العمران في القرآن الكريم (الحلقة الثامنة) (السدود 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

عرفت الحضارات القديمة في وادي الرافدين والنيل بإنشاء السدود. و شيد الرومان سدود في سوريا وشمال افريقيا وجنوب اوربا. وبنى الساسانيون في ايران السدود منها سد قارون الكبير. و سنحاريب بنى سد في شمال العراق، ونبوخذ نصر بنى سد على دجلة عند بغداد الحالية.

وبنى اليمنيون سد مأرب الأكثر شهرة قبل الميلاد. وتهدم سد مأرب كما جاء في القرآن الكريم سيل العرم “فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ” (سبأ 16). قيل العرم هو الجرذ الذكر الذي نقب السد. و العرم جمع عرمة وهو ما يمسك الماء. والعرم بلغة حمير السد. والسيل هو المطر الشديد “أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا” (الرعد 17).

والله تعالى حث على التقدم العلمي “لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ” (المدثر 37)، ومن القصص على ذلك قصة ذي القرنين في صناعة السدود الضخمة، بالإضافة الى قصة تفوق آدم على الملائكة بالعلم وقصة نوح في صناعة السفن، وقصة داود في صناعة الحديد وقصة نوح في صناعة السفن، و قصة خاتم الانبياء في معرفة مسببات الأسباب وحربه ضد الخرافات والكهنة والسحرة.

ان السدود نفسها تعتبر جزء من اعمار البلدان، بالاضافة الى ان السدود والخزانات التي تجمع المياه خلفها تحمي منشآت العمران الاخرى من التلف نتيجة منع مخاطر الفيضانات.

ان فكر الانسان واستخدام عقله هو أحد الدروس المستخلصة من قصة ذي القرنين ومن ذلك استخدام الحديد كمادة رابطة بين الاحجار. وتتكون المادة الرابطة من الصلب المغطى بالقطر لتملأ الفجوات لتكون أكثر متانة ضد عوامل الانهيار. وطلب ذو القرنين من الذين طلبوا منه بناء السد ان يجلبوا عمالا وادوات بناء لانجاز مهمة بناء السد. وبتعبير هذا الزمان ان ذي القرنين كان المهندس المصمم والمشرف على بناء السد. وذكرت رواية ان ذي القرنين هو الذي صمم وبنى إرم ذات العماد “إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ” (الفجر 7).

وما يسمى بالحضارة النهرية اشتهرت في اليمن ومنها شبكة جداول وسدود وخزانات. واحد الروايات تقول ان يأجوج ومأجوج رافدان للسيول يتكونان وقت السيل من كل حدب ينسلون اي من اعالي الجبال الى الاسفل ومن اكثر من نقطة لتكوين هذين الرافدين “حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ” (الانبياء 96) ويأجوج ومأجوج ليسا بشرا كون هذه الاية تماثل الاية ” وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ” (يوسف 4). وتذهب هذه الرواية بان المفسدين في الارض في الاية “قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ” (الكهف 94) هي السيول التي توقع الخسائر المختلفة. وبناء السد هو لمنع هذه الخسائر وبالمفهوم الحالي الحماية من الفيضان. وحتى لا يحدث السيل لا ينقب ” وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا” (الكهف 97) ولا يتجاوز الماء فوق السد “فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ” (الكهف 97). وكلمة يأجوج مأخوذة من أجيج الماء أي صوت الماء وكلمة مأجوج مأخوذة من مج الماء أي انصباب الماء. وهنالك تفسيرات اخرى تؤكد انهما جبلان وقد يكونان في بلاد الترك ولا علاقة للمياه بهذه القصة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here