نظرية التطور واصل الانسان لداروين،  ماذا تعني ملامح وجه الانسان ؟  (*)

   د. رضا العطار

 ما زالت التنقيبات تكشف لنا عن انواع قديمة لا يمكن ان يقال عنها انها بشرية، فالاتجاه الحيواني تخصص للعيش على الأشجار والاتجاه البشري تخصص للسعي على اليابسة، ويعتقد ان هذه الانواع كانت تعيش الى ما قبل مليوني سنة، حينها بدأ ينتصب الانسان تدريجيا ويمشي على ساقيه بعدما كان يمشي على اطرافه الاربعة.

 والعامل الوحيد لتغير الحيوان وتطوره هو التغير والتطور في البيئة، بحيث يستجيب الكائن للتغيرات بمجهوده على توالي الملايين من السنين، فتتغير اعضاؤه وتتخذ وظائف جديدة.  ثم تتراكم التغيرات حتى تظهر سلالات جديدة ثم انواع جديدة. 

وقد تغير الوجه كما تغيرت القامة البشريان.  والانسان الحاضر نوع واحد يتلاقح ويخصب مهما تباعدت السلالات ولكن هذه السلالات تختلف في الملامح والتقاسيم لانها عاشت في اقاليم مختلفة حرا وبردا ورطوبة وجهدا ولكننا نتشابه. ومع ان الفارق بيننا عظيم جدا.   

 ونحن نمتازعن القردة العليا الاربعة البتراء بقامة عمودية وبجمجمة كبيرة وبجسم املط،  فإما القامة العمودية فمرجعها الى اننا تركنا الشجر واعتمدنا على السعي على ارجلنا على الارض فطالت اقدامنا واستطاعت ان تحملنا في اتزان ومع ذلك لسنا سعداء بهذا الوضع العمودي.  فاننا ما زلنا نحبو على اربع في طفولتنا وفي الشيخوخة نعود الى الانحناء، وكذلك اصابتنا بالفتق نتيجة اندلاق بعض الامعاء في الخصيتين بسبب هذا الوضع العمودي. 

 واما الجمجمة الكبيرة التي يقدر عدد خلايا الدماغ فيها بتسعة مليارات خلية، كما يقدر ثقلها بكيلو غرام واحد ونصف، فلولا وضعنا العمودي، لما كنا قادرين على حملها.  ثم اهتدائنا الى اللغة، التي ربطت المعاني بالكلمات، وهذه عملت على تكبير الدماغ. 

اما الملط، اي انعدام الشعر فمرجعه الى اننا نحن البشر قد اهتدينا الى النار والى السكنى في الكهوف منذ ازمان سحيقة في القدم،  قد جعلتنا عرضة للحر المرهق او الموت حرقا لو كان شعرنا باقيا يكسو جلودنا ولا يزال اثر المناخ واضحا. فإن الزنجي الذي يعيش دون خط الاستواء املط بخلاف الاوربي الذي لا يزال الشعر يكسو معظم جسمه، لان الشعر يؤدي عمل الصوف في التدفئة واوربا باردة وافريقيا حارة. وليس عندنا من الشعر الكثيف سوى ذلك الي يكسو الرأس وهو هنا وقائي يحفظه ويخفف عنه الصدمات. 

 والوان الاجسام البشرية تخضع للوسط.  فحيث تكون الرطوبة والحر معا يكون لون البشرة اصفر، وهذا ما يحدث لأقدامنا المحبوسة في الاحذية، وكذلك يحدث للصينيين وسائر الامم التي تعيش في الاقاليم التي تقع في الشرق الجنوبي من قارة آسيا.  اما في اوربا حيث ضوء الشمس اخف وقعا مما هو في افريقيا فان البشرة تكاد تنشف.  ولذلك يبدو الدم الاحمر تحتها واضحا اذ ليس في هذه البشرة سوى صبغة خفيفة ولكن عندما يعيش الاوربي في اقصى الشمال حيث يدوم الثلج على الارض نحو تسعة شهور فان بشرته تقاوم البياض في هذا الثلج بشئ من السمرة ولون العينين والشعر يتبع لون البشرة

بينما الانف البشري يتكيف للوسط من الحر والبرد، فالهواء يتمدد بفعل الحر ويحتاج الانسان الى انف واسع المنخرين كي يحصل على ما يحتاجه من الاكسجين وهذا هو الشأن في انف الزنجي او الصيني المفرطح المنبسط اما اذا كان الهواء باردا كما هو الحال في اوربا الشمالية فإن الانف يتغير حجمه وشكله.

ونحن نرى شبها آخر في ملط الزنجي وشعر الاوربي.  فإن الفيل والجاموس في افريقيا وآسيا يكاد يكون املطا في حين يكون الدب والثعلب في القطب الشمالي مكسوا بفراء كثيف تحميه من البرد.  

 وفي هذا السياق يستذكر كاتب السطور عام 1974عندما زار البلاد الخضراء، وهي شبه قارة كائنة في دائرة القطب الشمالي حيث تبقى الثلوج فيها متراكمة طيلة ايام السنة، كان هدفه من السفر الاطلاع على حياة الأسكيمو عن كثب، كان اول ما جلب انتباهه عندما اقترب منهم ان انوفهم كانت صغيرة و مستدقة، حينها لم يكن يعلم سبب ذلك، لأنه يومذاك لم يكن قد قرأ نظرية التطور لداروين ليستعلم بتأثيرات المناخ و الجغرافية على شكل الانسان و سبب حجم الأنف الصغير والضيق الذي يعود الى الطقس القارص، حتى اذا ما لامس هواء الشهيق حويصلات الرئتين الخاصة بالتنفس كان قد اعتدلت حرارته.     

 اما الوجوه البشرية او بالاحرى الرؤوس البشرية فأنها على طرازين، احدهما الوجه المستطيل والاخر المستدير وبينهما الطراز الوسط، ولكل من هؤلاء مزاجه  السيكولوجي خاص به فصاحب الوجه المستطيل انطوائي النزعة بينما صاحب الوجه المستدير انبساطي النزعة عموما.    

 وهنا نقطة تستحق ان نقف عندها ذلك اننا لا نجد بين البهائم جميعها هذأ الالتفات للوجه كما نجد في الانسان. فنحن نقول بجمال الفتاة بمجرد الالتفات العابر اليها فنحن نذكر العينين الناطقتين والوجنتين النضرتين والجبهة العالية والانف المرهف والشفتين الرقيقتين ونحس ان في الوجه الجميل شيئا اكبر من الملاحة الجسمية.  نحس نبلا وشهامة، وروعة وفتنة، سحرا وجاذبية. 

  وبكلمة اخرى نقول ان الرجل ينظر الى المرأة بخلاف ما ينظر الذكر الى الانثى من الحيوان. ولا مفر من الوضع الذي اتخذاه في التعارف الجنسي، هذا التعارف الذي يتم بيننا نحن البشر وجها لوجه وليس كما هي الحالة بين الحيوانات وجها لظهر. 

فالحيوان بهذا الوضع يشتهي ظهر الانثى وعجزها ويهمل الوجه.  ونحن نشتهي وجه المرأة وصدرها. ومن هنا عنايتنا الكبرى بملامح الوجه،  فقد اصبح الوجه البشري بذلك بؤرة التقدير الفني من الزوج الى الزوجة. 

 ومع هذا ما زلنا نحمل في داخلنا رواسب حيوانية، فإن شهوة اللحم عندنا نجدها في عجز المرأة ما يثير عندنا الانجذاب الجنسي. سبب ذلك يرجع كوننا كنا قبل ملايين السنين نناظر البهائم في تعارفها الجنسي،  اي وجه الذكر الى ظهر الانثى. ولكن هذا الاسلوب قد تغير تدريجيا عبر عصور متعاقبة طويلة،  فألتفتنا الى وجه المرأة بحيث صار وفق الصورة التي رسمها وجداننا عن الجمال البشري ولكن بقيت الذكرى الموروثة في الاعجاب بعجز المرأة، اي بقى الشذوذ كامنا. علما ان ضخامة الأليتين لا تعد من الجمال بمقياس الذوق السليم لدى الانسان المتحضر، الا عند البدائيين والمتوحشين من البشر.

 وجميع الحيوانات الرواضع تتسم بقرب اثدائها من ساقيها الخلفيتين ولكن ثدي المرأة ترتفعان الى الصدر وسبب ذلك انها اصبحت تحمل طفلها وتمشي على ساقيها وتعتمد على اليتها في الجلوس ليكون موضع الثدين في عملية الرضاعة تجري في الصدر بدل البطن. فالطبيعة مهندس حاذق يرعى شؤون الأنسان.

 * مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان، لسلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here