اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره عن سورة البقرة (ح 10)

د. فاضل حسن شريف
قال آية الله السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره عن الزلزلة: أما الزلزلة فواضحةٌ، حيث قال الله عزَّ وجلّ “مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة 214). فالزلزلة حالةٌ نفسيةٌ شديدةٌ من الخوف والرهبة من الحاضر أو المستقبل المنظور. وسميت زلزلةً لأنها تزلزل البدن وتجعله غالباً يرتجف ويهتزُّ كالزلزلة. بل حتى لو أراد صاحبه أن يوقف رعدته لم يستطع, وكذلك الحال في الزلزلة. ولا حاجة معه إلى أن نشير إلى أنَّ الآتي بهذه الزلزلة والرافع لها هو الله سبحانه. أما كونه الآتي بالزلزلة، فباعتبار قوله: “زلزلوا” بصيغة المبنيِّ للمجهول, فإنَّ الفاعل الحقيقيَّ هو الله سبحانه, بعد غضِّ النظر عن الأسباب التي هي من أنواع البلاء في الدنيا. وأما كونه الرافع للزلزلة، فباعتبار أمورٍ كثيرةٍ من الأمل برحمته تعالى، يعرفها المتشرعة، منها قوله تعالى في نفس الآية: “مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة 214). وإذا جاء نصر الله عزَّ وجلَّ ارتفعت الزلزلة بطبيعة الحال. ومن هنا كانت صلاة الآيات لدى حصول الزلزلة، ليحصل التضرع والخشوع والخضوع والرجوع إلى الله عزَّ وجلّ، عسى أن يمنَّ جلَّ جلاله بزوال البلاء الظاهريِّ أو الباطنيّ. ولا يخفى أنَّ الزلزلة المعروفة، هي من أنواع البلاء لا محالة، لما يذهب فيها من تلف النفوس والأموال.
جاء في كتاب نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: أن في الإسلام ضرائب معينة وليس للدولة ولا للناس رأي فيها، وإن هذه الضرائب هي من جملة القانون الإلهي الوارد لأجل مصلحة البشر، ولا حاجة بعد ضمان المصلحة إلى إحراز موافقة الناس عليها لأنه “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة 216).
يقول آية الله الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: وقد ورد في السنة ما مؤداه: إنَّ المؤمن لا عبادة له في الجنة إلا التحية والذكر. أقول: فالتحية فيما بينهم، والذكر لله سبحانه. وقوله: في الآخرة حسابٌ ولا عمل، معنىً مطلقٌ يمكن تقييده بمثل هذه الأدلَّة، وهذه الوجوه. قوله: في الدنيا عملٌ ولا حسابٌ. فإذا لم يكن الحساب موجوداً، فهذا يخالف ما ورد في الكتاب والسنة والتجربة من وجود العقوبات الدنيوية البسيطة والمهمة، نتيجةً لذنوب الناس، وهذا قطعيٌّ لا شكَّ فيه. ويمكن الجمع بين الفكرتين بأحد وجوهٍ، نذكر منها: الوجه الأول: أنَّ المنفيَّ في الخبر هو الحساب لا العقاب، وما هو الثابت في الدنيا هو العقاب لا الحساب، فإذا اختلف الأمران انتفى التنافي. الوجه الثاني: أنَّ المراد بالحساب الذي ينفيه الحديث عن الدنيا، ما يحصل في الآخرة من استقراء أعمال الفرد واحدةً واحدة، لينال جزاءه منها بالعدل الإلهي، إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌّ. وهذا الحساب غير موجودٍ في الدنيا يقيناً، ومن الواضح أنَّ أنواع العقوبات الدنيوية ليس من هذا القبيل. الوجه الثالث: أنَّ العقوبات الدنيوية ليست عقوبات بالمعنى الكامل، بل هي لمجرد إلفات النظر، مقدمةً للإستغفار والتوبة، ومن هنا قال سبحانه: “لعَلَّهُمْ يَتَذكَّرُونَ” (البقرة 221). وأما العقاب الكامل، فهو منحصرٌ في الآخرة، وهذا كافٍ في فهم الحديث الشريف.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here