محطة رقم 9 الفرزة السابعة

محطة رقم 9 الفرزة السابعة
رجعتُ الى خالتيّ وأمي في الفندق وأودعتُ المبلغ عند خالتي زوجة الحاج حسون وبتنا الليلة ثم
انطلقنا في الصباح الباكر من الرياض صَوْبَ مكة المكرمة وعلينا أن ندخل مدينة الطائف أولاً ثم
وصلناها قبل الغروب واستقر الموقف بالوقوف بإحدى الساحات فنزل الجميع وجماعتي معهم
وأخبرتُ امّي وخالَتّي بأني ذاهب للبحث عن فندقٍ قريبٍ وكانت المدينة خاليةً من الـمارّة وأثناء
مـسيري في الشارع التقيتُ شـابًّا لا يتعـدى عمره الثامنة عـشرة فسألتُهُ عن أقرب فندق فقال
لي وهو يُريدُ شراء مصباحٍ كهربائي مثل الذي بيده تعال أوصلك في سيارتي بعد شرائي
المصباح فأوضحتُ له أن معي نـسوةً فترك شراء المصباح وقال تعال نذهب اليهن فتحَرّجتُ من
الموافقة وحاولتُ أن أنسحب باعتذاري وشكري له إلّا أنّه أصرّ على ايصالنا الى الفندق وبعد ان
وصلنا الى لأحد الفنادق دخلتُ وإيّـاه صالة الفندق فاسـتقبله أحـد العاملين فيه بالترحاب وقـبّـلَ
يَـدَهُ فَـلَـفَـتَ نظري هذا التصرف وبعد أن أوصاهُ بنا خرجتُ معه وأنزلتُ أمّي مع خالَـتَيَّ وشكرتُهُ
كثيرًا الا أني سألتُهُ عن موضوع تقبيل يده فأجاب بأنهم يعرفون اُمراءَهم ثم انصرف.
وفي الصباح وقبل الخروج سألتُ الشخص الذي قَـبّـل اليد/هل أنتَ سـعودي فأجابني بأنّهُ يماني
فتبين لي أن السعودي هو السيد وأنّ أي أجنبي هو الخادم وعليه تقبيل ايدي السعودي.
عُـدُتُ وجماعتي الى سيارتنا وبعد أن اكتمل العدد توجهنا الى مكّة المكرمة لأداء عُمرة الحج وقد
توقفنا عند الظهر بمنطقة لـنُحرم منها وهي ميقاتُ القادمين عن طريق العـراق اسمه/ ذات عِرْق
وما قاله لنا السائق او مساعده أنه وادي العـقيق كان غـير صحيحٍ فـوادي العـقـيق ميقات الحاج
القادم من المدينة المنورة وبُعرف بآبار علي وهي سبعة آبار حفرها الامام علي للحجيج وبقيت.
دخلنا الى مكة المكرمة محرمين وطفنا طواف عُـمرة الحج حول البيت المعـمور والصفا والمروة
وهنا لا بُدّ من توضيح موقفين وهما/أن جدتي زنوبة طلبت أن أحج لها نيابةً عنها لكونها مقعدةٌ
وعاجزةٌ مقابل الدنانير التسعة التي أقرضتني إياها أيام امتحاني في الدور الثاني في الإعدادية.
والموقف الآخر هو أن الحاج حسون محمد الناصر أعطاني/10 دنانير لأحج نيابةً عن أبيه ولأني
لم أعرف شيءً عن موضوع الحج استسهلتُ الطلبين واتفقتُ معهما على ذلك.
أنجزتُ العُمرةَ لي وبقي عليَّ أن انجز الاثنتين وبعد انجازهما تَبينَ لي أنّي مغلوبٌ مغلوب فقد نال
مني التعب وتمنيتُ أن أعودَ لأجدد الاتفاق أو الانـسحاب ولكن فات الأوان وقد أديتُ الشعائر كُلّها
عدا الهدي لأني لم أتسلم مبلغه منهما.
والطريف أن جدّتي بعد عودتنا طالبتني بالدين مُتَحَجِّجَةً بأنها قـد سألتْ عالم دين فقال لها بعدم
جواز إنابة الحج عن الحي فضحكتُ وقلتُ لها/ رَجّعي لي تعبي حتى أعطيكِ دَيْنَكِ.
وبعـد أن أدّينا العُـمرة ذهبنا الى بيتٍ متواضعٍ اسـتأجره مسؤول الحَمْلَه الحاج شامل الا أنه كان
في موقع قريب من الحَرَم والمنطقة التجارية فكنتُ وأمّي وخالتّي في حجـرة والرجال في حجـرة
الاسـتقبال وأما النساء الاخريات ففي الحُجُرات داخل البيت.
كان المسؤول السعودي والذي يُسَمّى بالسعودية / المُطَوّف/ هو أحمد فوده وله علاقة بمسؤول
الحَملةِ الحاج شامل وهذا شرط الزامي من الحكومة لتكون مسؤولية الحجاج عند فقدان أحدهم
بينهما كما تُوجد اتفاقات على توفير السكن للحجاج في مكة والمدينة وبعـد أن أدّينا الفروض
والشعائر خرجنا للمدينة المنورة.
والشيء بالشيء يُذكر أن المُطّوف أحمد فودة كان من المعارضين لحُكْمِ آل سعود وقام هو
والمعارضين بانتفاضة في مدينة مكة وذلك في بداية السبعينات وبعد تصدع موقفهم احتمى ببيت
الله الحرام مع مَنْ بقي من مجموعته من المعارضين وقد استباح آل سعود البيت الحرام بدخول
الدبابات الى الكعبة المُشرفة وتم قتل جميع المحتمين بالبيت.
كما لفتَ نظري بموقف رمي الجَمَراتِ أن غالبية الحجاج لا يرمون جَمَراتهم بصورة دقيقة في
رجم الشيطان وقد تَبَيّنَ لي اثناء رمي جمراتي أنّ الرجل الذي كان بجانبي الايمن كانت جمراتُهُ
غالبيتها تأتي في رأسي بحيث آلمني فاضطرني لأمـسك بيده وأرمي باقي جمراته والاغرب أن
بعض الحجاج لا يكتفي بالجمرات فيرمي بنعاله على الشيطان والاعمال بالنيّات.
أنهينا مراسم الحج في مكة المكرمة وتوجهنا الى المدينة المنورة وبعد زيارة قبر الرسول عليه
وآله صلوات الله وسلامه أديتُ صلاتي ما بين القبر الشريف والمنبر ولفت نظري أن الشرطة
كانت تمنع الحججاج الذين يُريدون تقبيل الشباك الذي يلي ضريح الرسول صلى الله عليه وآله
وسلّم ويقولون/ لا تُشرك يا حاج/ لكنهم يسمحون بتقبيل الشباك الذي يلي قبري الخليفتين ابي
بكر وعمر.
وفي أحد الأمسية وصلتُ الى المسجد الشريف فلم أجد الا مكانًا خارج محيط المسجد فوقفتُ في
آخر صف لوحدي لمجموعة كانت امامي فافترشتُ الأرض وهي من الحصى الناعم وأخذتُ
بالتسبيح ولا أدري ما ورائي فأذّن المؤذن لصلاة المغرب وكان ضوء الشمس ما زال ظاهرًا
للعيان فقامت المجموعة التي أمامي للصلاة وبقيتُ أنتظر ذهابَ الحمرةِ المشرقية وما هي إلّا
دقائق حتى شعرتُ بضربة في ظهري بقبضة حصى فلم ألتفتْ ثم بأخرى وبثالثة أقوى فالتفتُ
فاذا برجل يلبس لباسًا أخضرًا على انه من أهل الجنة وهو امام مجموعة جاءت بعدي فأخذ
ينعتني بقوله لي / شيعي شيوعي كافر/ ومعه الصف الأول من جماعة المصلين فانتفضتُ
بوجهه قائمًا لأقول له / أسمعْ يا شيخ أنا أعبد الله لا أعبد غيره وأن وقتَ الصلاة مازال فلا
داعي للتهريج / واستمر الصياح بيننا فطلب إمام المجموعة احضار الشرطة.
والغريب أن الصف الأخير من المجموعة التي كانتْ أمامي قد تعاطفتْ معي فأخذوا يؤشرون لي
بأيديهم/ إشلع إشلع/ فانسحبتُ ودخلتُ الى داخل المسجد وكفى اللهُ المؤمنين القتال وهنا أترك
التعليق الى القارئ.
مكثنا في المدينة المنورة عِـدّة أيام ثم قفلنا راجعين الى العراق ولطول الطريق وتعـب الجميع
أراد الحاج شـامل أخـذَ قـسطٍ من النوم والوقتُ ليلًا فَـسَـلّمَ لمساعـده جاسم قيادة السيارة وصعد
على ظهر السيارة ليأخذ غفوةً من النوم بعد أخذه الاحتياطات لتأمين نفسِهِ من السقوط.
سار بنا جاسم وفي الطريق تنشب مَـشادّةٌ كلامية بين الحاج حسين ابن عـم والدتي الجالس الى
جانبي ورجل سيد كبير الـسن جالس الى جانبه وسبب المَشادّة هو أنّ السيد من تعـبه ينام على
كتف الحاج حسين وأخـذ الاثـنان يدعـو بعضهما على الاخر فتدخلنا للتهدئة وبعـد قطع مرحلة
اعترض طريقنا طريقٌ عرضيٌّ خالي من عـلامات المرور إلّا أن جاسم لم ينتبه لذلك فاستسلم
للقدر واتجه الى الامام ليرتطم بتلٍّ ظهر أنّهُ رملي فدخل الجزء الامامي كله بالتل وسقط الحاج
شامل من سطح السيارة رغم الاحتياطات أمّا أنا فارتطمتُ بعـمود الماء الحديدي النازل من
الخزان المثبت في سطح السيارة ومن لطف الله بنا أننا لم نتضرر الّا بكدماتٍ بـسيطةٍ ولكن
الطريف أن الحاج حسين بـدأ النقاش مع السيد وهو يقول له هذا بسبب دعائي عليك ويرد عليه
السيد فيقول له: بل هذا بـسبب دعائي وعـلا صوتهما فـتدخّلتُ لأفض النزاع وأنا أضحك وقـلتُ:
دعاؤكما كاد أن يوصلنا جميعًا الى المقبرة فرجاءً اتركا هذا الخصام.
وما ان وصلنا الكويت وتوقفنا لأخذ قسط من الراحة حتى علا صياح امرأة خلفنا مع رجل جالس
الى جنبها واذا به الحاج عبد الرضا والد المعلم عبد الواحد ابن محلتي الذي يسكن في نوكرنازر
وهو رجل كبير الـسن هزيل البُنية كان يعمل كاتبًا للعـرائض امام المحافظة أو دائرة الإصلاح
الزراعي ولعلمي به ومعرفتي بأخلاقه وعائلته فقد تدخلتُ للدفاع عنه وحاولتُ افهام المرأةِ بأن
الرجل كبير وضعيف ومتعب وليس عنده قصد سيّئ فيقع رأسه عليك دون ارادته الا انها لم
تقتنع وعلى صوتُها مما دفعني لأن أحاول ضربها وهي بداخل السيارة فاعترضني الحاج شامل
ثم نقلها لكرسي آخر وكان عليه ان يفعل التحويل من البداية.
دخلنا العراق والحمد لله بـسلام ووصلنا مدينتنا الكوت وذهب كل حاج مع أهله ومُـسْـتَـقْـبِليه وقـد
كانت العادة ان يمكث الحاج ثلاثة أيام لاستقبال المهنئين وكانت اقامتي مع ابن عـم والدتي الحاج
حسين علي حبيب الوائلي في دار أخيه حسن التابعة لدائرة الري المقابله لبيت المحافظ وبعـد أن
انتهت الأيام الثلاثة رجعتُ الى دارنا وكانت خالـتي زوجة الحاج حـسون ما زالتْ عـندنا فطالبتها
بالأمانة التي عندها فقالتْ لي: أنها أقرضتها الى الحاج شامل بعـد أن طلب منها أن تُقرضه مبلغًا
من المال/ هنا أصابتني الصدمة فما افعل وبعد نقاش مع خالتي قررتُ الذهاب لمسكنه الواقع في
العباسية وطرقتُ الباب فخرجت لي زوجتُه وهي معلمة ليست من عوائل الكوت فسألتُها عنه
فكان جوابها في بغداد وشرحتُ لها الموضوع فوعدتني بأنها ستُخبره عند مجيئه وبعد أيام
عُـدتُ اليها فأجابتني بأنّه ما زال في بغداد استغرق ترددي عليها اسبوعان وهي تعدني بأنّها
سـتُخبره مما خلق عندي الشك والريبة فعلا صوتي وعلا صوتُها وأفاضت في كلامها المبتذل
فقلتُ: لها حـددي يومًا أتسلم فيه المبلغ فوعدتني عند قبض راتبها الشهري وفي الموعـد اتيتُ
وتـسلمتُ المبلغ منها وهي تُشيعني بكلامٍ ماسخ عِوضًا عن شكري.
وأما عن الحاج شامل فكنتُ أتأمل منه أن يأتي ويعتذر لي عن تصرف زوجته إلّا انه لم يأتِ ولم
ألتقِ به الا في صيف عام 1979 عـند مراجعـته لغرفة التجارة لإنجاز معاملةٍ له ومن ذلك اليوم
والى الان لا أدري أين حلّ به الدهر وقد سمعتُ أنه تزوج بثانية.
وقد صدق القائل: ثلاثةً لا يُمْكِنُ رؤيتُهم / الملائكة والجن والعراقي إذا تداين من أحد.
أمّا صاحب الأمانة فقد زارني في منتصف عام 1970 في غرفة التجارة وشرحتُ له ما قد حصل
ودعوتُهُ للغداء في اليوم التالي فوعدني ولم يأتِ.
أمّا والدي وبعد أسابيع من قدومي من مكة فاجأني بطلبٍ غريبٍ أزمني به وهو إحضار مبلغ30
دينارًا فظننتُ أنّه عن تسديد أحد دائنيه فاستفسرتُ منه فقال لي أريد أن أرسله الى نافع ولأني
لا أريد ردّ والدي بعدم توفر هذا المبلغ لكوني لا اعمل الا أني وجدتُ طلبه لا يُمكنني أن أردّه
أدبًا واحترامًا فوعدته خيرًا ثم خطر على بالي ما وعدني به عمي الحاج نـوري من مـساعـدتي
عندما طلبتُها منه أثناء تحضيري للدراسة في تركيا فذهبتُ له عصر ذلك اليوم وشرحتُ الموقف
له وبدون ان يناقشني وكان خارج محله فتوجه لداخل المحل واخرج لي مبلغ ثلاثين دينارًا وهو
المبلغ الذي أراده والدي ولا ادري كيف تحدد المبلغ من قبل عمي.
الدنمارك / كوبنهاجن الخميس في 17 شباط 2022
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here