المشتركات بين المذهب الجعفري والمذاهب الاربعة في القرآن الكريم (ح 11) (الايمان بالقضاء والقدر 2)

الدكتور فاضل حسن شريف
و في القرآن للقضاء معاني عدة عند المذهب الجعفري والمذاهب الاربعة منها معنى  الأمر  “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” (الإسراء 23). ومعنى الخبر والإعلام “وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ” (الحجر 66)، و “وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ” (الإسراء 4). والموت “وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ” (الزخرف 77)، و “فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ” (القصص 15). ومعنى الفصل “وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ” (مريم 39)، و “فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (يونس 47).
يطلق القدر في القرآن الكريم على معاني مختلفة كما جاء في المذاهب الخمسة منها التضييق (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) (سورة الفجر 16). و التعظيم (وما قدروا الله حق قدره) (سورة الأنعام 91). التدبر (فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين) (المرسلات 23). و تحديد المقدار او الزمان أو المكان (وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمين) (سبأ 18). والإرادة: قال تعالى (وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) (القمر 12). و القضاء والأحكام (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) (الواقعة 60). و الصنع بمقادير معينة (قوارير من فضة قدروها تقديرا) (الانسان 16).
والحاكم القاضي مسؤول مسؤولية شخصية عن القضاء “وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ” (المائدة 49). قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم (مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ)، و قال (إِنَّ اللَّهَ مَعَ القَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ). وفي الحديث القدسي (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا). وعلى الحاكم القاضي ان لا يتحاكم الى الطاغوت “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا” (النساء 60).
ولا يتصور الإنسان ان القضاء والقدر يعني ترك الأمر بدون معالجة حيث لكل سبب مسبب كما جاء عند المذاهب الاربعة والمذهب الجعفري، كون الله سبحانه طلب من عبده ان يتفكر ويستخدم عقله، فالمريض مثلا عليه ان يذهب لمن يعالجه. فقد سأل كعب بن مالك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرأيت دواء يتداوى به هل يرد قدر الله؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم ياكعب: بل هو من قدر الله. وهكذا على الطالب الدراسة، والجندي يتطلب ان يزود نفسه بالقوة.  فالإنسان حر في عمله والحصاد هو نتيجة العمل “فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا” (النبأ 39)، و “إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا” (الفرقان 57)، و “اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (فصلت 40)، و “وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ” (التوبة 105).  العقل هو قضاء الله وقدره منحه للإنسان للتفكر والتدبر. ذكرت عشرات الآيات التي تؤكد على استخدام العقل “أَفَلَا تَعْقِلُونَ” (البقرة 44) (البقرة 76) (ال عمران 65) (الأنعام 32) (الأعراف 169) (يونس 16) (هود 51) (يوسف 109) (الانبياء 10) (الانبياء 67) (المؤمنون 80) (القصص 60) (يس 68). فعندما ينتشر الجهل وعدم التفكر في أقوام فإن معظم الناس لا تستخدم العقول مثل “وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” (البقرة 164) حيث ايات او براهين علمية لا يستخدمون عقولهم للتفكر بها ومنها أيضا ما ورد في (الرعد 4)، و (النحل 12)، و (الروم 28)، و (الجاثية 5).
والقضاء الصادر من اللّٰه تعالى كما في قوله سبحانه “سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (مريم 35)، و “وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ” (غافر 20)، و “فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (يونس 47)، و “فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ” (غافر 78)، و “وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا” (الأنفال 42). و قضاء وامر وقدر الله نافذ “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس 82)، و “يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النور 45)، و “اإِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ” (الحج 14).
القضاء والقدر عند المذاهب الاسلامية الاربعة والمذهب الجعفري  وهو تحديد كل شئ في علمه سبحانه الأزلي قبل إيجاده، فهو تعالى يعلم كل شئ ومقداره. والمراد من القضاء هو علمه سبحانه بضرورة وجود الأشياء و إبرامها عند تحقق جميع ما يتوقّف عليه وجودها من الأسباب والشرائط ورفع الموانع. فعلمه السابق بحدود الأشياء و وجودها هو قدر وقضاء كما قال سبحانه “وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا” (ال عمران 145). وقال أيضاً “قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” (التوبة 51). وقال سبحانه “وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِى كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (فاطر 27). وقال تعالى “ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها” (الحديد 22).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here