ترنيمــــــة الحريّة

ترنيمــــــة الحريّة *
جميل حسيـــن الســــاعدي

حمـــراءُ(1) مــا امتدّتِ الآبـادُ تتّقـــدُ
     لا الحقْـدُ يوقفُ مسراهــا ولا الصفـَـدُ
    حمــراءُ لولا سَنَــاها لـــمْ يَطِبْ عُمُــرٌ
    ولمْ يَعِشْ فـي الدنى رأيٌ وَمُعْتقــــــــدُ
    هيَ اللبــابُ الذي تغنى النفوسُ بِـــــهِ
   ومـــا عداها فذاكِ القشْــرُ والزَبَــــــدُ
   تفنــى نفوسٌ لكــي تهنا بهــا أُخَــــــرٌ
   ويفتدي ساعــةً من أجلِــها أبـــــــــــدُ
   إنْ أقبَلــتْ عــادتِ الدنيــــا مُشعشعــة ً
  أوْ أدبرتْ فالليالــــي حُـلّكٌ ربُـــــدُ (2)
  كـــلّ الخلائقِ تهواهـــا وتنشــــــدها
  فكلُّ صـوتٍ لــهُ مِــنْ وَحْيها رَفـَـدُ (3)
  ما حلّقَ الطيرُ فـــي الآفاقِ عن عبثٍ
 لكـــنْ ليصبح َ حُـــرّا حيثمــا يَـــــردُ
 وما استكنّتْ إلى الأعمـاقِ زاحـــــفةٌ
 إلاّ لتحيــــا ولا عينٌ ولا رَصَـــــــــدُ
كمْ يبتني من منيـــــــعِ السدِّ مُعتصـبٌ
 تاجا ً وكمْ من صنوف الظلْمِ يعتمـــدُ
حتّى إذا مــا استجاشَ السيلُ واندفَعتْ
 أمواجـهُ كُلَّ منحى ً زالت ِ السُـــــدُدُ
 وعادَ خزيانَ مهزوزَ الخطى فـَــرقا ً
 ذاك َ المليكُ فمــا آواهُ مُتّـســــــــــــدُ
وكانَ مِنْ قبـــلُ كالطاووسِ مُنتفخـــا ً
 تكــادُ تقفـــزُ مِـنْ زهْــوٍ بــه ِ البُرُدُ
                                     ***
يا سائلي عنْ جراحي وهْيَ بيّنـــــة ٌ
خـــلً السؤال َ سيغنيـك َ الذي تَجِــدُ
أنــــا قوافــــــلُ آلام ٍ تطاردهـــــــا
هُــوجُ  الريـــاحِ فلا أهــلُ ولا بَلَــدُ
 تكسّرتْ سُفُــــنُ الموتـى وها أنـــذا
 يصــارعُ الموجُ مجـــدافي وأتئــدُ
 ذررتُ فـي أعينــي ملحا ً مُحاذرةً
أنْ يسلكَ النومُ بي دَرْبَ الألى هَجَدوا
 وعفْــتُ لِيْــنَ وســــــادات ٍ مُكابرة ً
فالصخْرُ والريحُ والرمضاءُ لِي وُسُدُ
عذرا ً أخا الجرُح ِ إنْ جاءتْ مُسعّرةً
هذي الحروفُ فإنّي نازف ٌ حَــرِدُ(4)
هممتُ بالجرْحِ لمْ أفطــنْ لعاصبـــهِ
 فرحْــتُ أحضنُ آلامـــي وأنفــــردُ
وخيّبَ الظـــــــنًّ أحزابٌ وأنظمـــةٌ
تدعو لشئٍ وتأتي عكْس َمـا تَـعِــــدُ
آيُ التحــــررِ لـــــمْ تبرحْ ترتّلهــــا
لكنْ تُطـــاردُ أحرارا ً وتضظهــــدُ
لمْ تدر ِ إنَّ دمــــاءً أُجريتْ شططا ً
من أهلنا هي َ فـي الأرزاء ِ مُعْتَمــدُ
بهــا نردُّ عــن الأوطــــانِ عاديـــة ً
عندَ الملمّات ِ فهْيَ الحصْنُ والزَرَدُ
وأيُّ معنىً لتحريــر ٍ إذا حُبِسَــتْ
أنفاسُ شعْب ٍ عليــهِ القَصْـدُ ينعقــدُ
  وكيفَ يدْفَــعُ عن أوطــانهِ خَطَـرا ً
 مُكبّــلٌ فـــي قيــودِ الذلّ مُضْطَهــدُ
شرُّ الخصـوم ِ حكوماتٌ تجورُ على
شعوبها فهْي َ خصــمٌ كلّــــهُ لَدَدُ (5)
تزهو المشانقُ بالأحرارِ شامخــة ً
وفي السجونِ ضحايا ما لها عــددُ
ونحــنُ بيــنَ طواغيــت ٍ مُشـرَّدةٌ
جموعُنــا فـي يدِ الأقـدارِ تُخْتضدُ
كأننا لمْ نـَكـُــــنْ عُرْبأ ً مُعرّفــــة ٌ
 أنســابُنا،جدّنـا قحطــانُ أوْ أ َدَدُ(6)
          ***                          
 وتائهٍ فــي مطاوي اليأسِ تُفْزعــهُ
 رؤى الظلام ِ شتيتٌ رأْيُــهُ قـَدَدُ(7)
نأى بخفّاقـــه ِعـــنْ كــلّ أمنيــــة ٍ
خوفٌ به ِراحَ في الإبحاريعتضدُ
في حين أمّتْ شعاع َالنجْم ِ صارية ٌ
لها من الضوْءِ هاد ٍ نهْجُه ُ جـَددُ (8)
ما أعْظم َ النفسَ إذْ تنضو مخاوفها
وترتدي مِــنْ بُرودٍ حشْوها الجَلَدُ
شتَان َ بيْـــن َ شتيت ٍ أمـْرُهُ فُرُط ٌ
وبيـن َ ثَبْت ٍ علــى الأرزاءِ يتّحدُ
إنَّ اجتماعَ قوى الأرواح ِيُبلغُــها
ما ليس َ يبلغُــــهُ فــي وهْمه ِ خَلَدُ
وما يزيحُ طوابيـر َالظلام ِ سوى
موج  الضياء ِإذا ما راح َ يحتشدُ
حتّى إذا أطبَقتْ ظلمــاء ُ حالكــة ٌ
وظـُنَّ أنَّ مجــئ َ الصُبْح ِ مُفْتَقــــدُ
تهدّلـــتْ لُبــداتُ الليـلِ فانكشفــتْ
عنْ سـافرٍصدق َالأحرارَما وعَدوا
مِنْ بعدما عسـرت دهْــرا ً ولادتُـهُ
وضاق َ طُلاّبـه ُ ذرْعا ً بما نَشدوا
ورنَّ في الأُفُــق ِ الممتـــد ِّ يملؤهُ
بالقاصفـات ِ نداء ٌ صـابرٌ جَـلِــــدُ
يشدُّ مِنْ أزْر ِ ذي سَعْـي ٍ فيمنحـهُ
عزما ً ويهْزأُ ُ مِنْ أفهامِ مَنْ قَعَدوا
ويستطيرُ أناشيدأ ترددهــــــا الــ
ــدنيــا ويغرف ُمِنْ أنغامِها الأبَـدُ
أكبرت ُمنْ راح َ بالإيمان ِ مُدّرعاً
فهو َالقويُّ وليْس َالجلْمدُ الصلــدُ
 تهوي الحياةُ إلـى الأدنى فترفعها
 أرواحُ قوم ٍسوى العلياء ما قصدوا
 قوم ٌ إذا أجدَبتْ أرضٌ يكـونُ لها
 ممّـا يسيلون َ مِـن أرواحِهــم مَـدَدُ
 كفاحهم لبنــي الإنســـانِ قاطبــــة ً
لا اللونُ يُبْعدهُمْ عنْهم ولا البَلــــــدُ
المرءُ بالمرءِ موصولٌ وإنْ فصَلتْ
مذاهــب ٌ في دعاويهــا الورى قِدَدُ
وجنــة ٍ لمْ يطأْ أكنافَهــــا بَشَــــــر ٌ
لا يستطيبُ بها أيّامَــــــهُ أحــــــدُ
                  ***                 
ربأتُ بالنفس ِأن تحيا على عَرَضٍ
وأنْ تُمجّــد َ أصناما ً وَمَـنْ عَبدوا
الشعْـرُ إنْ لـَمْ يَعِشْ للناسِ مُنشــدُهُ
فليسَ في قولِهِ فحوى ولا رَشَـــــدُ
 الشعْرُ عندي صـــلاةٌ حينَ أبدأهـا
تُسْتَنْقَذ النفسُ مِنْ إغفاءِ مَنْ هَمَـدوا
 يُستْتَنزلُ الشعرُ مِنْ عليائهِ دُفقــا ً
مِن الضيـــاء ِ بهِ الأرواحُ تبْتـــردُ
وليسَ محضَ صياغـــاتٍ وأبنيـة ٍ 
مضمونها الإدّعــاءُ الفـَجُّ والفـَنـَـدُ
فصحّــــة ُ العقل ِ بالألفاظِ صادقة ً
وسقْمُـهُ حين َ صِدقُ الحرْفِ يُفْتَقَدُ
ويرخصُ المرءُ إنْ ترْخصْ مقالتهُ
ويغتني بغنـى مــــا راح َ يَعْتقِــــدُ
أعاندُ النفس َ حتّـى تستفيقَ علــى
 إرادتي وعلى مــا أبتغي تَـــــردُ
واكتُبُ الشعْر َ لا أدري أمُلهَمـــةٌ
أبياتُــهُ برؤى المجهولِ تَتَحـــــدُ
أمْ أنَـــهُ فيضُ نفــسٍ راحَ يُقْلقهـا
ويستثيرُ بهــا الأشواقَ مـــأ تَجِدُ
ما كانَ منّي اختيارا ًصوْغ ُ قافية ٍ
لكنّمـــا كلُّ حرف ٍ في دمي يَقِـدُ
وأهْزلُ الشعْرِ شعْرٌ رحْتَ تقصدهُ
وأحسـنُ الشعْر ِ شعْرٌ وَحْدَهُ يفـدُ
يا قاصدا ًكوْن احلامي التي انتحرتْ
في زهْوها حيث ُجُنْدُ الجدْبِ تحتشدُ
انظر حواليك َ, نامتْ هـا هنا مُدُن ٌ
منهوكـة ٌ هدّها الإعياءُ والسَهَــــــدُ
تهالكت في رؤى الأفيون تاركـــة ً
وراءها ألفَ جُرْح ٍ يزدريــه ِ دَدُ(9)
وهدّمتْ كُلَ ســدٍّ غيــرَ آبهــــــــة ٍ
إذ يستوي اللبُّ في المقياسِ والزَبَدُ
عجيبــــة  ٌ تلكــم ُ الأرواحُ يُفْزعُها
أنْ تُبصر النورَ فوقَ الأرْضِ ينْعقدُ
 
 تشرّبتْ علل َ العصْر ِ الجديدِ ففي
 أعماقِها لوحوش ِ الموت ِ مُتّســـدُ
 تخفّفتْ عنْ مثاليـــاتِ عالمــــــها
إذْ عندها كــــلُّ أخلاقيــة ٍ صَفَــــدُ
وأبحرتْ في مسارِالوهْم ِ فهْيَ كَمَنْ
يجري وراء َ سَرابٍ وَهْوَ يبتعـــدُ
تُنبي ملامحُهــا عَنْ حَشْدِ أضرحة ٍ
فيهـــا كنوزُ بني الإنســان ِ تُعْتَبـدُ
وكلُّ سعْي ٍ وهمٍّ في شوارعــــها
يُنبيك َ كيْف َخُطى الإنسانِ تُزدردُ
للناسِ أنشـدُ طبعُ النفسِ يأمرنــي
لا ضيْر َإنْ قبلوا شعري وإنْ جَحدوا
إنّي فُطــرتُ كما شاءَ الإلهُ فــــم ٌ
عَـفٌّ وقلب ٌرضى الوجدانِ يَعْتمِدُ
لست ُ الفتـــى يترضّى كُلَّ نازلة ٍ
ولسْت ُ مِمّنْ تُغطّي نَفسَهُ العُقَــــدُ
لي في الحيــــاةِ سلوك ٌ لا أبدّلــهُ
ــ على الزمانِ ــ ارتضاهُ أمْ أباهُ غدُ
ومبدأي أحمــــلُ التجديـدَ مقتفيــا
خطى التطوّر ِ مشغوفا ً بما يَعـِـدُ
لكنَّ بي جَنَفــا ً من أنْ أقرَّ علــى
تصوّرٍ زائف ٍ قدْ مجّــهُ الرَشــدُ
يستخدم ُ الناسَ أغراضا ً لغايتـه ِ
ويفهم ُ العيش َإذعانا ً لِمَنْ صَعَدوا
***
                                   
معذّب ٌ انت َ يــا قلبي تمرُّ بك َ الـ
ــذكرى فتضحك أوْ تبكي وترتعدُ
أنت َ الذي تتقــرّى كلَّ وافـــــــدة ٍ
فتستجيبُ وتستثنـــي وتنتقـــــــــدُ
للّه ِ دَرُّك َ كــــــمْ حال ٍ تمرُّ بهـــا
طورا ًتنوح ُ وطورا ًـ صادحٌ غَرِدُ
لوْ فتّشــــوا فيـك َ لاقوا أيَّ مُتّسَع ٍ
تزاحَمَتْ في مداه ُ البِيـدُ والنُجـُــــدُ
كذاك َ كلُّ فؤاد ٍ شاعـــــرٍ أُفـُــــق ٌ
لا يُستشـَفُّ لــه ُ حــدّ ٌ ولا أمـَــــدُ
إنْ لمْ يُنِرْ سُبُلا ً علـــــم ٌ ومعرفـة ٌ
فالشعر ُ ألْف َ طريق ٍ مُزْهــرٍ يَلِدُ
 لِي بين َ صحْبي أناشيد ٌ مُضيّعة ٌ
أنشدتُها غَيْر َ نَّ الصحْب َ قَدْ هجدوا
أيقظتُهمْ فأرونــي وجْـــه َ مُنزعج ٍ
عاتبتُهـــــمْ فإذا مَردودي َ الكَمـَــدُ
تُمْسي المصائب ُعندي وهْي َ هيّنة ٌ
إلاّ المعاناةُ في إشعار ِ مَنْ هَمَدوا
حملت ُ مِنْ تَبِعَـات ِ الدهْر ِ أفتكَهـا
 فسرْتُ والعرْقُ تلْوَ العِــرْقِ يُفتَصـدُ 
لمْ أرْتَهِبْ وصروفُ الدهْر ِفي طَلبي
فرحْت ُ والدهـــــــر كالأنداد ِ نجتلدُ
أريتَــه ُ كلَّ مــا بي مِــنْ مُعانــــدة ٍ
حتّى تيقّن َ إنّـــــــي الفارس ُ النّجَـدُ
وإنني لا أجاري مِـن مَطالبــــــــــه ِ
شيئا ً وإنْ جُذ َّ منّي الكـفُّ والعُضُدُ
***
وصاحب ٍ غَرّه ُ أن ّ الحياة َ مَـشَــتْ
إليه ِ خضراء َ لا جهدٌ ولا كّبَــدُ(10)
وإنّــه ُ في ظلال ٍ مِـــــنْ بواسقـــها
مُرفَـــــه ٌ ولياليــه ِ هــــي َ الشَهَـــد ُ
تصوّر َ العيش َ إنْ يقْبل ْ يُمِتْ قِيما ً
لذاك َ عفّى على أخلاقِهِ الرّغَـــــدُ
فصارَ مُستنكرا ً ما كان َ مُرتضيا ً
فاستُبدِل َ الرأيُ لمّــا استُبدِلَتْ بُرُدُ
وراح َ يمضغُ أطراف َالحديث ِكمَنْ
يُؤتى الطعامَ وفي أسنانــــــهِ دَرَدُ
يستلفتُ العين َ إذْ يمشي كان َّ بــه ِ
ميْلا ً وبالخطْو ِ أنّـى سارَ يَقتصدُ
صُنْع َ الطواويس ِمزهوّا ً بمشيته ِ
فَهْو َ العظيمُ بعالي المجْد ِ مُنْفرِدُ
يا صاحبي لوْحويت َالمجْد َأجْمَعَــهُ
وصرْت َ تملكُ ما تهوى وتعتبــدُ
فلسْت َ تقوى على إسكاتِ عاطفة ٍ
جذورها في  طوايا النفس ِ تتّقــدُ
وإنْ أصابك مكروه ٌ فأنت ّ إلى أل ــ
ــ أخـــوانِ تهْرعُ ترجو لوْ تُمدُّ يــدُ
حقيقــة ٌ فيك َ فاحذرْ انْ تُغالطـــها
ما مسّك َ الخيرُ أوْ ما مسّك َ النَكَـدُ
وذاك َ أنّـك َ إنســان ٌ وإنْ بَعُــدَتْ
بك َ الخطى فعلى الإنسانِ تَعْتمــدُ
                  ***               
حملُتُ منْذُ سنين ٍ قدْ خَلَــتْ ظمئي
وظلتُ أسعى ولمّا يأتِني مَــدَدُ(11)
غير ابتلالٍ به ِ خفّفتُ عَنْ شَفَـــة ٍ
ضاقتْ بحمْل ِ جفاف ٍ راح َ يَطّرِدُ
والعمْرُما العمْرُ إلا لحظة سَنَحَتْ
تميسُ جذلانة ً تِيْها ً بمَنْ سَعَـدوا
إنّي أُريــدُ مــن الأيّــام ِ قاطبــة ً
بعضا ً تجيشُ بما أهوى وتحتشدُ
كمْ يكبرُ القشُّ في أنظارِ مَنْ طمعوا
ويرخصُ الدرُّ في مقياسِ مَنْ زَهَدوا
إنّي ولِدتُ وبِــي زهْــــد ٌ يجنبنــي
حُب َّ السفاسفِ إذْ تطغــــى فأبتعدُ
حسبي نقاءُ أحاسيس ٍ أسيرُ علــى
ضيائها حَيثُ أطباقُ الدجى نُضُدُ
حييتُ لَصْق َ ضميــر ٍلا يفارقنـي
كالظلِّ بالمرء ِ أنّى سارَ يتّحـــــدُ
                     ***
 يا واهب َ الشعْرِ أغلى ما يجادُ بهِ
 نفســا ً بشعلتـه الحمـــراء تُفْتــأدُ 

 هوّنْ عليك َ ولا تنصتْ لجعْجعـــةٍ
 وإن ربَا حَولها منْ ناصــــــرٍ عَددُ
لا يستوي باعث ٌ روحــا ً وقاتلــها
وذو سخاء ٍ وذاوٍ نبْعُـــــهُ صَرَدُ(12)
شتّان َ بين َ غزيرِ الموج ِ مُصْطخبٍ
وبينَ مَنْ يقصدُ الصحراءَ يَرتفدُ(13)
إنَّ الذين َ افاضوا مــِنْ قلوبهـــم ُ
كيما تشعُّ قوافٍ في الذرى شُرُدُ(14)
لا يمنعنّهمُ عــــنْ قــول ِ قافيــــة ٍ
صمْتُ الجلاميدِ أو إنكارُ مَن جحدوا
همُ وعاءُ القوافي وهْــي َ روحُهمُ
فما تململَ مِنْهمْ لحظة ً كـَتَدُ(15)
تحرَقَتْ منهمُ الأعصـابُ فانطلقوا
مثل َ الدراويش ِ لـُصّاقا ً بما قصدوا
ضرْب ٌ من الخلْق لا يهدا لهُ ثَبَـجٌ
وإنْ تراختْ عصـوفٌ طبعها حَرِدُ
 كأــنَّ عندهــــمُ ثأرا ً لأنفسهـــــم ُ
فهْيَ الخصيمُ الذي لمْ يجْفُــهُ لَدَدُ(16
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*القصيدة هي معارضة لقصيدة الجواهري الدالية ( يا ابن الفراتين) ، وقد كتبتها في العام 1980.
والمعارضة في الشعرهي أن ينظم شاعر قصيدة يحاكي فيها قصيدة شاعر آخر مستعملاً نفس البحر ونفس القافية وذلك لإعجابه بها
مع الحرص على إظهار براعته الأدبية . كانت هذه القصيدة آخر قصيدة لي في الفترة ، التي كنت أحسبُ فيها على المدرسة الجواهرية ، فهي بمثابة قصيدة الوداع لهذه المدرسة ، فقد اخترت فيما بعد طريقا خاصا بي في الشعر، فلم تعُد اللغة الفخمة تستأثر باهتمامي بل الأسلوب السهل العذب في التعبير، وما يتناغم وينسجم معه من مفردات لغوية متداولة ومفهومة من الجميع.
      (1) حمراء: المقصود هنا شعلة النار المتوقّدة وقد رُمز بها للحرية.
      (2) رُبُدُ: عابسة
      (3) الرَفـَد: العطاء
      (4) حـِرد: غضبان
      (5)اللَدَد: شدّة الخصومة
      (6)أدَد: أبو قبيلة من اليمن وهو أُدد ابن زيد ابن كهلان بن سبأ بن حمير
      (7)قَدَد: الشتات المتناثر
      (8) جـَدَد: الأرض المستوية
      (9) الدَد: اللهو واللعب
      (10) الكـَبَد:المعاناة والمشقّة
       (11) ظلت: ظللت
       (12) صَرَد: قليل الماء
       (13) يرتفد: يطلب الرفادة, وهي العطاء
       (14) شُرُد: سائرة في البلاد
       (15) الكتد: مجمع الكتفين عند الإنسان
       (16) اللدد: شدة العداوة والخصام
                     

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here