الانشغال بخرافة -حمد- تورية غير محمودة العواقب لمعاناة شعب ومأساة بلد !

الانشغال بخرافة-حمد- تورية غير محمودة العواقب لمعاناة شعب ومأساة بلد !

احمد الحاج

نشر أحد الاخوة الأفاضل “عبد الله العراقي ” صباح هذا اليوم بوستا محزنا على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ونصه الآتي : علـى الـخـاص أرسـلَ لـي يَـستَـفـتـيـنـي :
[ أنـا عـاجـز ( مُـقـعَـد ) ولا أستَـطيـعُ الـعَـمـل ، هَـل يَـجـوزُ لـي أن أسـرقَ بـمِـقـدارِ مـا أطـعـمُ بـهِ عـيـالـي ؟؟ ] .
لا أدري والله بـمَ أجـيـب ، لَـيـسَ جَـهـلاً ، ولـكـن ألـمـاً وحَـسـرةً عـلـى هـذه الأمّـة . رحـمـاك يـا ربّ . .انتهى نصه
الحقيقة وانا اتأمل في سؤال السائل ،وفي حسرة الناقل، وفي مقترحات الأصدقاء والاخوة الأفاضل ، تلمست في البوست بمجمله رسالة صارخة يتحتم ايصالها الى من يهمه الامر ” ويهمه الأمر تلك من وجهة نظري وفي قاموسي لاتعني المسؤولين والمهتمين والناشطين فحسب ، وانما تخاطب الجمهور بالدرجة الاساس كذلك ، هذا الجمهور المشغول بـ” حمد” حاليا كشماعة جديدة وبقالب تهكمي ساخر كعادته ليعلق عليها بخله ، انانيته ، جبنه ، خنوعه ، سكونه ، خوره ، انهزامه ، انكساره ،جموده ، طائفيته ، عبوديته بعد أن صار الاصلاح على وفق نظرته القاصرة خاصا ومخصوصا بالسياسيين وحدهم ومن دون المواطنين فإخترع كوميديا “حمد” كما اخترع اسلافنا حكايا البهلول ، وجحا ، واشعب ،وهبنقة ،بصرف النظر عن كونها شخصيات وقصص حقيقية ، أم من نسج الخيال الشعبوي الجمعي وقد اضحت فيما بعد فلكلورا ، ولكل أمة مهزومة ومأزومة على سطح الكوكب جحاها وبهلولها وأشعبها وهبنقتها وووووحمدها لتتسلى بمغامراتهم وطرائفهم وقصصهم في مجالس سمرها ، وبالمتخيل من حكاياتهم ، والوهمي من بطولاتهم ، والمخترع من زهدهم أو خوارقهم ، ذاك أن الأمم التي يتلاشى في صفوفها المكافحون والمثابرون والصادحون ممن لايخشون في الحق لومة لائم ، تعمد الى اختراع ابطال كسالى ، خاملين ، مكدين ، مزيفين ، ورقيين، وكوميديين يعيشون على الهامش عادة ما يرسل الحاكم المستبد – بحسب القصة المفبركة – في طلبهم ليعظوه موعظة داخل قصره لا اساس لها من الصحة ليبكي المستبد بعد سماعها ويذرف من الدموع -التمساحية القصصية- ما يبلل لحيته ويغرق قميصه لتبكي على وقع بكائه نفاقا أو تقية كل حاشيته وخدمه وحشمه بل وحتى جلاديه وعسسه – بحسب الحكايا التي ينسجها اعلاميو القصور – ليضحكوا بها على ذقون العوام ، المستبد الذي لم تبكه مأساة شعبه وبما يعلمه القاصي والداني طيلة عقود من تعسفه واستخفافه ..وما بكاء المستبد في – الخرافات القصرية – سوى محاولة خائبة عادة ما تنطلي على السذج لتلميع صورة ” المستبد ” في نظر المسحوقين والجياع والمحرومين والمظلومين والمخصيين والمهمشين ليكفوا عن هجائه والتحامل عليه قليلا ، وليسبحوا بحمده طويلا ، وهذا ما حدث ماضيا ، ويحدث حاضرا ، وسيحدث مستقبلا !!
وابدأ بالقول بأن أمة ﻻترعى جياعها ومرضاها ومهمشيها لن تُنصر ..لن تُرزق وﻻ خير مطلقا فيها !
قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “.
حكايتي مع ذوي الإحتياجات الخاصة بدأت عام 1991 عندما أبلغت أن رفيق الطفولة ” عامر ” اليتيم المصاب بإرتخاء العضلات منذ نعومة أظافره قد قضى جوعا في أحدى دور اﻷيتام بمحافظة نينوى بعد أن ولى المسؤولون عن الدار هربا من جراء القصف اﻷميركي الغاشم ليعثر على جثته ﻻحقا طافية وسط المياه التي أغرقت الملجأ يومها ، وما تزال وستظل تلكم اﻷبيات الحزينة التي تغنى بها الشاعر الشعبي الشاب المقعد على كرسي المشلولين حسن الشيخ هادي ، الذي أستشهد بتفجير ذي قار الارهابي عام 2017 ، ترن في أذني (من حضن أمي كُبَل للكرسي اجيت ..كبرنا واﻷيام تمشي وما مشيت !) وستظل إبتسامات إمرأة العام 2016 وأيقونة ذوي الإحتياجات الخاصة العراقية جنات الجميلي ،التي توفيت قبل أن ترى معرضها التشكيلي الشخصي الذي أقيم في العاصمة اليابانية طوكيو وحقق حضورا ﻻفتا تجدد حزنا ، تستدر دمعا، تنكأ جرحا غائرا لم يندمل بعد ، وكلما حقق منتخب البارالمبية العراقي أوسمة ملونة إعتاد على تحقيقها في جميع البطولات الدولية والعربية وبرغم الفرح الغامر بالفوز الكبير عاودت اﻷحزان ظهورها لتؤرق ليلي وتقض مضجعي ذاك أن بلدا كالعراق يخرج من حرب ليدخل في أخرى ليس فيه مصنع واحد للاطراف الصناعية وﻻ للكراسي المتحركة وﻻ وسائل لخدمة المكفوفين والصم والبكم ومرضى التوحد وضحايا متلازمة داون والمرضى النفسيين وشديدي العوق وضحايا التقزم والتشوهات الولادية وأعدادهم تفوق الـ 3 ملايين بمثابة كارثة الكوارث ، كل ذلك التقصير يحدث مع الإصرار على عدم تفعيل قانون رعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 والذي يعرف ذوي الاعاقة بأنهم ” كل من فقد القدرة كلياً أو جزئياً على المشاركة في حياة المجتمع أسوة باﻵخرين نتيجة إصابته بعاهة بدنية أو ذهنية أو حسية أدى الى قصور في أدائه الوظيفي” علما أن معاهد الرجاء المتخصصة برعاية المعاقين ذهنيا وعددها 17 معهدا في عموم العراق، ومعاهد الأمل المتخصصة برعاية الصم والبكم وعددها 22 معهدا، ومعاهد النور وعددها 5 معاهد لرعاية المكفوفين إضافة الى معهدي السعادة والمنار لرعاية الأطفال المعاقين حركيا، ومعهدي الحنان لرعاية الأطفال شديدي العوق، احدهما في بغداد والآخر في كربلاء ﻻتفي بمجملها بالغرض ولو بالحد اﻷدنى ﻷنه وكما يقول المثل العامي -الشك كبير والركعة صغيرة – !
هناك آفة إجتماعية خطيرة جدا يعاني منها المجتمع العراقي عموما إضافة الى كل ما ذكرت آنفا اﻻ وهي ظاهرة السخرية من المعاقين على إختلاف أنواعهم والإستخفاف بهم وإطلاق التسميات والتوصيفات الجارحة بحقهم ،ما يدفعهم الى ترك مقاعد الدراسة مبكرا ، والإنسحاب الى الداخل فضلا عن الإنكفاء على الذات ليتحولوا بمرور الوقت الى أشخاص إنطوائيين ، إنعزاليين ، غير منتجين تزداد أحوالهم سوءا كلما تقدمت بهم السن وإنفض من حولهم عنهم إما لوفاة أو سفر أو هجرة أو زواج أو نزوح ليتركوا في نهاية المطاف وحيدين لأقدارهم كما حدث مع ” عامر ” الذي أحيل الى دار اﻷيتام بعد وفاة أمه التي سبقها والده ، وألفت عناية كل من يسخر من ذوي الإحتياجات الخاصة أو يسكت على ذلك الصنيع المخزي الى ماقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ” وقوله صلى الله عليه وسلم ” كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طَمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ” كيف لا وهؤلاء الضعفاء وأمثالهم قد لقنوا البشرية عبر التأريخ دروسا في قوة الإرادة لاتلين، الألمان يفاخرون ببيتهوفن وسيمفونياته التسع التي ألف أروعها وهو أصم لا يسمع ، محمد بن سيرين المعروف بتأويل الرؤى وتفسير الأحلام كان مصابا بالصمم إلا انه بلغ من العلم ما دفع الشُعبي ليقول فيه (عليكم بذلك الأصم)، مصطفى الرافعي الملقب بمعجزة الأدب العربي كان أصما، العداء الأفريقي أوسكار بيستوريوس، كان مبتور القدمين ، السباح تيرينس باركين، الحاصل على الميدالية الفضية في دورة الألعاب الاولمبية 2000 لا يسمع منذ ولادته، الأمريكية، مارلا رانيان، فازت بـخمس ميداليات ذهبية في دورة ألعاب المعاقين ودورة أثينا 2004، وهي كفيفة ، النجم المصري إبراهيم حمدتو، الذي أذهل العالم بقدراته في منافسات دورة الألعاب البارالمبية 2016 في العاصمة البرازيلية وهو يلعب تنس الطاولة بفمه وقدمه، وقائمة المشاهير والعباقرة من ذوي الاحتياجات الخاصة من المبدعين والابطال طويلة وطويلة وطويلة جدا ، ولايفوتنا التعريج هاهنا على الرباع العراقي البارالمبي فارس سعدون، الذي حصد ميدالية برونزية ضمن منافسات بارالمبياد طوكيو ، والبطل البارالمبي جراح نصار ، الذي حصل على جائزة، محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي 2022 وهو بائع مكافح للخضار ، وأب لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة كذلك ، الا ان ذلك لم يحل بينه وبين طموحه بالحصول على العديد من الميداليات والاوسمة الرياضية في بطولات عربية واقليمية وآسيوية ودولية وآخرها وليس أخيرها حصوله على الميدالية الفضية برمي الثقل لقصار القامة في بارالمبياد طوكيو 2020!
ولعل إهتمامي بالسينما والدراما جعلني أشخص جانبا يذهل عنه الكثير اﻻ وهو أن معظم اﻷفلام العربية والعالمية التي تناولت نوعا من أنواع الإعاقة ” الذهنية ، الحركية ، الحسية، النفسية ” قد حصدت أرفع الجوائز وحظيت بشهرة طبقت اﻵفاق وحفرت في الذاكرة والذائقة عناوينها وأسماء أبطالها بأحرف من ذهب بدءا بفيلم ( أحدهم طار فوق عش الوقواق) الحاصل على خمس جوائز أوسكار والذي يتحدث عن مستشفى اﻷمراض العقلية ، مرورا بفيلم ( رجل المطر ) الحاصل على أربع جوائز أوسكار والذي يتحدث عن مرض التوحد ، فيلم ( أنا سام ) الذي رشح للاوسكار والذي يتناول قصة معاق ذهنيا ، فيلم ( فورست غامب ) الحاصل على 6 جوائز اوسكار ويناقش الاعاقة المركبة ” الذهنية – الحركية ” ، فيلم “عطر إمرأة” الحاصل على الاوسكار والذي يستعرض حياة رجل ضرير ، فيلم بنجامين الحاصل على ثلاث جوائز اوسكار من اصل 13 جائزة رشح لها ، مرورا بـ ” أيام الغضب ، اﻷخرس ، الخرساء ، الكيت كات ، توت توت ، قاهر الظلام ، أمير الظلام”. والقائمة طويلة جدا تؤشر بمجملها الى أن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة تثير حيثما حلت و إرتحلت داخل النفس البشرية ما يدفع للتعاطف فضلا على التفاعل معها سلبا أو إيجابا ، ويبقى الخيار متروكا للمجتمع وحكمائه في أساليب وآليات توجيه هذا التفاعل بالإتجاه الانساني الصحيح ، أوالشيطاني الخاطئ وقطعا أن أمة ﻻترعى ضعفاءها ومهمشيها لن تُنصر ، لن تُرزق، لن تفلح ، لن تنتج وﻻ خير مطلقا فيها ! وكم كنت اتمنى تخصيص مقعد نيابي ضمن الكوتا ثابتة لهذه الشريحة حصرا لتمثلهم وتدافع عنهم وترفع مظلوميتهم الى من يهمه الامر وتواصل الليل بالنهار لسن القوانين التي تكفل حقوقهم وترفع الظلم عنهم وتوفر فرص العيش الكريم لهم ولاسيما أن التقرير الأخير للمنظمة الدولية للهجرة افاد في وقت سابق ، بأن ” أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق – النفطي – ليس لديهم دخل يُذكر، أو ليس لديهم أي دخل على الإطلاق، ويكافحون للحصول على رعاية اجتماعية وأجهزة مساعدة، وأن فرصهم في الحصول على التعليم تمثل مشكلة كذلك”
وختاما :
ايها المتوارون خلف حمد، إن ضحككم المتواصل على مأساتكم ، الرقص الدائم على جراحاتكم، السخرية الدائبة من وأضاعكم، قد شجع ساستكم على مزيد من التنمر عليكم ، والاستخفاف بمطالبكم ، والاستهزاء بحقوقكم ، بما ضيعنا ، وضيعكم ، وأضاع البلد ….اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here