عصر عدم الاستقرار القادم في أمريكا

عصر عدم الاستقرار القادم في أمريكا

ترجمة: د. هاشم نعمة

لماذا يمكن أن تصبح قريبا الأزمات الدستورية والعنف السياسي هي القاعدة
عندما أدى جو بايدن اليمين الدستورية كرئيس قبل عام، تنفس الكثير من الأميركيين الصعداء. وكان الرئيس دونالد ترامب قد حاول سرقة الانتخابات، لكنه فشل. وكان التمرد العنيف الذي حرض عليه في 6 يناير/كانون الثاني 2021 قد هز النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة حتى النخاع، لكنه تركه واقفا في النهاية.
ولكن بعد مرور عام على رئاسة بايدن، لم يتراجع التهديد الذي تتعرض له الديمقراطية الأميركية. وعلى الرغم من نجاة المؤسسات الديمقراطية الأميركية من رئاسة ترامب، إلا أنها ضعفت بشدة. وعلاوة على ذلك، تحول الحزب الجمهوري إلى قوة متطرفة معادية للديمقراطية تعرض النظام الدستوري الأميركي للخطر. إن الولايات المتحدة لا تتجه نحو الاستبداد على الطريقة الروسية أو الهنغارية، كما حذر بعض المحللين، بل نحو شيء آخر: فترة طويلة من عدم استقرار النظام، تتميز بأزمات دستورية متكررة، وعنف سياسي متزايد، وربما فترات من الحكم الاستبدادي.
نجاة بأعجوبة

في عام 2017، حذرنا في مجلة فورين أفيرز من أن ترامب يشكل تهديدا للمؤسسات الديمقراطية الأمريكية. كان المتشككون ينظرون إلى قلقنا على مصير الديمقراطية الأميركية باعتباره تنبيه لخطر بدون داعي. فقد ظل النظام الدستوري الأميركي مستقرا لمدة 150 عاما، وتشير أبحاث العلوم الاجتماعية إلى أن الديمقراطية من المرجح أن تستمر. إذ لا توجد ديمقراطية ناضجة – أو قديمة – مثل ديمقراطية الولايات المتحدة قد تعرضت للانهيار التام.
لكن ترامب أثبت أنه مستبد كما هو معلن. وباتباع قواعد اللعبة لهوغو شافيز في فنزويلا، ورجب طيب أردوغان في تركيا، وفيكتور أوربان في هنغاريا، عمل ترامب على إفساد وكالات الدولة الرئيسة وتخريبها لأغراض شخصية وحزبية وحتى غير ديمقراطية. فقد تعرض المسؤولون الحكوميون المسؤولون عن إنفاذ القانون والاستخبارات والسياسة الخارجية والدفاع الوطني والأمن الداخلي وإدارة الانتخابات وحتى الصحة العامة لضغوط للعمل ضد منافسي الرئيس.
ومع ذلك، عمل ترامب أكثر من تسييس مؤسسات الدولة. وحاول سرقة الانتخابات. فقد أمضى ترامب – الرئيس الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الذي رفض قبول الهزيمة- أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021 في الضغط على مسؤولي وزارة العدل والحكام والمشرعين في الولايات ومسؤولي الانتخابات على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي، وأخيرا نائب الرئيس مايك بنس،* لإلغاء نتائج الانتخابات بشكل غير قانوني. وعندما فشلت هذه الجهود، حرض حشدا من مؤيديه على السير في مبنى الكابيتول الأميركي ومحاولة منع الكونغرس من التصديق على فوز بايدن. إن هذه الحملة التي دامت شهرين للبقاء في السلطة بشكل غير قانوني تستحق أن يطلق عليها اسم: محاولة انقلاب.
كنا نخشى، فشل الحزب الجمهوري في تقييد ترامب. وفي سياق الاستقطاب السياسي الشديد، توقعنا أن الجمهوريين في الكونغرس “من غير المرجح أن يسيروا على خطى أسلافهم الذين كبحوا جماح نيكسون”. إذ أن ترجيح الولاء الحزبي من قبل مؤيدي ترامب على الالتزامات الدستورية، والخوف من التحديات الأولية أدى إلى التقويض من فعالية نظام تحكم أقوى بشأن إساءة استخدام سلطة الرئاسة: العزل. فقد تجاوزت انتهاكات ترامب انتهاكات نيكسون من ناحية حجم الأوامر. لكن عشرة فقط من الجمهوريين الـ 211 في مجلس النواب صوتوا لعزل ترامب في أعقاب الانقلاب الفاشل، وصوت سبعة فقط من أصل 50 جمهوريا في مجلس الشيوخ لإدانته.
نجت الديمقراطية الأمريكية من ترامب – ولكن بالكاد. وقد تم إضعاف سلوك ترامب الاستبدادي جزئيا من قبل مسؤولين عموميين رفضوا التعاون مع انتهاكاته، مثل سكرتير ولاية جورجيا، براد رافنسبرجر، أو الذين رفضوا التزام الصمت بشأنها، مثل ألكسندر فيندمان، المتخصص في مجلس الأمن القومي. وقد عرقل العديد من القضاة، بمن فيهم بعض القضاة الذين عينهم ترامب نفسه، جهوده لإلغاء الانتخابات.
كما لعبت الأحداث الطارئة دورا في هزيمة ترامب. إذ كان وباء كوفيد-19 بمثابة “لحظة كاترينا”**. وكما أدى سوء تعامل الرئيس جورج دبليو بوش مع آثار إعصار عام 2005 إلى تآكل شعبيته، ربما كانت استجابة ترامب الكارثية للوباء حاسمة في منع إعادة انتخابه. ومع ذلك، كاد ترامب أن يفوز. وكان من شأن تحول ضئيل في التصويت في جورجيا وأريزونا وبنسلفانيا أن يضمن إعادة انتخابه، الأمر الذي من شأنه أن يعرض الديمقراطية لتهديد خطير. 
وعلى الرغم من نجاة الديمقراطية الأمريكية من رئاسة ترامب، إلا أنها أصيبت بجروح بالغة بسببها. إذ في ضوء إساءة استخدام ترامب الشنيعة للسلطة، ومحاولته سرقة انتخابات عام 2020 وعرقلة الانتقال السلمي، والجهود الجارية على مستوى الولايات لتقييد الوصول إلى صناديق الاقتراع، خفضت مؤشرات الديمقراطية العالمية سلم الولايات المتحدة بشكل كبير منذ عام 2016. واليوم، فإن نتيجة الولايات المتحدة في مؤشر الحرية العالمي لفريدوم هاوس أصبح على قدم المساواة مع بنما ورومانيا، وأقل من الأرجنتين وليتوانيا ومنغوليا.
تصاعد التهديدات

لم تنه هزيمة ترامب في انتخابات عام 2020 تهديد الديمقراطية الأمريكية. لقد تطور الحزب الجمهوري إلى حزب متطرف ومعادي للديمقراطية، أشبه بحزب فيديس الهنغاري من أحزاب يمين الوسط التقليدية في أوروبا وكندا. بدأ التحول قبل ترامب. فخلال رئاسة باراك أوباما، نظر كبار الجمهوريين إلى أوباما والديمقراطيين باعتبارهم يشكلون تهديدا وجوديا، وتخلوا عن معايير ضبط النفس لصالح التصلب الدستوري – استخدام نص القانون لتقويض روح القانون. فقد دفع الجمهوريون بموجة من الإجراءات على مستوى الولايات تهدف إلى تقييد الوصول إلى صناديق الاقتراع، والأكثر غرابة، رفضوا السماح لأوباما بملء الشاغر في المحكمة العليا بعد وفاة القاضي المساعد أنطونين سكاليا في عام 2016.
تسارع التطرف الجمهوري في عهد ترامب، لدرجة أن الحزب تخلى عن التزامه بقواعد اللعبة الديمقراطية. إذ يجب على الأحزاب الملتزمة بالديمقراطية، على الأقل، أن تفعل شيئين: قبول الهزيمة ورفض العنف. وابتداء من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لم يفعل الحزب الجمهوري أي منهما. رفض معظم القادة الجمهوريين الاعتراف بشكل لا لبس فيه بفوز بايدن، إما بتبني “الكذبة الكبيرة” لترامب علنا أو تمكينها من خلال صمتهم. وأيد أكثر من ثلثي الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب دعوى قضائية رفعت أمام المحكمة العليا سعيا لإلغاء انتخابات عام 2020، وفي مساء يوم 6 يناير/كانون الثاني،
صوت 139 منهم ضد التصديق على الانتخابات. كما رفض كبار الجمهوريين شجب العنف بشكل لا لبس فيه. ولم يحتضن ترامب الميليشيات المتطرفة وحرض على التمرد في 6 كانون الثاني/يناير فحسب، بل عرقل الجمهوريون في الكونغرس في وقت لاحق الجهود الرامية إلى إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في التمرد.
وعلى الرغم من أن ترامب حفز على هذا التحول نحو الاستبداد، إلا أن التطرف الجمهوري كان مدفوعا بضغط قوي من الأسفل. إذ أن الناخبين الأساسيين للحزب هم من البيض والمسيحيين، ويعيشون في الضواحي والمدن الصغيرة والمناطق الريفية. ولا يقتصر الأمر على تراجع المسيحيين البيض كنسبة مئوية من الناخبين، بل إن التنوع المتزايد والتقدم نحو المساواة العرقية قد قوضا أيضا وضعهم الاجتماعي النسبي. ووفقا لمسح أجري عام 2018، يقول ما يقرب من 60 في المئة من الجمهوريين إنهم “يشعرون وكأنهم غرباء في بلدهم”. يعتقد الكثير من الناخبين الجمهوريين أن بلد طفولتهم يؤخذ منهم. وكان لهذا الفقدان النسبي المتصور للوضع تأثير متطرف: فقد وجد مسح أجري عام 2021 برعاية معهد أمريكان إنتربرايز أن 56 في المئة من الجمهوريين وافقوا على أن “طريقة الحياة الأميركية التقليدية تختفي بسرعة كبيرة لدرجة أننا قد نضطر إلى استخدام القوة لوقفها”.
تسارع تحول الجمهوريين نحو الاستبداد منذ رحيل ترامب عن البيت الأبيض. ومن أعلى إلى أسفل، تبنى الحزب الكذبة القائلة بأن انتخابات عام 2020 قد سرقت، لدرجة أن الناخبين الجمهوريين يعتقدون الآن بأغلبية ساحقة أنها صحيحة. وفي معظم أنحاء البلاد، عرّض السياسيون الجمهوريون الذين رفضوا علنا هذه الكذبة أو أيدوا إجراء تحقيق مستقل في تمرد 6 يناير/كانون الثاني حياتهم السياسية للخطر.
وقد شن الحزب الجمهوري هجوما كبيرا على المؤسسات الديمقراطية على مستوى الولايات، مما زاد من احتمال حدوث سرقة للانتخابات في المستقبل. ففي أعقاب حملة ترامب “أوقفوا السرقة”، أطلق أنصاره حملة لاستبدال مسؤولي الانتخابات على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي الذين صادقوا على انتخابات عام 2020 – من سكرتاري الولايات إلى ضباط دوائر الأحياء – بموالين لترامب الذين يبدون أكثر استعدادا لإسقاط فوز الديمقراطيين. كما اعتمدت المجالس التشريعية للولايات الجمهورية في جميع أنحاء البلاد تدابير لتقييد الوصول إلى صناديق الاقتراع وتمكين المسؤولين على مستوى الولاية من التدخل في العمليات الانتخابية المحلية – تطهير قوائم الناخبين المحلية، والسماح بتخويف الناخبين من قبل مجموعات المراقبين البلطجية، ونقل أو تقليل عدد مراكز الاقتراع، وربما رمي بطاقات الاقتراع أو تغيير النتائج. ومن الممكن الآن أن تستخدم الهيئات التشريعية الجمهورية في ولايات متعددة في ساحة المعركة، ادعاءات تزوير لا أساس لها، بموجب تفسير فضفاض لقانون العد الانتخابي لعام 1887، لإعلان فشل الانتخابات في ولاياتها وإرسال قوائم بديلة من الناخبين الجمهوريين إلى الهيئة الانتخابية، وبالتالي مخالفة التصويت الشعبي. ويمكن لمثل هذا التصلب الدستوري أن يؤدي إلى سرقة الانتخابات.
لم يفعل مجتمع الأعمال الأميركي، الذي كان تاريخيا دائرة انتخابية جمهورية أساسية، الكثير لمقاومة التحول نحو الاستبداد في أوساط الحزب. وعلى الرغم من أن غرفة التجارة الأميركية تعهدت في البداية بمعارضة الجمهوريين الذين رفضوا شرعية انتخابات عام 2020، إلا أنها عكست مسارها في وقت لاحق. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن غرفة التجارة، جنبا إلى جنب مع الشركات الكبرى مثل بوينغ ، فايزر ، جنرال موتورز، فورد موتور، ايه تي اند تي، ويونايتد بارسل سيرفيس، تمول الآن المشرعين الذين صوتوا لإلغاء الانتخابات.
إن التهديدات التي تتعرض لها الديمقراطية الأميركية تتصاعد. فإذا فاز ترامب أو جمهوري من التفكير نفسه بالرئاسة في عام 2024 (مع أو بدون تزوير)، فمن شبه المؤكد أن الإدارة الجديدة سوف تسيس البيروقراطية الفدرالية وتستخدم الأدوات الحكومة ضد منافسيها. فبعد تطهير قيادة الحزب إلى حد كبير من السياسيين الملتزمين بالمعايير الديمقراطية، يمكن للإدارة الجمهورية المقبلة أن تعبر الحدود بسهولة إلى ما أطلقنا عليه بالاستبداد التنافسي – وهو نظام توجد فيه انتخابات تنافسية ولكن إساءة استخدام سلطة الدولة تميل إلى الجهة التي تعمل ضد المعارضة.
معوقات الاستبداد

على الرغم من أن تهديد انهيار النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة حقيقي، فإن احتمال الانزلاق نحو نظام استبدادي مستقر، كما حدث، على سبيل المثال، في هنغاريا وروسيا، لا يزال منخفضا. إذ تمتلك الولايات المتحدة العديد من العقبات أمام سلطوية مستقرة والتي لا توجد في حالات التراجع الأخرى. خذ هنغاريا تحت قيادة أوربان. فبعد فوزه في الانتخابات في عام 2010 على أساس برنامج قومي عرقي، قام أوربان وحزبه فيديس باختيار المحاكم والهيئات الانتخابية، وقمع وسائل الإعلام المستقلة، واستخدما التزوير، وأقر لوائح انتخابية جديدة، وغيرها من الخدع القانونية للتفوق على المعارضة. وقد حذر بعض المراقبين من أن طريق أوربان إلى الاستبداد يمكن تكراره في الولايات المتحدة.
لكن أوربان تمكن من تعزيز سلطته لأن المعارضة كانت ضعيفة وغير شعبية ومنقسمة بين الأحزاب اليمينية المتطرفة والاشتراكية. فضلا عن ذلك، ومع خروج البلاد مؤخرا فقط من الحكم الشمولي، كان القطاع الخاص ووسائل الإعلام المستقلة في هنغاريا أضعف بكثير من نظيراتها الأميركية. ولا تزال قدرة أوربان على السيطرة بسرعة على 90 في المئة من وسائل الإعلام الهنغارية – بما في ذلك أكبر صحيفة يومية مستقلة وكل الصحف الإقليمية – غير واردة في الولايات المتحدة. وكان الطريق إلى الاستبداد أكثر سلاسة في روسيا، حيث كانت وسائل الإعلام والمعارضة أضعف مما كانت عليه في هنغاريا.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الجهود الرامية إلى ترسيخ الاستبداد في الولايات المتحدة سوف تواجه العديد من العقبات الشاقة. الأول هو وجود معارضة قوية. وخلافا للدول الأخرى التي تتراجع عن الديمقراطية، بما في ذلك هنغاريا والهند وروسيا وتركيا وفنزويلا، تتمتع الولايات المتحدة بمعارضة موحدة تتمثل بالحزب الديمقراطي. فهي منظمة تنظيما جيدا وممولة تمويلا جيدا وقابلة للتطبيق انتخابيا (فازت بالأصوات الشعبية في سبع من الانتخابات الرئاسية الثمانية الأخيرة). فضلا عن ذلك، وبسبب الانقسامات الحزبية العميقة والجاذبية المحدودة نسبيا للقومية البيضاء في الولايات المتحدة، فإن المستبد الجمهوري لن يتمتع بمستوى الدعم الشعبي الذي ساعد في دعم الحكام المستبدين المنتخبين في أماكن أخرى. بل على العكس من ذلك، فإن مثل هذا المستبد سوف يواجه مستوى من المنافسة المجتمعية لم يسبق لها مثيل في الديمقراطيات المتراجعة الأخرى. وكما قال روبرت كاغان، قد يسعى الجمهوريون إلى التلاعب بانتخابات ذات نتائج متقاربة في عام 2024 أو إلغائها، ولكن مثل هذا الجهد من المرجح أن يؤدي إلى احتجاجات هائلة وربما عنيفة في جميع أنحاء البلاد.
كما ستواجه حكومة جمهورية مستبدة وسائل إعلام أقوى وأكثر استقلالية، وقطاعا خاصا، ومجتمعا مدنيا. وحتى أكثر الحكام المستبدين الأميركيين لن يتمكنوا من السيطرة على الصحف الكبرى وشبكات التلفزيون والحد بشكل فعال من مصادر المعلومات المستقلة، كما فعل أوربان والرئيس الروسي فلاديمير بوتن في بلديهما.
وأخيرا، فإن المستبد الجمهوري الطموح سوف يواجه قيودا مؤسسية. وعلى الرغم من تسييس القضاء الأميركي بشكل متزايد، إلا أنه لا يزال أكثر استقلالية وقوة بكثير من نظرائه في الأنظمة الاستبدادية الناشئة الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، توفر الفدرالية الأمريكية ونظام إدارة الانتخابات اللامركزي للغاية حصنا ضد الاستبداد المركزي. إذ تخلق السلطة اللامركزية فرصا للمخالفات الانتخابية في الولايات الحمراء وبعض الولايات الأرجوانية، لكنها تزيد من صعوبة تقويض العملية الديمقراطية في الولايات الزرقاء.*** وبالتالي، حتى لو تمكن الجمهوريون من سرقة انتخابات عام 2024، فمن المرجح أن تكون قدرتهم على احتكار السلطة على مدى فترة طويلة من الزمن محدودة. قد لا تكون أميركا ذات نظام ديمقراطي متين بعد الآن، ولكنها تظل غير مضيافة للاستبداد.
مستقبل غير مستقر

وبدلا من الاستبداد، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو نظام غير مستقر. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يتسم بأزمات دستورية متكررة، بما في ذلك الانتخابات المتنازع عليها أو المسروقة والصراع الحاد بين الرؤساء والكونغرس (مثل الإقالة والجهود التنفيذية لتجاوز الكونغرس)، والقضاء (مثل الجهود الرامية إلى تطهير المحاكم أو اختيارها)، وحكومات الولايات (مثل المعارك الضارية حول حقوق التصويت وإدارة الانتخابات). ومن المرجح أن تنتقل الولايات المتحدة ذهابا وإيابا بين فترات الديمقراطية المختلة وفترات الحكم الاستبدادي التنافسي التي يسيء خلالها شاغلو المناصب استخدام سلطة الدولة، ويتسامحون مع التطرف العنيف أو يشجعون عليه، ويعملون ضد منافسيهم في اللعبة الانتخابية.
وبهذا المعنى، قد لا تشبه السياسة الأميركية روسيا بل جارتها أوكرانيا، التي تأرجحت لعقود بين الديمقراطية والسلطوية التنافسية، اعتمادا على القوى الحزبية التي سيطرت على السلطة التنفيذية. وفي المستقبل المنظور، لن تنطوي الانتخابات الرئاسية الأميركية على الاختيار بين المجموعات السياسية المتنافسة فحسب، بل ستشمل أيضا خيارا أكثر جوهرية حول ما إذا كانت البلاد ستكون ذات نظام ديمقراطي أم نظام مستبد. 
وأخيرا، من المرجح أن تتسم السياسة الأميركية بالعنف السياسي المتزايد. إذ غالبا ما يولد الاستقطاب والمنافسة الحزبية الشديدين العنف، وفي الواقع، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعا دراماتيكيا في عنف اليمين المتطرف خلال رئاسة ترامب. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ربما لا تتجه نحو حرب أهلية ثانية، إلا أنها قد تشهد تزايدا في الاغتيالات والتفجيرات وغيرها من الهجمات الإرهابية؛ انتفاضات مسلحة؛ هجمات الغوغاء؛ ومواجهات عنيفة في الشوارع – التي غالبا ما يتم التسامح معها وحتى التحريض عليها من قبل السياسيين. وقد يشبه هذا العنف ما عانته إسبانيا في أوائل الثلاثينيات، أو أيرلندا الشمالية أثناء الاضطرابات، أو الجنوب الأميركي أثناء إعادة الإعمار وبعدها.
لا تزال الديمقراطية الأميركية في خطر. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لن تتبع على الأرجح مسار روسيا بوتين أو حتى هنغاريا في عهد أوربان، إلا أن الصراع المستمر بين قوى الاستبداد وقوى الديمقراطية قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام المنهك -والعنف- لسنوات قادمة.
* قال بنس في 5 شباط| فبراير 2022، “الرئيس ترامب مخطئ. ليس لدي الحق في رفض نتائج الانتخابات. الرئاسة ملك الشعب الأمريكي والشعب الأمريكي وحده” وكان، يتحدث، ردا على التصريحات التي أدلى بها ترامب في 6 كانون الثاني| يناير 2022، وقال فيها إنه كان بإمكانه قلب نتيجة الانتخابات لو كان يريد ذلك .(المترجم)
* * نسبة إلى إعصار كاترينا. (المترجم)
*** الولايات الحمراء هي التي يصوت فيها أغلب الناخبين للحزب الجمهوري، أما الولايات الزرقاء فيصوت فيها أغلب الناخبين للحزب الديمقراطي، وفي الولايات البنفسجية لا يوجد تفوق لأحد الحزبين أي تجمع ناخبي الطرفين. (المترجم)

الترجمة عن: Foreign Affairs, 20 January 2022.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here