء النظرية، ولقد كان وعيي متقدما في سن مبكرة، منذ الثامنة من عمري، كنت أقرأ وأتابع وأتواصل مع العالم الخارجي كلما استطعت ذلك ، وأقرأ كل ما يقع تحت يدي من مصادر العلم والفن والمعرفة الفكرية والثقافية. فكانت حصيلة ذلك خلفية معرفية موسوعية وتعمق متخصص في المجالين السينمائي والعلمي .

السؤال: ماهي العلاقة بين السينما ودراسة الكون وهل وجدت خيطا رابطا بين الاثنين؟

ج: السينما علم وفن وتقنية خاصة الألوان والعدسات والبصريات والفيلم الخام… الخ ويمكنها أن تترجم وتجسد وتعكس الثيمات العلمية خاصة في مجال أفلام الخيال العلمي. السينما تشكل نافذة على العالم وما يحدث فيه من تطور وتقدم علمي وتكنولوجي وفني وثقافي وفكري، وهي اختصاص ليس من السهل ولوجه ودراسته على أسس علمية وأكاديمية إلا إذا كان الطالب يمتلك خلفية معرفية نظرية وعملية رصينة عن هذا الفن لكي يجتاح اختبارات القبول لاسيما في المعاهد والجامعات الأجنبية، وكنت أدرك هذه الحقيقة وحضرت نفسي لمواجهتها بالرغم من ظروفي العائلي والمادية المتدنية في العراق قبل سفري في بداية سبعينات القرن الماضي .

السؤال : كيف وجدت مدينتك الحلة بعد هجرة وإغتراب امتد لأكثر من أربعين عاما؟ .

ج: الحقيقة أصبت بصدمة عميقة، فلم أعثر على الحلة الجميلة الوديعة المليئة بالإبداع والمبدعين والمثقفين الواعين، فلقد تراجعت عقود طويلة إلى الوراء وغلب عليها الطابع الحزين والركود واللامبالاة والإهمال وانتشار الفقر والجهل والقمامة في كل مكان عدا بعض الاستثناءات التي ولدت الأمل من جديد في نفسي فهي مدينة محكومة بالعقل الثيولوجي الخرافي وهيمنة رجال الدين والمؤسسات الدينية التي تسد الأفق أمام الشباب الواعين والمنتجين وتعمل على التجهيل المتعمد والعيش في أطر الماضي وتنمية النزعة الطائفية ، الحلة اليوم لاعلاقة لها بالحلة التي أعرفها وترعرعت بين شوارعها وأزقتها ومحلاتها وأحيائها والطبقة المثقفة التي كانت مزدهرة فيها .

السؤال : ماهي الشخصية العربية والعالمية التي شكلت الوعي المبكر عند جواد بشارة؟

ج: عربياً كان لإسماعيل مظهر مترجم كتاب أصل الأنواع وعبد الرحمن بدوي مترجم كتاب الوجود والعدم لسارتر وسلامة موسى وصادق جلال العظم مؤلف الكتاب الشهير نقد الفكر الديني، تأثير كبير علي، أما عالمياً فبالطبع هناك ماركس ونيتشة وسارتر وكامو وفرويد وداروين ومفكري حركة التنوير الغربية الأوروبية والروائيين الكبار في الأدب العالمي ومبدعي التحف السينمائية الخالدة… الخ .

السؤال : كيف وجدت المثقف العراقي بعد التغير 2003 وماهي ملاحظاتك عليه؟ رأيك وماهو رأيك بالصراعات بين مُثقفي، الداخل ومُثقفي الخارج؟، وهل تراجع دور المُثقفين المستقلين ما بعد الاحتلال وبعد صعود ما سمي بـ”المثقف الطائفي” ؟ .

ج: أولاً يجب تقديم تعريف علمي لمصطلح ومفهوم الثقف عموماً والمثقف ” العراق” على وجه الخصوص، فليس كل من أبدع ونشر شعراً أو رواية أو كتب نصاً أو نقداً في مجلة أو صحيفة أو نشر كتاباً أو عدة كتب في مجال معين يعتبر مثقفاً. المثقف الحقيقي يجب أن يكون محصناً ضد وباء الطائفية والتخلف والخرافة والعنف لاسيما ضد المرأة ، وأن يكون متعالياً على تلك الصراعات الأنانية وحب السلطة والمال والنرجسية ، وأغلب هذه الصفات لاتنطبق على أكثر مثقفي العراق الحاليين، فأغلبهم حزبيين ومؤدلجين يميناً أو يساراً، ولايوجد الكثير من المثقفين المستقلين، أما صراع مثقفي الخارج والداخل فله مقاربة أخرى ويحتاج لكثير من التحليل والتأمل السيكولوجي والسوسيولوجي لفهم الحالة وإعطاء رأي فيها والأمر يتعلق بنمط الحكم السياسي الذي قاد البلد وسيطر على المثقفين وفرض عليهم سياق محدد لممارسة الفعل الثقافي مع الأسف .

السؤال : يوصف العصر الحالي بأنه لا يوجد فكر مستقل ولا مثقفون مستقلون، بسبب السياسات الثقافية لحقبة البعث في تبعية المثقف العراقي لسياسة الحزب الواحد، هل أصبحت الثقافة العراقية فوضوية ومشوشة ؟ .

ج: هناك الكثير الذي يجب أن يقال بهذا الصدد ولكن مايمكن الإشارة إليه هو حدوث تشوهات في جسم الثقافة وفي أذهان المثقفين وعدم فهم حقيقي لمفهوم الحرية والاستقلالية، لأنها ممارسات كانت مفتقدة عندهم طيلة عقود طويلة من القطيعة والقمع والانسداد فهم معذورون ؟ .

السؤال الاخير: هل يعاني المثقف العراقي أزمة الهوية؟، وهل حان الوقت في إعادة النظر في علاقة المثقف بالجماهير وكذلك إعادة النظر في مفهوم المثقف العربي ورسالته؟ .

ج: لانزال نتحدث بلغة ومفاهيم سنوات الخمسينات ولغاية تسعينات القرن الماضي . المفاهيم تغيرت جذرياً في العالم الخارجي. ماذا نعني بأزمة الهوية؟ كان في تلك الحقبة تأثير إيجابي للمثقف على الفئات المتعلمة من الجماهير في فترات الانتماء الأيديولوجي والالتزام بقضايا الجماهير ورسالة المثقف والثقافة وهي مصطلحات أيديولوجية وحزبية كتب عنها ونظر لها مفكرون كبار من بينهم سارتر ورؤيته عن الأدب الملتزم ، لكنني لا اراها تصلح للثلث الثاني والثالث للقرن الحادي والعشرين فمنظومة الأفكار والمواقف في طريقها للتغير جذرياً .
وقبل ان نودع د. جواد بشارة أخبرنا بأنه ينتظر قريباً جداً صدور كتاب بعنوان ” ومضات سينمائية ” عن دار الشؤون الثقافية في العراق في وزارة الثقافة ، وكتاب “لغة الفيلم ” ، و كذالك كتاب “جماليات السينما ” عن دار أهوار ، وكتاب “معضلة الزمان ومحنة الإنسان ” عن دار أهوار .

شكرا لك دكتور جواد بشارة ، اتمنى لك عاما سعيد ويحمل أكثر من منجز إبداعي ومطبوع ثقافي .

علي المسعود

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here