طارق حرب رئيسا لتحرير صحيفة ( البرلمان )

في عام 2004 أصدرت صحيفة ( النافذة ) عددها الأول وشيئا فشيء باتت من الصحف المستقلة المشهورة التي انبثقت بعد الاحتلال ، وأصبح لها شأن وقراء نظرا لتنوعها وجرأتها وتطبيقها مختلف الفنون الصحفية ، حيث عمل بها نخبة من المهنيين المعروفين وممن لهم باع طويل في الصحافة وبعضهم من العاملين في كلية الأعلام بجامعة بغداد ، ولأسباب غير مقنعة قامت وزارة الداخلية بإغلاق الصحيفة بقرار من الوزير وبدون سابق إنذار او اتهام رغم ما كان يردد عن بدء حرية الصحافة في العراق ، وعلى اثر ذلك تم توقيف رئيس ومدير التحرير في مركز شرطة الاعظمية وتم الإفراج عنهما بعد أيام بكفالة نقدية على أن يبقى قرار الإغلاق ساري المفعول لموعد غير محدود ، وخلال اجتماع مجلس إدارة الصحيفة تقرر التمسك بأحقية عودة النافذة للصدور ، كما تم إقرار إصدار صحيفة جديدة مرادفة باسم ( البرلمان ) ، وهو اسم استبق صدور دستور العراق وتشكيل البرلمان حيث تم اختيار اسم الجريدة باجتهاد مجلس الإدارة وصاحب الامتياز ، وهو ليس استنساخا من اسم البرلمان ( الحالي ) كونه لم يكن قد ولد بالأساس ، وأثناء التحضير لإصدار العدد ( بسم الله ) كانت هناك مخاوف من تكرار أمر الإغلاق وتكبد تكاليف دون جدوى سيما وان الصحيفة كانت تمول من قبل احد رجال الأعمال ( السيد مكي الكليدار ) وهو صاحب الامتياز ، ولم تعتمد على أي تمويل آخر سوى الإيرادات من نشاطها الإعلامي ، ولإزالة هذه الهواجس تم الاتفاق على اختيار المحامي طارق حرب ليكون رئيسا للتحرير للاستفادة من مزيتين ، الأولى انه من المثقفين المعروفين وكانت له كتابات هنا وهناك والثانية كونه محامي لمع اسمه وصيته ويستطيع الدفاع عن الجريدة عند تعرضها لأي إجراء تعسفي يشابه ما حصل للنافذة ، وتمت مفاتحته بالموضوع فعلا وأبدى استعداده للقيام بهذه المهمة ولم يحدد أية شروط للقيام بها بكل إخلاص ، ويبدو إن طارق حرب قد حسبها بشكل صحيح فالصحيفة يمكن إن تحقق له مزيدا من الشهرة والانتشار في المحاماة ، كما إنها وسيلة يمكن إن يعتمدها لينشر فيها كتاباته بيسر في المجالين القانوني والثقافي باعتباره موسوعي ومهتم بهذه المجالات .

وكان حرب يتردد على مقر الجريدة الكائن في بغداد ( الوزيرية ) في الصباح وقبل ذهابه إلى المتنبي لتناول طعام الفطور من كبة السراي و(الباجة) او غيرها من المأكولات التي له فيها ولع كثير ، ويذهب بعدها إلى المحاكم لممارسة عمله كمحامي وكنا نطلب منه الحضور كلما نشأت الحاجة لتواجده الشخصي لتمشية الأمور التي تتعلق بشأنه الحصري ، وخلال فترة قصيرة اشتهرت ( البرلمان ) وصار لها جمهورها من القراء وعدها البعض من صحف النخب في ولوجها لمواضيع فيها انتقاء وموضوعية ، باعتبار إن اغلب العاملين فيها من المهنيين والأكاديميين الذين اشرنا إليهم في أعلاه والذين انتقلوا إليها بعد غلق صحيفة ( النافذة ) ، ورغم إن طارق حرب هو رئيس التحرير رسميا إلا انه لم يتدخل في أمور الإصدار ونوعية المواضيع المعدة للنشر ، وكان على اطلاع بكل ما ينشر كونه يتردد على مقر الجريدة باستمرار ويأخذ بعض النسخ منها ليوزعها على من يختار ، وبمرور الزمن آخذت بعض الاحتكاكات بالظهور في علاقته بالإدارة الصحفية حيث حصلت معه بعض الحالات ، منها انه كان يطالب بان يكون له عمود ثابت ( يوميا ) في الصفحة الأولى لينشر فيه ما يشاء دون اعتراض ، وهو أمر يتعارض مع سياسة الجريدة التي كانت تعطي الحرية والصلاحية لمدراء الأقسام بالعمل بصيغة الفريق وإتباع ( ألدسك ) المطبق في الكثير من الصحف العربية والعالمية المعروفة ، وهو ما يتطلب إخضاع كل المواضيع للتوافق مع سياسة الصحيفة بدون استثناءات ، سيما وان المواضيع التي كان يقدمها فيها قدر من المجاملة لحكومة الدكتور أياد علاوي في تلك الأيام ، والصحيفة لم تكن معادية للحكومة ولكنها تنتهج الموضوعية في طرح الأمور دون الحاجة للتزيين والتجميل ، ومن الحالات الأخرى انه اعترض على مقالات تم نشرها تحتوي على مطالبات بإعادة إصدار صحيفة النافذة ، حيث وصفت المقالات ذلك الإغلاق بان فيه ظلم وتعسف في زمن يجب أن تسود فيه الديمقراطية والشفافية في إصدار القرارات ، ولم ينشأ خلاف معه بمعنى الخلاف ولكنه اختلاف ببعض وجهات النظر ، ولان مجلس الإدارة كان يخشى تعاظم الأمور فقد تمت تسوية الموضوع معه بطريقة ودية جدا وقد تفهم الموقف وترك الصحيفة ليتفرغ للمحاماة ، و أوكلت رئاسة التحرير بعده للحقوقي المعروف فاضل عبود الصفار الذي كانت تربط علاقة وثيقة بالمحامي طارق حرب وظل حرب صديقا للجميع لما تلا ذلك من الأيام .

لقد كتبنا هذه السطور لاستذكار الأيام التي عاشها طارق حرب في صحيفة البرلمان قبل 18 عام وليس غرضها المدح او الذم ، ففي السيرة الذاتية له التي تروج حاليا ( بعد وفاته ) يذكر انه عمل ريسا لتحرير صحيفة البرلمان مما يتطلب إلاجابة لتساؤلات البعض عن علاقته بين المحاماة والصحافة ، والحق يقال إن المرحوم ( وخلال معرفتنا به في صحيفة البرلمان وبشهادة الكثير ) كان يتمتع بكاريزما جاذبة وبسيطة في التعامل والتفاعل ، وكان شخصية دمثة متعاونة ومتواضعة ومنفتحا في المناقشات وتبادل الآراء ، كما كان غنيا في علمه وثقافته فلم ينفك عن ذكر الإحداث التاريخية والشعبية و أبيات الشعر والسير الذاتية لعظماء الشخصيات كما كان يستحضر نصوص القانون في مواجهة المعضلات ، نسال الله العلي العظيم أن يتغمده برحمته الواسعة وان يلهم أهله وزملائه وأصحابه الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here