القضاء في القرآن الكريم (ح4) (الحاكم القاضي 1)

الدكتور فاضل حسن شريف
في القرآن الكريم يوجد معنى للحاكم أنه الخليفة أو رئيس الجمهورية او الوزراء او الملك او المسؤول الاعلى في الوقت الحالي في منطقة ما كالمحافظ “يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى” (ص 26). ومعنى آخر للحاكم بأنه القاضي أو رئيس المحكمة التي تتبع عادة وزارة العدل او السلطة القضائية “فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ” (المائدة 48) والذي نحن بصدده في هذا المقال ونترك الحاكم الخليفة السياسي في مقال اخر المذكور في القرآن الكريم والذي ليس له علاقة بسلسلة القضاء هذه. كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين يتولون اختصاصي الحاكم الخليفة والحاكم القاضي إلا إذا كان الخليفة هو نفسه المشتكي او المشتكى عليه كما حصل للإمام علي عليه السلام عندما ذهب إلى القاضي في أحد الشكاوي. وبعد توسع الدولة الاسلامية اصبح الخليفة هو الحاكم السياسي فقط وليس الحاكم القاضي.
واختلف الفقهاء في تعريف حكم القضاء وبالمجمل فإنه يدخل في فصل الخصومات والمنازعات “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ” (النساء 59) والدعاوي، الحكم الشرعي والقانوني حسب القوانين النافذة التي لا تنافي الكتاب والسنة، إقامة الحدود “إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ” (البقرة 229)، نصرة المظلوم “لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ” (النساء 148) وقمع الظالم “وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (البقرة 229)، أداء الحقوق، والعدالة “وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ” (النساء 58).
النزاع ذكر في آيات قرآنية منها “فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ” (62)، و “فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ” (الحج 67)، و “إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ” (الكهف 21). يلاحظ من الآيات المباركة ان النزاع يكون على أمر والذي يسمى حاليا شكوى أو دعوى.
لا يوجد في القرآن الكريم مصطلح قانون بل يوجد مصطلح حق “وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ” (ال عمران 86) فالملاحظ ورد مصطلح حق مع الشهادة والحكم بأشكاله المختلفة ومنها القضاء والخلافة “فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ” (ص 29). وكذلك وردت الكتابة والأقوال مع الحق “سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ” (ال عمران 81). والحق من أسماء الله الحسنى. وذكر الحق مع وعد الله في عدد من الآيات “إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ” (يونس 55) (الكهف 21) (القصص 13) (الروم 60) (لقمان 33) (فاطر 5).
الحكم كمصطلح مشتق من الحكمة، لذلك فإن الحاكم القاضي عليه ان يتصف بالحكمة والا فإنه لا يسمى حاكما. والحكمة ذكرت في ايات عديدة منها ” وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ” (البقرة 151) وهذا يعني ان القاضي الحاكم عليه ان يتعلم الحكمة. فالقاضي بدون حكمة تصبح قراراته تحوي شيئا من الظلم لان الحكمة عكس الظلم. ومن محاكم الانبياء محكمة النبي ابراهيم عليه السلام الذي ترأسها الحاكم نمرود نفسه مع لجنة من قضاته الظالمين الذين لم يتصفوا بالحكمة. والدليل على ظلم المحكمة ان قرار الحكم كان سريعا بحرقه في أكبر محرقة، ولكن الله تعالى كان لهم بالمرصاد “إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً” (الطارق 15-16) بان جعل النار بردا وسلاما “قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” (الانبياء 69).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close