وطني العراق!!

“كم مَنزلٍ في الأرض يألفه الفتى…وحنينه أبداً لأول منزل”

وطني فيض أنوارٍ وبهجة أنظارٍ ومنبع أفكارٍ , على ترابه مرت أجيال تنطلق من أجيال , وأحلام مولودة من أحلام , وآمالٍ تنشر في الأرجاء براعم الآمال.

فيه نخيل وأعناب ورمان وبرتقال ونارنج ومن الأزهار ألوان.

جباله عالية شامخة غنية بأسباب الحياة , وتتوشح بالثلج شتاءً وباللون الأخضر البراق ربيعا وصيفا , وتتغنى الأطيار على سفوحها , وتتباهى الغزلان بوجودها , ويسعى الإنسان في رياض الروعة والإمعان.

وطني وديانه خلابة , تعزف المياه في بطونها سمفونيات الحب والسماحة والجمال والبهاء البديع , فتصيخ السمع لأنغامها الشجية وأغنياتها , أحياؤها المترنمة بلذة البقاء.

وطني به صحارى نجالس فيها عروش السماء , ونتحبب إلى القمر والنجوم , ونسبح في زيت أنوارها , ونتعطر بأحلام رؤاها وجميل أفكارها ونجواها , حيث ينساب الهدوء وتترقرق الروعة وتطفح الخشية والقنوط الأعظم والإيمان المطلق بباعث الأكوان.

وطني يضم شواهد حضارات غيّرت خارطة المسيرة الإنسانية , ووضعت لها معالم الخطوات الصاعدة نحو سماء الإبداع , والتخلق المتميز الدافع نحو الأمجاد.

ففي وطني بدأ الإنسان مسيرة التحدي ورفع رايات البقاء والتواصل , وأورق في أعماقه الإيمان وتجسد الإصرار والقدرة على الإنطلاق إلى أبعد من دائرة المكان , فصار يرى ببصيرته وعقله المتطلع إلى أنوار ما بعد الذي يرى.

وطني الذي تعرَّف البشر في مرابعه على معايير الإنسانية ومبادئها وقيمها وأخلاقها وتطلعاتها , وأسس التعبير عنها والإنطلاق في دروبها , لكي تتحقق لوحة الحياة التي تحلم بروعتها أقطار السماء.

فكان الحرف والكلمة والقانون والدستور والنظام والفن والموسيقى والعلم , والعمارة والمعبد الباحث عن الله في مملكة الإبتداء الوجودي المجهولة.

وفي وطني تفاعلت السماء بقوة وقدرات خارقة لتأكيد إرادتها في الأرض , حيث تم إختياره ليكون المنطلق المنير , والباعث المشعشع الأمين , الذي يعكس أنوار الأكوان العلوية في سوح الأرض الكروية , لتتجسد عمارة الأفكار والرؤى الجوهرية , لقدرات الخلق المطلق العظيم التي أكدتها إرادة “كن”.

وطني , مستودع المحبة والألفة والرحمة , والتمازج الحي ما بين موجودات التراب وآفاق النفوس والأرواح , والأفكار والتطلعات المتنوعة الزاهية اللامحدودة.

ففي بودقته , كانت الذوات الفائقة تتحول إلى سائل يمتزج مع كل ذات أخرى , لصناعة سبيكة الوجود الإنساني الحضاري المتين , القادر على وضع أسس صيرورات للآتيات الكبار.

وطني الموجودات المتحركة فيه تتعشق في بعضها , لتبني جميعها المتماسك , وكلها المتناسق الذي يتحرك على إيقاع القوة والنماء والإرتقاء , والإبداع المتوافق مع إرادة قوة الخلق والإبتكار والإيجاد الأصيل.

وطني تترعرع فيه براعم الأحلام وبذور الأماني , وتنمو فيه أشجار المنطلقات الإنسانية النبيلة السامية , المسافرة مع أمواج تيارات الوجود الكوني , الطافحة بقدرات التحدي والتغيير وتحقيق تأثير القوة في المواضع التي تكون فيها , لتعلن عن صوت الحياة وعقيدتها الإبداعية الأبدية المطلقة.

وطني , وطن ثقافة وفن وعمارة , وحضارة وتأريخ وأديان ولغات , وأجناس وعقائد وأفكار , وطن القلم والشعر والقصة والرواية والمسرحية والإضافات الثقافية الثرية , التي توجتها ملحمة جلجامش قبل أن تعرف البشرية معنى الإبداع والإنطلاقات الأدبية والفكرية والعلمية والإنشائية , فكان العراقي أول من واجه المصير وحاول أن يسأل ويبحث عن الجواب , ويستحضر النظام الكوني اللازم لتوفير الفهم المعقول للوجود.

وطن القوة والرموز , التي رفعت رايات الأمجاد , وأثْرَت مسيرات الأجيال.

هذا الوطن يبقى , ويبقى ويكون تاج الأرض وفخرها , وعنوان حقيقتها ولسان حالها في أرجاء السماء.

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close