ملك الرصيف ….

ملك الرصيف

 بغداد: ذو الفقار يوسف
رجلٌ مشرَّدٌ بلا عمر محدَّد يمتلك رصيفاً من النادر أن يطأه المارة يحاذي نفق تقاطع جامع النداء في الوزيرية.
يلتحف العراقيون بأغطيتهم منذ أيام ليست بقليلة، إذ إنَّ موجة البرد هذه السنة ليست كمثيلاتها في السنين السابقة. رجل رصيف النفق هو أيضاً يلتفّ ببطانيات كثيرة لكنها قذرة جداً، ومؤكد أنها لا تمنحه الراحة، ذلك لأنَّ رصيف النفق هذا مليء بالحصى ومتكسرات الزجاج ولم يفكر به أحدٌ من مسؤولي البلديات.
البرد يجعلنا ملوكاً في بيوتنا، ذلك لأنَّ طرقنا العجيبة في التدفئة تكون متاحة ودائماً ما يحلو السمر مع انقطاع الكهرباء وضياء نار المدافئ
 الشحيح.
رجل الرصيف لا يملك كلَّ هذا البذخ ولكنه يعيش كملك على رصيفه. هذا المشرّد كان يرى يومياً أيام الصيف في المكان نفسه وفي أوقات ما بعد الدوام يلجأ إلى ظلِّ جدران دار نشر الثقافة الكردية. الصيف لا يُثير الشفقة كالشتاء. نحن نتمتع بالإنسانية في الشتاء وهذا ما دفع الحكومة إلى صرف 50 لتراً من النفط الأبيض
للناس.
مؤكد أنَّ صاحبنا رجل الرصيف لا يُشعل ناراً في الليل لأن لا أشجار حوله وربما لا يملك أيَّ وسيلة لقدح النيران، لكن أكثر التكهنات رسوخاً أنَّ هذا الرجل لا يجد الوقت ليكون يقظاً. في الحقيقة العراق كله نائم.
مشكلة المشردين في البلد كانت وما زالت بلا حلول، وإنْ وُجدت فهي جزئية فقط، لا نهاية لهذه المعاناة. الشعور بالخوف والقلق هذا كلّ ما يجول بخاطر كلِّ من يسير على الرصيف المقابل ويرى هذا المشرد الذي أعطى وجهه لجدار النفق، مستسلماً لمصيره. لا خلاص له غير النوم باستمرار، كان كلّ ما يملكه هو فراشه الممزق وغطاءان وأصوات العجلات المسرعة التي تدفع إليه موجات من الرياح الباردة. لا يهمه وقت العشاء لأنه لا يملكه، كما لا يؤنسه انبثاق الصباح، فلا أمل يلوح في أفقه، معدة خاوية أعاد تصبيرها بالماء فقط، ملابس رثة لم يعد يميز لونها ومع هذا فهو ملك على رصيفه.
يبدو أنَّ هذا الرجل بقي فترةً طويلة بلا حراك مما دفع أحد جنود الحراسة بباب دار النشر إلى حمل قنينة ماء إليه بغية التأكد من سلامته. استجاب لصوت الجندي بعدها بوقت وأزاح البطانية عن وجهه قائلا:
ـ دعني أنم.
وضع الجندي قنينة الماء بجوار الرجل وعاد إلى رصيفه وكله أسى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here