الكابوس :قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم
أخيراً خيمت مظاهر الهدوء والسكون المريحة على البيت الكبير وأصبح باستطاعة سكانه أن ينعموا بشيء من راحة وسكينة بعد سنوات طويلة من مكوث ثمة كابوس على صدورهم كلعنة لا مفر منها ولا خلاص لوقت غير معلوم حتى ذلك الحين ..
كان كابوسا رهيبا و طاغيا جبارا بقسوته و بفظاظته و غلاظته الطاعنة و الجارحة ، كابوسا على شكل كتلة من غضب متفجرة بضراوة و بغض بركاني دائم انفجار ، يكتسح محيطه مثل شظايا خارقة و مسننة ، دون تمييز بين كبير أو صغير ، ولم يكن يهدأ إلا بعدما تيقن من أنه يكون قد أحدث ألما جسديا أو نفسيا عند ضحاياه المستهدفين في تلك اللحظة ..
حينذاك كانت تكتسي ملامح وجهه المتجهمة متعة نشوة عجيبة : متعة متسلط طاغ يعد نفسه منتصرا ومتفوقا دوما على ضحاياه المغلوبين على أمرهم ، لتصبح تلك الملامح فيما بعد مشوهة بابتسامة خبيثة وصفراء مقيتة ..
كان من الصعب معرفة أسباب نوبات غضبه الراعدة الكاسحة و المدوية في تلك اللحظة ولا معرفة الدوافع الكامنة وراء ذلك ، ففي معظم الأحوال ربما لم يكن هناك أي سبب يُذكر ، فقط لأن مزاجه سيء ومتقلب و متعكر على طول الخط ، أو أن أي كلام أو تصرف أحدهم ربما لم يكن يعجبه لسبب من الأسباب ، أو قد يكون ظامئا أو جائعا ، و أن الماء أو الطعام لا يوجد أمامه في تلك اللحظة الراهنة ،أو لأنهم لم يفطنوا إلى أنه جائع أو عطشان ، وكان هذا في نظره تقصيرا لا يُغتفر !، أو لأنهم قد تأخروا في تقديم الطعام والماء له فورا وحالا حتى ولو كان غير مطبوخ جيدا بعد ..
فقد كان يرتعد منه الأطفال الصغار قبل الكبار وما أن يحل بحضوره القاسي و الخشن في الصالة الكبيرة حتى يتكهرب الجو خوفا وفزعا بل وانتظارا متوترا من إنه متى سينفجر مجددا بنوبة غضبه الجبار والكاسح و حتمية الوقوع في كل الأحوال برفقة كومة من ألفاظ وشتائم بذيئة ومُهينة..
لذا فالرغم من الحزن المجلل و الشكلي القائم حول موكب الحاملين نعش الكابوس بغية دفنه بعيدا خارج حدود المدينة فأن أغلبهم كانوا يشعرون في قرارة انفسهم بارتياح كبير وخلاص عظيم من لعنة تورطوا بها رغما على إرادتهم حيث بدت لهم أحيانا تلك اللعنة ورطة طويلة ومتعبة وبلا نهاية ، في الوقت الذي هم على وشك نفاد آخر طاقة لهم للصبر و للتحمل ..
و ها هي ثمة ريح قوية متسللة من النوافذ المفتوحة تقوم بكنس ومسح كل ما تذكر برائحة حضوره أو وجوده و بقايا ظله وأشيائه البغيضة ، لذا شيئا فشيئا كان يمكن سماع ضحكة طفل بطلاقة و نشاط بين أرجاء البيت ، وهو يلعب و يتحرك دون فزع أو وجل ، بعدما تيقن من عدم عودة الكابوس مجددا إلى البيت مرة أخرى ، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الأطفال أيضا و الذين أخذوا يتحركون ويلعبون بحرية وحيوية طليقتين و كأنهم في أيام العيد البهيجة ..
ولم يمض وقت قصير حتى أصبحا الأجواء نابضة بحياة واسعة و جذلة ، تبعث على مشاعر راحة ومرح اليفة وودية دافئة في كل غرف و أركان وزوايا البيت الكبير !..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here