كان يا ما كان … وما هو كائن الآن … وما سيكون بعد آن؟!

أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
كان يا ما كان … وما هو كائن الآن … وما سيكون بعد آن؟!

1) قرر دستور البلاد عام 2005 أن “النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”، وأناط مهمة إدارة استغلالهما وتطويرهما بتشارك الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة بمعيار تحقيق المنفعة الأعلى للمالك وينظم ذلك بقانون. لم يُشَرّع هذا القانون لغاية الحين رغم صدور الكثير من مسودات مشروعاته بسبب عدم التوافق السياسي عليها، ولكن بالمقابل شَرَّع إقليم كردستان قانونه الخاص بالنفط والغاز عام 2007، وتولت وزارة النفط الاتحادية إدارة النفط والغاز خارج الإقليم بمفردها من دون مشاركة المحافظات المنتجة:
كان التوافق السياسي النفعي والآني الضيق عنوانا لنمط الإدارة السائد للموارد النفطية!
كان نمطا مُنتهكا لأحكام الدستور وطيّعا على الإدارة غير المحترفة لتلك الموارد!
كان الخاسر الأكبر في هذا النمط من الإدارة مالك الموارد ومنتجيها في المحافظات!

2) بقرارها في 15 شباط 2022 بعدم دستورية قانون النفط والغاز لإقليم كردستان، أوجدت المحكمة الاتحادية العليا واقعا جديدا لإدارة الموارد النفطية الوطنية والتصرف بمخرجاتها:
إسقاط “نمط التوافق السياسي” غير الدستوري في إدارة لموارد النفطية، والعودة به إلى “النمط القانوني” (قانون تنظيم وزارة النفط رقم 101 لسنة 1976) كخطوة انتقالية موصلة قريبا إلى “نمط التوافق الدستوري” في هذه الإدارة (أحكام مواد الدستور النافذ ذات الصلة)!
“إلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان.. إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية..”، وهذا يعني أولا، أن جميع “العمليات النفطية” حتى فوهة البئر ستبقى تحت ولاية حكومة الإقليم ولكن بدون سند قانوني لهذه الولاية بعد إلغاء القانون نفسه؛ وثانيا، لن تتمكن وزارة النفط الاتحادية “من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه..” من حقول الإقليم بعد تخليها عن شركاتها (باستثناء سومو) ومن ضمنها دائرة العقود والتراخيص البترولية لصالح شركة النفط الوطنية العراقية، الموصوفة بعض أحكام قانونها بعدم الدستورية!
سَيُثير تولي شركة النفط الوطنية مسؤوليات إدارة حقول الإقليم نزاعا قانونيا ودستوريا جديدا بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، وسيُعيد نظام الإدارة إلى مربع “التوافق السياسي” غير الدستوري بعد أن أخرجها منه قرار سابق للمحكمة (عام 2019) ووضعها على سكة “التوافق الاجتماعي” الدستوري بإبطاله حوالي 25% من أحكامه من جانب أول؛ ولكن من جانب ثان، أبقى القرار على الهيكل التنظيمي نفسه للشركة، حيث يتحكم (6) أشخاص طبيعيون (رئيس الشركة ورئيس مجلس إدارتها، ونائبيه، وثلاثة خبراء) من أصل (11) عضوا في مجلس إدارتها بجميع القرارات، حيث تنص (الفقرة 4 من المادة 8/ثانيا من قانون الشركة، وليس معروفا ما إذا كانت هذه المهمة مشمولة أيضا بصفة عدم الدستورية كحال “غالبية” مهامها كما يقول القرار المذكور): “يتخذ المجلس قراراته المتعلقة بالسياسات والتعاقدات والاستثمار بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس”!

3) أحدث قرار المحكمة انقلابا مؤسساتيا كبيرا ونوعيا في نظام إدارة الموارد النفطية الوطنية، يتطلب تعاملا كبيرا ونوعيا مُماثلا معه في الأمد القصير:
على الرغم من أن القرار جاء متأخرا جدا، وعلى الرغم من مجيئه في ظروف تعثر تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات المبكرة، إلا أنه ضروري لنزع عباءة المناورات السياسية عن إدارة مواردنا النفطية وإلباسه عباءة التوافق الاجتماعي الوطني الدستوري بتشريع قانون النفط والغاز الاتحادي عاجلا، الذي ورد في حيثيات الحكم بالقرار!
وحتى لا يضيع الوقت سدى في النقاشات التنظيمية والقانونية والفنية حول مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي (وهي طريقة جربتها القوى السياسية الحاكمة لتعطيل تشريعه)، أُذكر القارئ الكريم بمقترحي الوارد في كتابي (المكانة المؤسساتية لشركة النفط الوطنية العراقية في منظومة إدارة الموارد النفطية، الصادر عن مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد، 2021) والخاص بتشريع قانون “مؤسسة المجلس الاتحادي للطاقة والإعمار”، تكون العضوية فيه حصرية للحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة (وهو ما يتوافق مع قرارات المحكمة ذات الصلة)، وأن تكون شركة النفط الوطنية العراقية بعد تعديل قانونها “المُشغل الوطني الحصري” للموارد النفطية في المجلس المقترح!
وبانتظار حصول التوافق الدستوري على “القانون الاتحادي” أو “المجلس الاتحادي”، وبغرض عدم تعطيل الإنتاج من حقول إقليم كردستان وضمان قبول حكومتها للقرار وتجنب التحكيم الدولي حول عقودها المُبرمة بنمط “المشاركة بالإنتاج”، أرى أن تشمل وزارة النفط الاتحادية هذه الحقول بنمط “المشاركة بالأرباح” على غرار عقود حقول المنصورية وارطاوي، وليس بنمط “عقود الخدمة” كما يقترح البعض من الباحثين، رغم إقراري بعدم وجود سند قانوني أو دستوري يُجيز إبرام أنماط عقود المشاركة بالإنتاج أو الأرباح!
… بهذا القرار الشجاع، أظن أن بلادنا سَتُرسي دعائم نظام جديد مُنصف وفاعل ومُثمر لإدارة مواردها النفطية لا ينتهك الحقوق الدستورية لأصحابها الشرعيين … برافو يا محكمة يا عليا!
………………………………
د. جواد الكعبي، باحث أكاديمي
18 شباط 2022
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here