الدكتور فاضل حسن شريف
القضاء في اللغة يعني أحكام الأمر وتنفيذه لهذا يسمى قاضيا لأنه يحكم وينفذ القانون. وأعلى درجات القضاء هو قضاء الله وقدره الذي تؤمن به المذاهب الاسلامية الاربعة مع المذهب الجعفري. اما في القرآن فقد ورد بافعاله وأسمائه نحو 60 مرة وأكثرها على صيغة فعل “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ” (الجمعة 10)، والفعل الماضي كما في قوله تعالى “فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ” (الأحقاف 29) ورد أكثر من الفعل المضارع “إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (الجاثية 17).
والقضاء والقدر عند المذاهب الاسلامية الخمسة كلمتان مترادفتان حين ان من معاني القضاء هو القدر (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) (الحديد 22)، و (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) (الواقعة 60). وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كتب الله مقادير الخلائق).
في آيات قرآنية كلمة القضاء او مشتقاتها لها أكثر من معنى وهي نفسها التي تعتمدها المذاهب الاسلامية الخمسة مثل العمل “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ” (الجمعة 10)، و “فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا” (طه 72) وتأتي بمعنى الامر، و “فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ” (سبأ 14)، و “فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ” (البقرة 200) وتأتي بمعنى انقضاء العبادة. والقضاء في الزمان “ثُمَّ قَضَى أَجَلًا” (الأنعام 2)، و “فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ” (القصص 29). والقضاء في القصد “فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا” (الأحزاب 37)، و “فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” (الأحزاب 23). والقضاء المطلق “وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ” (فصلت 45)، و “وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ” (مريم 39).
وقد جاءت كلمة قضاء بصيغ فعلية ثلاثة في الماضي “وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ” (البقرة 210)، و الحاضر او المضارع “إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (يونس 93)، و الامر “ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ” (يونس 71)، و “فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ” (طه 72). وفي اللغة هناك فعلا مبنيا للمجهول “ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى” (الأنعام 60) وآخر للمعلوم “وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (البقرة 117).
و النظام القضائي الاسلامي عند المذهب الجعفري و المذاهب الاربعة يعتمد على رد الحكم إلى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في قوله تعالى : “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ” (النساء 59) وهذا يتطلب العدل “وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء 58) ومنها إنزال القصاص بالجاني او تعويض الضحية “وَلَكُمْ فِى ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة 179). وكتاب الله تعالى هو الميزان العادل “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” (الحديد 25).
و هناك مفسرين يربطون القضاء والقدر باذن الله ومنه الإيمان والطاعة “وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” (يونس 100)، و “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْن للَّهِ” ( النساء 64)، و “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ” (البقرة 249)، و “وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” (البقرة 102)، و “إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” (المجادلة 10)، و “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (هود 6)، و “وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ” (محمد 19)، “وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولً” (الأنفال 42)، و “وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا” (الأحزاب 38).
ومن المفسرين من المذاهب الإسلامية الخمسة من يجعل الكتاب المبين حاو على القضاء والقدر او له علاقة بهما كما جاء في قوله تعالى “أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (الحج 70)، و “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (الأنعام 59)، و “وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (يونس 61)، و “وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (النمل 75)، و “عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (سبأ 3). فالكتاب والعلم بالغيب هي من مقادير الله تعالى وحده لا شريك له وتحت علمه. ومن علم الله ما يجري من مصائب كما قال سبحانه “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ” (الحديد 22-23)، و “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (التغابن 11). ومنها مصيبة الموت “وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا” (ال عمران 145).