لمصلحة من الوقوف الى جانب المجرم بلير ؟

لمصلحة من الوقوف الى جانب المجرم بلير ؟
د.كاظم المقدادي

نشرت ” Sky News عربية “، ونقلته عنها مواقع عراقية، مقالآ للكاتب العراقي د. حميد الكفائي بعنوان:”المحتجون على ” فروسية” توني بلير”، عبر فيه بكل وضوح عن وقوفه وبقوة الى جانب ” تكريم” رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بوسام “الفروسية” من قبل ملكة بريطانيا، مسهباً في تعداد ” إنجازاته ” خلال فترة حكمه التي دامت 10 سنوات، متجاهلآ ان بلير هو أكثر سياسي بريطاني مكروه، وذلك لكذبه الصلف على شعبه وتضليله للرأي العام بشأن توريط بلده في غزو العراق وإحتلاله.وهذا ما أكده وزير دفاعه جيف هون ، مُعلناً : ” تم تضليل الوزراء والبرلمان والجمهور من قبل بلير لدعم حرب اعتبرها الكثيرون غير قانونية وجريمة”..

لم يسم د. الكفائي حرب عام 2003 حرب غزو العراق وإحتلاله، ولم تجد في مقاله ولو سطر واحد فيه إدانة للغزاة والمحتلين وللجرائم النكراء التي إقترفوها ولما سببوه من وكوارث وفواجع واَلام للمدنيين الأبرياء من أبناء وبنات شعبه العراقي خلال الحرب ومن بعدها بعدة سنوات..لا بل بالعكس، إعتبر الكفائي ان “التدخل الدولي(أي غزو واحتلال العراق) جاء متأخرا جدا”، والتبرير: ” لأن الدمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي قد حل بالعراق حينها، وكان بحاجة إلى علاج من نوع آخر”.. وبذلك كشف الكاتب بنفسه بأنه من أنصار الحرب وغزو العراق، الذين برروا موقفهم المشين هذا بذريعة الخلاص من النظام الدكتاتوري الصدامي..

لقد أسهب الكفائي في التعريف بالذين حصلوا على تكريم الملكة أليزابث الثانية، ودافع دفاعاً مستميتاً عن تكريم بلير بوسام الفروسية.. لكنة تجاهل أن يذكر ان بلير هو الوحيد في تأريخ بريطانيا الذي تأخر تكريمه عقب مغادرته لمنصبه طيلة 15 عاماً كاملة، ولم يحتج أي بريطاني حتى من أقرب أقرباءه على عدم تكريمة ولو تشريفياً- كما جرت العادة، بل بالعكس، أعتبر الكثير من البريطانيين ان عدم تكريمه طيلة الفترة المنصرمة هو بمثابة عقوبة له على سياساته الرعناء التي أساءت الى مكانة المملكة المتحدة وجعلتها ” ذيلاً” للإدارة الأمريكية.، وحتى إعتبروه وشريكه الأول جورج بوش الأبن مجرمي حرب، وطالبوا بمحاكمتهما لينالا القصاص العادل، مستغربين تكريمه في هذا الوقت بالذات..

من الإتهامات التي وجهها الكفائي للمعترضين والمحتجين على تكريم بلير:” يساريون متشددون، وعرب وإسلاميون، جمعهم حلف غير مقدس في قضية لا يمكن وصفها إلا بالعبثية”.وان ” المحتجين على تكريم بلير من العرب والإسلاميين معظمهم إنتفع من سياساته”. و”هم إما أنهم يجهلون الأسباب التي دفعت العالم الى شن حربين على العراق خلال 12 عاما، أو أنهم يعيشون في عالم منفصل عن العالم الحقيقي”(كذا !!!)..

الكفائي نفسه أقر بان تكريم بلير المتأخر جداً ” لم يمر بهدوء، إذ وقّع آلاف المعترضين عريضة تطالب بإلغائه”. وهنا تجاهل بكلمة ” اَلاف” العدد مليون و300 ألف بريطاني وقعوا على العريضة خلال إسبوع واحد. ومن بين أبرز المعترضين هن امهات الجنود الضحايا الذين قتلوا في حربي العراق وافغانستان. وقالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أنّ العديد من النساء من ذوي الضحايا هدّدن بإعادة نياشين” إليزابيت كروسز” التي أعطيت لأسر العسكريين الثكلى، احتجاجًا على تكريم بلير،الذي كان السبب في مقتل ابنائهن..

فهل يا تُرى ان جميع هؤلاء من الرجال والنساء هم ” يساريون متشددون” و”عرب وإسلاميون”، جمعهم حلف غير مقدس في قضية عبثية ؟!!.. وإذا صحت تهمة الإنتفاع، فلماذا لم يكشف الكاتب النقاب عن طبيعته ومن هم المنتفعون( بالأسماء) من سياسات بلير ؟!!.. وإلا، فبأي حق ووفق يا قانون توجيه الأتهامات الباطلة ؟

وحبذا لو تكرم الكاتب وأوضح: لمن يخدم حكمه على الحركة الشعبية البريطانية المناهضة لتكريم متهم بجرائم حرب بـ “العبثية ” ؟..

ويذكر ان الكفائي إعتبر العالم برمته من شن حربي 1991 و 2003 على العراق ، وليس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحليفاتهما.. لماذا ؟..العالم يضم أكثر من 190 دولة.. فهل جميعها شاركت بالحربين على العراق ؟.. أم هو لتبرير الموقف المناصر للحرب ؟

وضمن هذا المنهج، أسهب الكفائي في تفاصيل اَثار حرب عام 1991 على العراق، وحسناً فعل، لكنه لماذا لم يذكر ولو بسطر واحد اَثار الغزو والأحتلال في عام 2003 ؟.. أ لأن أحد المسؤولين عن الحرب الثانية هو بلير ؟

وقال الكفائي: ” مشكلة توني بلير هي في الجناح اليساري المتشدد في حزب العمال، الذي كان يتزعمه إلى عهد قريب، اليساري المتشدد جرمي كوربن. وهذا الجناح يعادي المعتدلين داخل الحزب أكثر من اليمينيين خارجه، وهو الذي يشن الحملة على توني بلير منذ انتخابه زعيما للحزب عام 1994، وينتهز أي فرصة للانقضاض عليه “..

هذا الكلام يجافي الحقيقة بشأن الحرب.. فعلى أثر الإتهامات الكثيرة والإنتقادات الحادة التي وجهت لحكومة بلير لدورها في غزو العراق وإحتلاله دون غطاء شرعي دولي، وللتبريرات الواهية والمضللة لبرير بالذات، صدر أمر بالتحقيق بدور المملكة المتحدة في الحرب على العراق.. الأمر لم يصدر بضغط من الجناح اليساري المتشدد في حزب العمال بزعامة جرمي كوربن، وإنما أصدره رئيس الوزراء الأسبق غوردون براون، بتاريخ 15/6/2009 ، وإختار بنفسه رئيس لجنة للتحقيق وأعضاءها، وسميت ” لجنة تشيلكوت” تيمناً بإسم رئيسها جون تشيلكوت..

وبشأن الإتهامات الموجهة لبلير قال الكفائي: ” المحتجون على تكريم توني بلير لديهم سبب واحد فقط، وهو أنه اشترك في حرب العراق”.وبشأن لجنة تشيلكوت قال:” عندما أحيل ملف حرب العراق إلى التحقيق عام 2009 تحت إشراف المحقق المتمرس جون تشيلكوت، فإنه أشكل على بلير قوله في رسالة خاصة إلى الرئيس جورج بوش (سنكون معك في كل الأحوال)، فهذا القول جعل موقف بريطانيا يبدو تابعا للقرار الأمريكي “.

بهذه السطور الأربعة كأنما أراد د.الكفائي، وهو الأكاديمي الذي لا يعيش في عالم منفصل عن العالم الحقيقي، تلخيص نتائج لجنة تشيلكوت، متجاهلآ ما أنجزته من عمل كبيرا، قابلت خلاله أكثر من 150 من الشهود، من الشخصيات السياسية والعسكرية ومن أجهزة الاستخبارات البريطانية. وقامت بتحليل نحو 150 ألف من الوثائق الحكومية. فصدر تقريرها بـ 12 مجلداً، مجموع صفحاته 6 اَلاف، مؤلفة من 2,6 مليون كلمة، مع مرفقات بـ 1500 وثيقة..

ورغم المؤاَخذات الكثيرة على اللجنة وعملها،والإنتقادات الحادة الواسعة التي وجهت لتقريرها لتجاهله كم هائل من الحقائق والوقائع والأدلة التي قدمتها منظمات بريطانية متخصصة عن اَثار الغزو والإحتلال، إلا ان اللجنة خرجت باستنتاجات مهمة بشأن مشاركة المملكة المتحدة في غزو العراق،معلنة بان الحرب في عام 2003 لم تكن ضرورية، ومبرراتها ليست مقنعة، فلم يشكل العراق وقتها خطراً على المصالح البريطانية، ولم تثبت مزاعم إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل. وأوحى تقريرها بعدم شرعية الحرب، وتجاوزت الحكومة البريطانية ما تنص عليه الأمم المتحدة للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، رغم إدعائها بأنها “تحركت نيابة عن المجتمع الدولي”، بينما لم يتحدث المحامي العام في وقت بلير اللورد غولد سميث عن وجود أساس شرعي للحرب ضد العراق.ولم يفوض مجلس الأمن، في وقتها، أي دولة لشن الحرب على العراق.

ولخصت صحيفة “الغارديان” محصلة التقرير بـ:” دولة دمرت (إشارة الى العراق) وثقة تهدمت( إشارة الى ريطانيا) وسمعة تحطمت (إشارة الى بلير)..

من الإنتقادات التي وجهت لتقرير اللجنة تجاهله لإستخدام القوات البريطانية والأمريكية للأسلحة المشعة المصنعة من النفايات النووية للمرة الثانية في الحرب على العراق، وما خلفته من كوارث صحية وبيئية وإجتماعية خطيرة. فإضافة الى اَلاف القتلى من العسكريين والمدنيين، أصيب أكثر من مليون عراقي وعراقية بأمراض السرطان، وحصلت مئات الآف وفيات حديثي الولادة والتشوهات الولادية والعقم وغيرها من الحالات المرضية غير القابلة للعلاج..ولم يتم تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب..

وقد كشفت لويز كيتيل ان الحكومة البريطانية كانت قد ظللت بشأن المصابين والمتوفين من المدنيين ضحايا أسلحتها، فلم تسجل أعدادهم الحقيقية- بناء على رغبة بلير بتقليص العدد، ضاربة عرض الحائط بتقارير الطواقم الطبية العاملة في العراق والبلقان المنبهة لإرتفاع معدلات السرطان والتشوهات الخلقية، والرابطة لها باستخدام أسلحة اليورانيوم- وفقاً لاَنيكا كيللي.

وأقر تقرير تشيلكوت ضمنياً بأن ضحية الحرب في المقام الأول هو العراق، لكنه لم يوليه إهتماماً مطلوباً إسوة بالمسائل الوطنية البريطانية ذات العلاقة. حيال هذا نظمت MedAct org إحتجاجاً جماهيرياً على تقرير تشيلكوت، معتبرة ان التحقيق لم يكن جدياً، حيث لم يهتم بضحية الحرب الأساسية- الشعب العراقي، وقد أهملت لجنة تشيلكوت تقرير MedAct org المفعم بمعطيات موثقة عن محنة الضحايا المدنيين الناجمة عن الغزو والأسلحة التي إستخدمتها القوات البريطانيى والأمريكية…

وبينما أعطت اللجنة الحق لعوائل الضحايا البريطانيين، من قتلى وجرحى ومعوقين،ممن شاركوا بالحرب، المطالبة بتعويضات، أنكرته على نظرائهم من العراقيين،مستهينة بجسامة الكارثة الصحية التي سببتها الذخائر المشعة، والتي لخصتها العالمة الأمريكية لورين مورين:” أن المستقبل الجينى للعراقيين على وجه التحديد قد تم تدميره”..

واكتفى رئيس اللجنة بالقول في مؤتمر صحفي عقده يوم نشر التقرير:” تسبب الغزو وحالة عدم الاستقرار التي أعقبته بمقتل ما لا يقل عن 150 ألف عراقي وربما أكثر بكثير, معظمهم من المدنيين، ونزح أكثر من مليون شخص عن العراق.وتكبد الشعب العراقي معاناة كبيرة “..

ولم توص لجنته لا بتعويضات للشعب العراقي، ولا حتى باعتذار يقدم له، وهو ما انتقده كارني روس- مؤسس منظمة «دبلوماسيون مستقلون».. وأدانه الباحث في الفكر الإستراتيجي بجامعة باريس نبيل نايلي بقوله: ضاقت 2,6 مليون كلمة ولو بجملة يتيمة تعيد إلى ضحايا حرب همجية غير قانونية بعض الاعتبار..

ونختم بما نشرته قبل أيام صحيفة ” دايلي ميل” من مقتطفات من كتاب وزير الدفاع في حكومة بلير جيف هون ، الذي جاء فيه إن “رئاسة الوزراء أمرته بحرق مذكرة سرية تقول إن غزو العراق عام 2003 قد يكون غير قانوني”، وعندما ظهر هذا الادعاء في عام 2015، قال بلير عنه إنه “هراء”. لكن هون، الذي كان مسؤولا عن الدفاع حين بدأت الحرب على العراق، أصر على أن الإدعاء المذكور كان صحيحاً. وقدم رواية مثيرة عن التستر من قبل ” مكتب رقم 10″.وأوضح هون أن “سكرتيره الرئيسي الخاص أخبر بعبارات لا لبس فيها من قبل جوناثان باول، رئيس أركان بلير، أنه ” بعد قراءة الوثيقة يجب أن يحرقها “، مشيرا إلى أن “الماندرين التابع لوزارة الدفاع انزعج بشدة من الأمر،وتحدوا رئاسة الوزراء عبر قفل المذكرة في خزنة بدلا من ذلك “.

وأشار هون إلى أن بلير ” أقاله، وتفادى الخطر، هرباً من اللوم في الحرب ” وأكد بأنه “تم تضليل الوزراء والبرلمان والجمهور من قبل بلير لدعم حرب اعتبرها الكثيرون غير قانونية وجريمة”..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here