نظرية التطور واصل الانسان لداروين، كيف نشأ المجتمع البشري ! (*)
بقلم د. رضا العطار
اصل الطبيعة في الحيوان ان يكون انفراديا، لأن تجمع الافراد في جماعات يجعل الحصول على الطعام امرا شاقا كما يحمل الافراد المجتمعين على التنازع والتقاتل من اجل هذا الطعام. وانما ينشأ الاجتماع بعد ذلك للأحتماء من العدو او لصيد الحيوانات الضخمة كالفيل او الثور او الحصان الوحشي. لأن في الأتحاد قوة الأنتاج للفرد.
وعندما نتأمل الحيوانات الاجتماعية العليا نجد ان بينها جميعا صفة عامة هي ان اولادها تقضي قسما كبيرا من اعمارها في الرضاع والطفولة. والطفل حين يرضع امه يتعلق بها ويجري خلفها ويطاوعها ويفهم اشارتها في التخويف او الترغيب. ثم ان اطفال البهائم هذه يألف بعضها بعضا بالرضاع و النشاط الحركي. فالتعلق بالأم اولا ثم الألفة بين الاطفال الرضع ثانيا، كلاهما يغرس في الاطفال الحب والتضامن، ومن هنا بداية المجتمع الحيواني.
وقد يشترك الاب مع الأم والأولاد في عائلة واحدة فيزيد التضامن وتعود هذه العلاقات العائلية اصلا للعلاقات الاجتماعية في القبيلة كما نرى في الانسان. ومن المعقول ان تكون جماعات الانسان الاولى جماعات عائلية فقط تتألف من الاب والأم والأولاد. ولكن قد يموت الاب لحادث ما فتبقى العائلة متماسكة بقوة الألفة السابقة.
وواضح ان الانسان قضى مئات الالوف من السنين وهو لا يعرف الزراعة اذ كان يعيش متنقلا يأكل ما يعرض له من جذور او فواكه برية ويصيد ما يستطيع من الحيوانات. وكان الاولاد ينتسبون للأم، لأن الانسان البدائي لم يكن يعرف ان الرجل ضروري وجوده للتلاقح، وكان يعتقد ان الاتصال الجنسي لا يقصد منه غير اكتساب اللذة. وانه لا علاقة له بالتناسل، ولهذا السبب كانت جميع الامم القديمة تنسب الى الأم.
ويتضح هذا بصورة جلية عند قدماء العرب حيث نجد ان كثيرا من اسماء القبائل ينتسب الى الأم، وما دامت القبيلة مترحلة فان النظام هذا يبقى امويا وسوف نرى برهان ذلك في اللغة العربية. فان كلمة ( رحمة ) تعود الى الرحم، اي انها العلاقة القائمة بين الأخوة من الأم وكذلك كلمة ( الحماة ) فانها والدة الزوجة.
ومعنى ذلك ان الزوجة التي هي محور العائلة تحتمي بأمها. وزوجها تابع لها يحتمي ايضا بهذه الأم ثم كان هناك الخال وهو شقيق الزوجة وقيمته كبيرة جدا عند قدماء العرب. ثم كان هناك ايضا عند قدماء العرب زواج الضمد وهو ان تتزوج المرأة جملة رجال في وقت واحد فلا يعرف الأولاد لهم أبا وانما يعرفون الأم فقط.
ولا تزال القبائل البدائية في جزيرة ( تروبرنارد ) جنوب المحيط الهادي بين قارتي استراليا وآسيا تعيش على النظام الأموي الى الان، فالسكان ينتسبون الى الأم، وللحموات والاخوال قرابة يعترف بها ولكن ليس للأب اية قرابة بالأولاد. وعلاقته الجنسية بزوجته لا تعني في زعمهم علاقة انجاب.
ولكن النظام الابوي نشأ بعد استقرار الزراعة لأن الزراعة جمعت الاب والزوجة والأولاد والماشية في مكان واحد لا يتغير، وصار الرجل هو الرأس الذي يحكم ويتحكم. فصار الانتساب اليه مكان الانتساب الى الأم.
وبأرتقاء المجتمع ظهرت صفات الارتباط بين العائلة ثم امتدت الى القبيلة والأمة كما نرى في كلمة ( الرحمة ) وكما اصبحنا نحن نقول بالأخاء بين الناس كالأخوة بين ذوي الارحام. وطفولة الانسان تمتد الى ان يبلغ من العمر 18 سنة، يتدرب خلالها على ممارسة عادات اخلاقية عائلية، تتطور بعدئذ الى فضائل اجتماعية. ويمكن القول:
1 – كان المجتمع البشري الأول عائليا فقط.
2 – كانت العائلة البشرية بسبب التنقل الدائم تتكون من الأم والأولاد فقط.
3 – من المعقول ان الزوج كان يرافق الام بعض الوقت ولكنه كان ايضا يتركها فتتخذ هي زوجا اخر في ترحالها مع الأولاد.
4 – في مثل هذا النظام يجعل الاولاد ينتسبون الى الأم لأنها هي الباقية معهم.
5 – جهل الانسان البدائي بحقيقة التناسل واعتقاده ان الأب غير ضروري للتلاقح. ولذلك نجد في لغتنا ان كلمة الحياة مشتقة من الحياء. وهو عضو التناسل في المرأة.
6 – كذلك نجد ان النظام الأموي متفشيا عند القبائل الرحل التي لم تعرف الزراعة والاستقرار كما كانت حال القبائل العربية في الازمنة السحيقة.
7 – وعندما كانت الام تموت وتترك الاولاد، يعيش الابناء معا، ومن هنا نشأت المجتمعات البشرية الاولى من نواة المجتمع العائلي.
8 – ولما عرفت الزراعة واستقرت العائلة في مكان ثابت، صار الزوج واحدا لا يتغير لأنه ارتبط بالزراعة والماشية والأولاد في حين ان الترحل القديم كان يفك العائلة فيجعل الزوج يضرب في تجواله كما كانت الزوجة تختار زوجا آخر في مكان آخر وهي في حالة الترحال.
* مقتبس من كتاب تظرية التطور واصل الانسان لسلامة موسى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط