ساهر عريبي
أصدر حزب الدعوة الإسلامية البيان الختامي للمؤتمر الثامن عشر للحزب الذي عقد السبت 15 كانون الثاني في العاصمة العراقية بغداد, وأعاد فيه تجديد الثقة لأمينه العام نوري المالكي. وبحسب البيان فقد شكل الحزب 11 لجنة من أعضاء المؤتمر في مختلف المجالات, وقد انعكست مخرجاتها على البيان الختامي.
وفي قراءة أولية للبيان يلاحظ شموله للوضع الداخلي والإقليمي إلا أن ما يؤخذ عليه هو غياب رؤية الحزب للقضايا الدولية التي تتصدر المشهد اليوم. داخليا كانت اللافت في البيان هو الإشارة الخجولة إلى الفساد وهو أعظم آفة تعصف بالعراق منذ أن تولى الحزب حكم البلاد بعد السقوط, سواء بشكل مباشر عبر ثلاثة رؤساء وزراء من الحزب او من خلال الدولة العميقة التي أسسها الحزب وتغلغلت كالأخطبوط في مفاصل الدولة.
كما لوحظ في البيان دفاع الحزب المستميت عن المحاصصة السياسية بل وحتى تطويرها, وهو الذي طالما دعا سابقا إلى تشكيل حكومة أغلبية وحمل سياسة المحاصصة مسؤولية إخفاقاته, إذ أكد البيان على أن استقرار البلاد رهن“ في اطار حكومة تمثيلية واسعة تستوعب كل الراغبين بالمشاركة فيها“! فهو لايدعو فقط إلى المحاصصة التي تعني في مفهوم الحزب تقاسم المغانم الحكومية, بل الدعوة لإدخال كل الراغبين في الحكومة حتى وإن حصلوا على مقعدين في الانتخابات وعبر كوتا النساء!
أهاب المؤتمرون بحسب البيان بالقوى والأحزاب والتيارات الإسلامية العمل معاً ”لحفظ التوازن في الساحة السياسية، ودعم الاستقرار فيها، بعيداً عن الانفراد بالقرار السياسي واحتكاره، والذي يعد حالة غريبة على الواقع التعددي في ساحة المكون الأكبر“.
هنا يلعب الحزب على الوتر الطائفي ويصر على إشراك قوى الإطار الشيعي الذي يتزعمه في الحكومة المزمع تشكيلها تحت ذريعة تمثيل المكون الأكبر! يتناسى الحزب بأن المكون الكردي منقسم بين الإطار وبين التيار الصدري, والمكون السني كذلك, هو يلعب بهذه الورقة من أجل استمرار بقاءه في الحكم واستنزاف الموازنة من ناحية, ولمعالجة القلق الذي يعتري قادته من فتح ملفات حكمهم في حال ضعف نفوذه في السلطة من ناحية أخرى.
لا يرضى الحزب لعب دور المعارضة لأنه يعتقد بأنه الأجدر بقيادة الأمة! تكشف هذه التوجهات عن حالة الانفصام التي تعيشها قيادة الحزب وبعدها عن الواقع! يدس قادته رؤوسهم في التراب بدلا من مراجعة سيرتهم في الحكم التي طبعها الفساد والفشل والانتقاص من سيادة البلاد وباعتراف أمينه العام بفشله ودعوته للطبقة السياسية للتنحي! لكن سيرته لا توحي إلا بنزعة شديدة نحو السلطة!
لم يقدم الحزب الحلول لأزمات العراق من اجتماعية وسياسية واقتصادية وسيادية وغيرها, لكنه مارس سياسة الهروب نحو الأمام متحدثا عن الوضع في الدول العربية مثل ليبيا واليمن وتونس, وعن ملفات أخرى كالملف النووي وغيرها! فهذا الحزب العاجز عن إجراء مراجعة لسيرته في الحكومة والاعتراف بفشله وتقصيره ومحاسبة قادته الفاسدين, يتمترس خلف شعارات كبيرة للهروب من الواقع.
كان ما يؤخد على البيان أيضا غياب تصورات الحزب ورؤاه لما يحدث في العالم من توترات كان لابد للحزب من ان يدلي برأيه بها لأنه يطرح نفسه في أدبياته كقائد للأمة ولديه قيادة قطرية وأخرى إسلامية, فكان لابد لأعضاء المؤتمر العام أن يبحثوا في هذه التوترات وانعكاساتها على الأمة الإسلامية.
وأهم تلك التوترات هي تلك المتصاعدة بين روسيا والغرب, حيث الحشد الروسي على الحدود مع أوكرانيا الذي تتداخل فيه ملفات شتى من بينها أنبوب الغاز نوردستروم 2 الذي يمر عبر ألمانيا والذي يؤدي توقفه إلى أزمة طاقة في أوروبا وتأثير ذلك على أسعار النفط العالمية. كما أن اقتراب حلف الناتو من الحدود الروسية سيثير غضب الدب الروسي الذي يمتلك مخزونا هائلا من الصواريخ النووية.
كما أن المؤتمرين لم يناقشوا تداعيات التوتر الأميركي الصيني في بحر الصين الجنوبي, حيث تحشد الولايات المتحدة وحلفائها قوات عسكرية هناك للجم التمدد الصيني, في وقت زادت فيه بكين من ترسانتها النووية! لم يقدم الحزب رؤيته بشأن هذا الصراع وكيفية تخفيفه باعتباره من الداعمين للتحالف الاقتصادي مع الصين, ولم يبحث تأثيرات هذه التوترات على العلاقات الصينية العراقية.
وأخيرا وباعتبار أن الحزب يتخذ من مطار المثنى مقرا له, فقد أثار استغراب المراقبين غياب أي برنامج حزبي لغزو الفضاء مع تسارع السباق الغربي –الروسي –الصيني لغزو الفضاء بل والبحث عن حياة في كواكب أخرى, او توفير سبل الحياة في مناطق من الكون. فحزب الدعوة الذي يرفع شعار أسلمة الأمة الإسلامية وهداية البشرية, يفترض به أن يطرح خططه لكيفية الدعوة إلى الله في الفضاء وتعميم سيرته الفريدة في الحكم على الكواكب الأخرى قبل أن تسبقه المنظومة القيمية الغربية“ الكافرة“!
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط