الكبار لا يرحلون

نبذة مختصرة عن حياة المؤرخ الاب البير ابونا :

ابصر النور سنة 1928 في قرية فيشخابور الواقعة في اقصى الشمال الغربي من العراق

ودرس المرحلة الابتدائية في القرية نفسها ثم في زاخو، وفي نهاية عام 1940 دخل معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل، وأمضى فيه (11) سنة، حيث تلقى العلوم اللغوية ثم الفلسفية واللاهوتية.

في 17 حزيران 1951، رسم كاهنا .وفي خريف 1955 استدعيا للتدريس في معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل، حيث واصل العمل حتى عام 1973.

انتمى الى الرهبنة الكرملية، وامضى سنة الابتداء في فرنسا (1976-1977) وعاد الى بغداد وتركها بداية التسعينات . بداية التسعينات التحق بالرهبنة الكلدانية ثم  خدمة خورنة سلطانة الوردية في بغداد، فكان ذلك، والتزمها منذ نهاية 1994 وحتى 2001،  وتفرغ بعدها للكتابة والتأليف. الف وترجم اكثر من 150 كتاب في مختلف مجالات الثقافة.

رحل عن عالمنا في يوم 4/12/ 2021 ودفن جثمانه بحسب وصيته في مسقط راسه ببلدة فيشخابور في قضاء زاخو بمدينة دهوك . ..

من الصعب جدا ان نصف رجلا بهذا الحجم وبهذه المكانة فقد كان ملاكا ارضيا وانسانا سماويا ، ونحن نعرف أنه غادرنا ليكون أقرب إلى قلب الله وليكون هناك في الملكوت السماوي.إن مثل هذه الشخصيات تذكرنا دائما بان الخدمة الحقيقية هي بذل النفس الى حد التفاني من اجل الاخر وان يكون العطاء بغير حدود وبدون مقابل  . الاب البير ابونا هو من كبار المؤرخين ممن يتحملون المسؤولية التاريخية والأمانة في الكتابة لان ما يخلفه الكاتب من نتاج فكري هو بمثابة صحيفة الاعمال او السيرة الذاتية التي تظل تلاحق الكاتب كظله . فهو ذلك النوع من الكتاب الممتلئين بمحبة الوطن وبمحبة الانسان الذي ينتمي له ، والمتمسك بالقيم ، وتتألق كتاباتهم فكلما حاولنا الغوص في عمق معانيها وهي تشبه تقطير الزهور بهدف الوصول الى العطر الثمين.

اننا اليوم لا نودع انسانا عاديا، بل نودع رمز من رموز شعبنا لا بل رمز من رموز الوطن لان امثاله هم بمثابة حراس التاريخ وحقائقه والمحافظ على القيم والمبادئ والتي تساهم في رقي الشعوب ورفعتها وتضعهم على الطريق الصحيح لبلوغ الرقي والتطور الإنساني والحضاري. واننا اذ نؤمن بان الموت هو وجه اخر للحياة وان لكل انسان رسالة روحية يؤديها خلال سنين العمر الأرضية وهذه الرسالة ليست لها علاقة بالتحصيل العلمي او العملي فالإنسان الذي يحيا بلا رسالة سوف لن تكون قيمة لحياته وسوف يتمركز حول ذاته وينغلق ولا تكتمل الرسائل الروحية الا بالانتقال للأخر والاهتمام به.  هكذا نصف الاب البير بانه حباه الله بالكثير من الرسائل التي كان امينا وصادقا في نقلها وترجمتها لخير الانسان والإنسانية.

“رحل المؤرخ الجليل الاب البير ابونا ، المفكر الذي هو أكبر من أي تعريف ، ان ما خلفه هذا المثقف الكبير من عطاء ومؤلفات وابداع متواصل ،وغزارة العطاء الفكري رافقه طوال سنين حياته يضعه في مرتبة سامية لم يصل اليها الا القليلين .وقد منحتهم القدرة الإلهية قدرات ومواهب جعلته متميزا في العطاء والتضحية.

الاب البيرابونا تاريخ في رجـل  ظهر في التاريخ ولم يتوقف عنده لابل شارك في صياغته واضعا بصمته وشهادته. فقد كان له في كل ركن من اركان الثقافة بصمة وكان دائم الإنتاج وغزير العطاء وما توقف الا استعدادا للانطلاق  وما انكفأ إلّا تحفزا للوثوب. كانت تربطه علاقة ازلية مع القلم والحرف والكتابة كان صائغا ماهرا يتلاعب باللغة والاحرف كما يشاء لينتج حكم وعبارات وثقافة تجعلنا نتأمل فيها طويلا  ولنخرج بمحصلة قد تفوق وتتقدم على واقعها وزمانها  . فهو ذلك العالم الباحث الذي افنى عمره في البحث عن الدقائق والتفاصيل في حياة الانسان واسرار الوجود ليخرج لنا شذرات وثقافة تفرض احترامها على الجميع.

جميل ان نحتفي بكل ما خلفه لنا العلامة الاب البير ابونا بعد رحيله والاجمل هي تكريم الاحياء قبل الاموات ونعتقد ان ثقافة التكريم لازالت ثقافة ضبابية في مجتمعاتنا الشرقية ويقول الدكتور ساتيا سدير  في مجلة ذا هندو نحتفي سنويا في اليوم الثاني من شهر نوفبمبر من كل عام بيوم الارواح ويشترك الاحياء في تكريم موتاهم وزيارة مقابرهم ويقترح ايضا ان نهتم ونكرم الارواح الحية التي لازالت تعيش بيننا . دعوة للاهتمام بعلمائنا ومبدعينا وهم احياء قبل ان يودعوا عالمنا ومن ثم نتذكرهم ونتذكر منجزاتهم وما قدموه لخدمة الانسان في كل مكان ونقترح انشاء قاعة او شارع او نصب باسم الراحل الذي لن يرحل العلامة البير ابونا..

د.عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here