الابتزاز الالكتروني منبع الانحلال الخلقي والنكوص السياسي وأخطر دوافع الانتحار !!

احمد الحاج
“بسنت خالد شلبي “اسم سيظل محفورا في الذاكرة العربية لعقود مقبلة بعد ان اقدمت الفتاة القاصر المظلومة على الانتحار تاركة خلفها رسالة مؤلمة لكل من حولها بعيد ابتزازها الكترونيا من قبل شابين من أهالي قريتها وفبركة صور إباحية لها بتقنية الفوتوشوب هي براء منها براءة الذئب من دم يوسف،وذلك لدفعها للخضوع الى نزواتهما الشيطانية !
عراقيا لايمر يوم الا ويقبض فيه على العديد من المبتزين الشباب ، وآخرها وليس أخيرها تمكن مفارز مكتب مكافحة أجرام المنصور من القبض على أحد المتهمين بقضايا الإبتزاز الالكتروني بعد بلاغ تقدمت به مواطنة أثر تهديدها بنشر صور ومقاطع فيديو تخص ابنتها على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم تدفع له مبلغا من المال قدره (850) دولارا أمريكيا”.
وحسنا فعل الأزهر حين أصدر بيانا شديد اللهجة للتحذير من ظاهرة الابتزاز الالكتروني احدى افرازات ثورة المعلوماتية ومن جملة ماجاء في البيان ،إن “مراعاة مشاعر الناس، وحفظ سمعتهم في مجتمعاتهم من الحقوق التي كفلها الإسلام لهم، وتوعد من انتهكها بسوء العاقبة وعظيم الجزاء، وأن تصنيف واتهام الناس بالباطل والكذب يندرج ضمن المعاصي الكبرى، والجرائم الدينية التي لا تنحصر أضرارها على مستوى الأفراد والمجتمعات فقط بل تدلُّ على خبث من اتصفوا بها” .
ولاشك ان العراق يعاني اليوم من آفة الإبتزاز التي مزقت النسيج المجتمعي وأصابت السلم اﻷهلي بمقتل ،ويُعرف الابتزاز على أنه التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة بهدف الحصول على ربح غير شرعي له أو لغيره والضغط لتوقيع محررات لنفس الغرض ، وقد أسهمت الثورة المعلوماتية وتحول العالم الى قرية صغيرة بفعل وسائل الإتصال الحديثة والاجهزة الذكية وإستشراء مواقع التواصل الاجتماعي على انتشاره كالنار في الهشيم بما يعرف بـ” الابتزاز الالكتروني ” واغلب ضحاياه من النساء حتى إن المحاكم لتغص اليوم بمئات الملفات والقضايا التي تتعلق بهذه الكارثة التي لم يكن لمجتمعاتنا المحافظة معرفة بها ولو بالحد اﻷدنى الى قبل عقد ونيف من الزمن ما تسبب باﻵف حالات الطلاق والتفكك اﻷسري والخيانات الزوجية وإنعدام الثقة وقطيعة اﻷرحام ، بل والقتل والإنتحار والنزاعات العشائرية ايضا ، الامر الذي إستدعى تنظيم عشرات المؤتمرات والندوات وورش العمل لبيان خطر الابتزاز الالكتروني و إستعراض الطرق المثلى للوقاية منه وسبل الحد من مخاطره المرعبة !
مشكلة الابتزاز في العراق ان فضاءاته مفتوحة ولم يعد قاصرا على ابتزاز الفتيات فحسب بل تعداه الى ابتزاز السياسيين بعضهم بعضا والابتزاز الشائن الذي تمارسه اﻷحزب والكتل والتيارات المتنفذة سرا وجهرا كوسيلة ضغط للحصول على المناصب التي تطمع بها انطلاقا من ميكافليتها التي أرضعتها صناعيا وطبيعيا ، وكذلك الابتزاز الفضائي الذي تمارسه القنوات المملوكة لسياسيين من المال الحرام وعادة ما تلجأ تلكم القنوات من خلال نشراتها الاخبارية و برامجها الحوارية – التوك شو – الى استضافة سياسيين يلوحون بفضح ملفات فساد معينة ضد جهات مناوئة من دون الاستغراق بتفاصيلها وﻻ الكشف عن أسماء المتورطين بها ليتم الاتصال بعيد البرنامج بإدارات تلك القنوات لتسوية القضايا العالقة بعيدا عن الضوضاء مقابل وعد بمناصب أو عقد صفقات مشبوهة أو التكتم على ملفات فساد مشابهة يمتلكها الطرف اﻵخر ضدهم لتظل طي الكتمان لطالما احتفظ الطرف اﻷول بسكوته وبناء عليه فأنا لا أثق كثيرا بتلك البرامج التي تزعم كشف الحقائق للناس مع انها لاتكشف الحقيقة بقدر الإبتزاز والتعتيم عليها واقعا ما يفسر لنا أسباب تقلب مقدميها وانقلابهم على المستضافين خلالها بين مدح وقدح بين فينة وأخرى فمن يتابعهم يعلم يقينا حجم نفاقهم وتقلباتهم وتغيير جلودهم بين حوار وحوار حتى أن عدو اﻷمس وفاسده الخائن العميل على حد وصف الحلقات السابقة لذات البرنامج يصبح ولي اليوم الحميم ونزيهه الوطني الشريف بقدرة قادر ..وﻻيفوتني التذكير بالابتزاز الدولي والاقليمي بحق العراق وشعبه الصابر فأميركا تبتزنا منذ عام 1990 وتفرض علينا شروطا تعجيزية لتنفيذ اجندتها واﻻ فالحصار والدمار والمقاطعة قائمة لحين الامتثال لإبتزازها المستمر لافرق في ذلك بين رؤساها الجمهوريين والديمقراطيين ، ولن ننسى ابتزازات دول الجوار الاقليمي المتواصلة منذ 29 عاما لتحقيق مآربها وفرض اراداتها على المشهد العراقي برمته ، فهذا يبتزنا بقطع المياه ، وذاك بالكهرباء ، وآخر بالديون ، ورابع بترسيم الحدود ، وخامس بالابار النفطية المشتركة وهكذا دواليك !
المشرع العراقي تعامل مع جرائم الابتزاز ضمن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 وادرجها ضمن جرائم التشهير”، أما جريمة الاختلاس المخلة بالشرف فهذه تشكل مع التزوير والرشوة والابتزاز والتهديد بالتشهير وتشويه السمعة أكبر بوابة لسرقة المال العام والخاص والعبث به والاستيلاء على عقارات الدولة وممتلكاتها وتحويل ملكيتها في العراق ويعاقب عليه بحسب المواد (315-320) من قانون العقوبات (111) لسنة 1969 اذ نص القانون على عقوبة الاختلاس بـ “يعاقب بالسجن كل موظف او مكلف بخدمة عامة اختلس او اخفى مالا أو متاعا أو ورقه مثبته لحق أو غير ذلك مما وجد في حيازته”.
ولشحذ الذاكرة بشأن الابتزاز السياسي لمنعه والحيلولة من دون تكراره حسبي أن اتناول جانبا من الفظائع التي تسبب بها على مر التأريخ المعاصر واستهلها بـعبارة “سيكون شعبي فخورا بي بالتأكيد” التي أطلقها الرئيس الاندونيسي الاسبق احمد سوكارنو المغرم بالنساء والضعيف أمامهن مدوية حين حاولت المخابرات الروسية إبتزازه بصور فاضحة سجلتها له خلسة في موسكو ، تماما كتلك التي صورت له في القاهرة بكاميرات سرية لطالما نصبها رئيس المخابرات العامة المصرية سيء الصيت والسمعة ” صلاح نصر ” للايقاع بضحاياه ، نصر الذي جند 100 فتاة بينهن ممثلات شهيرات أبرزهن سعاد حسني ، لتصوير كبار المسؤولين والسياسيين المصريين والعرب بأوضاع مخلة ومذلة لضمان السيطرة عليهم وابتزازهم ، نصر الذي نجح بإغواء المشير عبد الحكيم عامر بالزواج العرفي من ممثلة الاغراء ،برلنتي عبد الحميد لإبتزازه والسيطرة عليه وهما أحد أسباب هزيمة حزيران عام 1967 أمام الكيان الصهيوني المسخ وضياع القدس والضفة الغربية وسيناء والجولان بستة أيام فقط لاغير ليدخل الاعور الدجال موشي دايان ويقف عند حائط البراق – حائط المبكى عندهم – منتشيا بالنصر الذي صنع بفروج الغانيات والمطربات والراقصات ودواعر ضباط اﻷمن و المخابرات العرب آنذاك الغارقين بالجنس والخمر والمخدرات ما أسفر عن ضياع اﻷوطان والمقدسات حتى كتابة السطور ، المبتزون الوضيعون الساديون هؤلاء على شاكلة صلاح نصر المصري وناظم كزار العراقي ورفعت الاسد السوري ، كانوا يتنمرون على أبناء جلدتهم ويذيقونهم سوء العذاب ويتبخترون أمامهم ، فيما كانوا يخطبون ود أعدائهم ويتبخرون ويتضاءلون حيالهم تماما كما قال الشاعر في أمثالهم قديما :
أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
وقد تناولت الافلام العربية – جرائم نصر – كما تناولت الابتزاز المختلط بالجنس لخطورتها حتى قبل دخول الهواتف الذكية بسنين طويلة وأشهرها فيلم ” ابتزاز ” 1999 بطولة جميل راتب الذي ناقش أربع قضايا كل واحدة منها أشنع من اﻷخرى وكلها موجودة بين أظهرنا حاليا “الجشع ، الاغواء ، القتل العمد والإيهام على انه انتحار ، الابتزاز ” .
وخلاصة أسباب النجاة من كل ذلك الهرج والعبث الذي أحاط بنا إحاطة السوار بالمعصم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا) فأين نحن من كل تلكم التعاليم السامية والمثل النبيلة التي اوصى بها النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم وحيا من الشارع الحكيم ؟ وفي حديث شريف آخر قال الحبيب الطبيب صلى الله عليه وسلم ” سيصيب أمَّتي داء الأمم” ، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحن في الدُّنيا، والتَّباغض، والتَّحاسد حتى يكون البغي ثمَّ الهرج” ، وبناء على ما تقدم لابد من التعامل مع جريمتي الاختلاس والابتزاز بشدة بعيدا عن العصبيات والانحياز لهذا الطرف او ذاك فالكل ومن المفترض أنهم أمام القانون سواء ، مع تشديد العقوبات بحق المتورطين مهما كانت مراتبهم وانتماءاتهم وعلى النساء الحذر كل الحذر من نشر صورهن الشخصية ويومياتهن على مواقع التواصل أو الاحتفاظ بها في الهواتف الذكية المعرضة للقرصنة عبر الهاكرز والكراكرز كتعرضها للسرقة والاعطال المفاجئة المؤدية الى تسريب المعلومات المفضية الى الابتزاز ، والحذر من التحدث مع الغرباء والثقة بهم وتبادل الرسائل والصور الشخصية ومقاطع الفيديو الخاصة معهم والتساهل في ذلك والتكاسل في تغيير الباسوورد وتفعيل أمان الملفات الشخصية بين حين واخر فكلها اسباب اسفرت عن انتشار ظاهرة الابتزاز الالكتروني وغرق المحاكم بطوفان من الشكاوى والدعاوى المتعلقة بها ، إنها إضاءة على الذين إختلسوا الشمس – بغداد – وإبتزوها وخلف سحب الدخان اﻷسود في ليل حالك الظلمات حجبوها ثم تحت التراب واروها وما أكرموها ، ولا لاسبيل لإنقاذ الأمة الا بإحياء الفضائل وكبح جماح الرذائل .اودعناكم اغاتي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here