حزب الله يوقظ “عملاء السفارات”

حازم الأمين  

 سيخوض حزب الله الانتخابات النيابية اللبنانية، إذا ما سمح بإجرائها، من دون خصوم مذهبيين. الجماعات السنية لم تلتئم على خطاب ضده، والمسيحيون ممن يستعدون لمواجهته انتخابياً ستلحق التعبئة ضدهم مزيداً من الخسارات لحليفه المسيحي جبران باسيل! وخوض الانتخابات النيابية في لبنان من دون خصم مذهبي يفقد من سيخوضها القدرة الرئيسة على دفع الطائفة إلى صناديق الاقتراع.

حزب الله المطمئن نسبياً إلى قاعدته الانتخابية، سيجد نفسه والحال هذه أمام ضعف في منسوب الحماسة، سيُترجَم على الأرجح بانخفاض في نسب الاقتراع. فالمقترع الشيعي هو مقترع سلبي بشكل عام، يذهب للاقتراع ليسدد صوتاً ضد خصم، لا لكي يوصل من يؤمن به إلى مجلس النواب، وستبرد همته إذا لم يعثر على خصم يستهدفه بصوته، ومن الممكن ساعتئذ أن يخول ذلك مرشحين شيعة من خارج صندوقة الحزب لأن يحدثوا خرقاً، وان محدوداً للوائح الحزب. وحزب الله بتركيبته، لن يكون سهلاً عليه ذلك. خرق شيعي وان محدود للوائحه، سيكون مؤشر انحدار لا يتحمله حزب يملك من السلطة والنفوذ ما لا تملكه الدولة بأجهزتها!

ما العمل إذاً؟ الحزب يستشعر هذا الضيق في خطابه الانتخابي، والوقت الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات في شهر مايو المقبل يجب أن يستثمر لاختراع خصم ينعقد حوله خطاب المواجهة الانتخابية. عناوين كثيرة موازية لا تصلح ولا يمكن تصويبها. الفساد مثلاً، الحزب وحلفاؤه غارقون به حتى أعناقهم، والقاعدة الانتخابية التي لا تؤمن بدور الحزب به، تؤمن في المقابل أن حلفاء الحزب هم أقطابه. اذاً مكافحة الفساد شعار لا يصلح للانتخابات. “مقاومة إسرائيل” طاقة انتخابية من دون شك، لكنها لم تعد فعلاً إجرائياً، وجرى الاستثمار فيها ولا يمكن أن تضيف مزيداً من الطاقة، بعد أن جرى إشباعها. أما “داعش على الأبواب”، فهذا ما لم يعد يصلح، ذاك أن “داعش” ليست على الأبواب، وهي لم تكن يوماً الأبواب، لكن استحضارها كان ممكناً واليوم لم يعد كذلك.

لن يقف حزب الله مكتوف الأيدي حيال هذا الاستعصاء، ويبدو أنه باشر مساراً سيوصله إلى الاستحقاق الانتخابي وبحوزته خصوم هم اليوم قيد البلورة. إنهم “عملاء السفارات”، وجماعات المجتمع المدني، وتمتد اللائحة الاتهامية لتصل إلى شبان تظاهرات تشرين، وإلى المطالبين بتحقيق شفاف بانفجار المرفأ.

والحزب اذ بدأ يعد العدة لـ”خطاب المواجهة” اكتشف أنها تتطلب لغة مختلفة لم يسبق له أن اختبرها، ذاك أن سهام التخوين قد تصل إلى خاصرته طالما أن دائرة المستهدفين مختلفة هذه المرة. فهو هنا حيال بؤر اجتماعية مغايرة عن تلك التي دأب على مواجهتها، ويختلط فيها ناشطون من كل الطوائف، وهي ضعيفة إلى حدٍ يجعل من التسديد عليها مهمة أشد تعقيداً من التسديد على سعد الحريري مثلاً، ذاك أن الأخير جسم حزبي، وكيان مذهبي يمكن رده إلى خصومة واضحة، تبدأ من السعودية ولا تنتهي عند “داعش”، أما أن يكون الخصم واصف الحركي مثلاً، وهو ناشط ومحامٍ تعود أصوله إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، فقوته في أنه صادر عن تجربة من خارج ما ألف الحزب مواجهته. الرجل ليس عميلاً ولا داعشياً ولا فاسداً، هو واصف الحركي الناشط في التظاهرات، والمحامي الذي يواجه أصحاب المصارف ممن سطوا على ودائع اللبنانيين. اذاً هو، أو غيره طبعاً، “عميل السفارات”! التهمة قيد البلورة ولم يعثر الحزب بعد على ما يعززها أو يفسرها لجمهور الناخبين. علماً أن ثمة متغيراً ما زال خارج الرصد، ويتمثل في أن بيئة الحزب، مثلها مثل اللبنانيين، تعاين بأم عينها الفشل والفساد الهائلين اللذين تشهدهما الدولة وأجهزتها وطبقتها السياسية، وهي تدرك أنها دولة الحزب وأن الأخير هو المدافع الأول عن الطبقة السياسية الفاسدة.

مرة أخرى على المرء ان لا يذهب بتوقعاته إلى أن حزب الله سيخسر الانتخابات. قد يُخرق في بعض المناطق، لكن الأكيد أن حلفاؤه في “المحور” وفي النظام ستلحق بهم خسارات كبيرة. وبين احتمالات انخفاض منسوب الحماسة الانتخابية شيعياً، واحتمالات فشل الحلفاء مسيحياً وسنياً، يبقى الخيار الأمثل هو عدم خوض التجربة وتأجيل الانتخابات!

لكن في هذا الوقت، وفي ظل الضغوط الدولية الهائلة والهادفة لإجراء الانتخابات، لا بأس بالاستعداد لها وبمباشرة العمل على اختراع خصم تُخاض الانتخابات ضده. إنهم “عملاء السفارات”. أي سفارات، وما هو مضمون عمالتهم؟ هذا ليس مهماً، الأهم هو وجود خصم يعين في هذا الاستحقاق!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here