ارفع الحيف عن أهــــلك الفقــــــراء يا دولة الرئيس

 فالح حسون الدراجي
أنا أعرف، ويعرف معي الكثير من أصدقاء وزملاء ومعارف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي – سواء أكانوا من القدامى أ
لجدد – أن الرجل منحدر من صميم طبقتنا الكادحة، وللدقة العلمية، فهو من شرائح (البرجوازية الصغيرة)، وهي طبقة لا تقل وجعاً ومعاناة عن أوجاع وهموم الطبقة البروليتارية في العراق، استناداً الى تفسيرات (بليخانوف) المادية التأريخية، حتى وإن نال أفراد أسرته تعليماً عالياً، وحصل بعضهم على شهادات والقاب علمية، ووظائف مرموقة، إلاَّ أن ذلك لن يغير من التوصيف شيئاً.. فالحقيقة الثابتة، أن الرجل مثلنا تعرض للعوز والفاقة والحرمان.
لقد عاش الكاظمي مراحل معيشية صعبة – خاصة في غربته التي بدأت منذ أول شبابه –  وقد تذوق في حياته طعم الجوع المر.. وقاسى شظف العيش، وعرف معنى العوز كما عرفناه نحن، لذلك تجده ضعيفاً أمام دمعة طفل، متعاطفاً مع أبٍ فقير، منكسراً أمام أم تشكو له عوزها.
وتأسيساً على فهمي ومعرفتي به، وبجذوره، وبعاطفته الجياشة، أخاطبه اليوم كأخ له، وزميل ومواطن عراقي، لم يعد يتحمل أكثر مما يتحمله الآن.. أخاطبه – وأنا أعرف أن الكثير من الأمور قد لا تخضع لسلطته – بحكم قوانين ونواميس الديمقراطية – لكني أعي أيضاً أن ثمة أموراً لم تزل في يده، وأن هناك خللاً كبيراً في بعض آليات ومفاصل وثقافة الدولة العراقية، يستطيع ( أبو هيا ) معالجتها، سواء بما بقي من عمر حكومته الحالية، أو حكومته القادمة – إن جددت له الولاية -.
ولعل أهم هذه الأمور، وأخطرها، معيشة الفقراء، ولأن العنوان كما يبدو واسع وفضفاض، فسأختصر بعضه في مثال واحد: مدينة الثورة التي بات اسمها مدينة الصدر، مدينة لا تحتاج أن أشرح لك عنها، فهذه مدينة الشهداء والفقراء والشعراء والعطاء الذي ما مثله عطاء قط ..
هذه المدينة هي مدينتي يا صاحبي، التي نشأت وكبرت وتعلمت فيها، مدينة لي فيها ذكريات وأصدقاء وزملاء، مدينة لا أظن أن مدينة مثلها أضاءت العراق بمصابيح الفن والشعر والرياضة والصحافة والتضحيات.. ويكفينا شرفاً أن أكثر من مائتي فتاة وسيدة شيوعية من أبناء هذه المدينة قد تم إعدامهنً على يد النظام الصدامي البعثي، تخيل أن مدينة واحدة تقدم مائتي سيدة قرابين طاهرة على مذبح الحرية، فأية عظمة وروعة وفخراً يمكن أن تتوشح به هذه المدينة المعطاء.. وطبعاً، فإن الحديث سيطول والأرقام تتعالى حين أتحدث عن شهداء الحركة الاسلامية واليسارية، والشهداء الجنود الذين استشهدوا من أبناء هذه المدينة، دفاعاً عن العراق وشرف الأرض العراقية.
أمس، كنت في مدينة الثورة ( مدينة الصدر)، وشاهدت صوراً مفجعة من صور الأسى العراقي.. رأيت أطفالاً جائعين في ( حي طارق) – احدى ضواحي المدينة – وهم يبحثون في حاويات القمامة عن كسرة خبز يسدون بها رمقهم، ولمحت هناك أمهات عراقيات نجيبات يبعن بعض ما بقي في بيوتهن من أثاث متبقٍ، فتذكرت زمن المقبور صدام، حين باعت النساء العراقيات أثاث البيوت والملابس بل وحتى خواتم الزواج العزيزة، بينما باع الآباء كل شيء، بما فيها شبابيك البيوت.
وفي مدينتي، ذهبت أمس الى دائرة العقاري، و بلديات ( مدينة الصدر)، وقد هالني ما رأيت من ظلم تمارسه أمانة بغداد بقوانينها الجائرة بحق أبناء المدينة، رغم محاولات مديري البلدية وموظفيها للتخفيف من حدة الظلم، ولكن ما في يدهم حيلة، فالأمر خارج عن اراداتهم..
 هل تصدق يا دولة الرئيس أن هناك غرامات مخبولة لا يمكن تصديق أسبابها، فضلاً عن كونها باهظة وفادحة تكسر الظهر، طبعاً فإنك تعرف أنهم أناس لم تعد لديهم ظهور تتحمل الكسر، أو حتى الحمل البسيط.. فمثلاً هناك من يحتاج، وقد يضربه العوز على يافوخه، فيضطر مكرهاً الى بيع (نصف القطعة) أي نصف بيته الذي يسكن فيه، علماً أن مساحة هذا البيت هي أقل من نصف مساحة أي بيت في مناطق بغداد الأخرى، وطبعاً فإن سعر نصف القطعة المباعة لايتجاوز الستين أو السبعين مليون دينار، وهنا تنبري أمانة بغداد للبائع، وتسجل عليه مخالفة، ثم تطالبه بغرامة تتراوح ما بين خمسة ملايين دينار الى عشرة ملايين !
لماذا هذه (المخالفة) والرجل باع نصف بيته ( من ضيمه)؟
لا أحد يجيب، وحين يتأخر عن الدفع، تتراكم عليه الغرامة، فتخاطب البلدية دائرة العقاري، لتضع إشارة الحجز على نصف القطعة المتبقي، وسيظل الحجز سيفاً على رقبة المسكين حتى يتم دفع الغرامة..
والسؤال: ما علاقة الأمانة بـ( مكرود) يريد بيع نصف داره ؟!
   طبعاً، هناك غرامات لا تعد ولا تحصى منها غرامة تحويل الملكية، قدرها حوالي خمسة ملايين دينار، وهذه الغرامة اجتهاد من مدير البلدية، لأن الغرامات بالأصل تشمل البنايات التجارية فقط، وليس السكنية، لكن الجماعة ( يخبزون) السكنية والتجارية معاً، وهناك غرامات المهنة والاعلان والنفايات للمحلات، وهي غرامات باهظة جداً.. ولن أحدثك عن غرامات أجازات البناء، والترميم، والإضافة، حتى لو يريد اضافة مرحاض في بيته، ناهيك من الرشاوى التي يتطلب على ( المتورط ) في البناء دفعها!.
وهناك ضريبة سنوية، تفرض على صاحب أي مطعم في مدينة الصدر، وقدرها ستة ملايين دينار سنوياً – أي بمعدل عشرين ألف دينار يومياً – وكأن الأمانة باتت شريكاً مع صاحب المطعم- وقد لا يربح هذا المسكين عشرين الف دينار يومياً، خاصة أصحاب المطاعم الصغيرة كمطاعم الفلافل والسندويشات وغيرها .. وهناك ضرائب وغرامات كثيرة جداً بعضها لا تصدق!
زبدة المقال يا دولة الرئيس، أن أهلك الفقراء الكادحين في هذه المدينة حملوني سلاماً عطراً اليك، وهم يناشدونك بالالتفات اليهم والى أحوالهم، والنظر الى ظروفهم الصعبة بعين رحيمة ( خاصة )، ولعل أول الأمور التي يبغون مساعدتك فيها: إعفاء مدينة الصدر من هذه الغرامات والضرائب .. فأكتافهم باتت من شدة الهزال لا تقوى على حمل أي ثقل من اثقال هذه الضرائب والغرامات الباهظة..
ختاماً – وهذه مني يا دولة الرئيس – أناشدك أن تلتفت لمدينة الثورة، مدينة الزعيم عبد الكريم قاسم، ومدينة الصدر، وتمنحها بعض ما تستحق، كما التفتّ الى مدينة النجف قبل أيام، ومنحتها بعض ما تستحق – وليس كل ما تستحقه- فالثورة ليست مثل الكرادة والمنصور لكي تتساوى فيها الضرائب والغرامات .. ارفع الحيف عن أهلنا وأهلك، والغِ الغرامات والضرائب عن مدينة الشهداء ..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here