صناعة البطالة تزدهر في العراق

صناعة البطالة تزدهر في العراق
البطالة بمعناها الصحيح ، أن يكون الإنسان قادرا وراغبا للقيام بالعمل ولكنه لم يجد فرصة يعتقد أنها مناسبة بالفعل رغم ما يبذله من جهد بهذا الخصوص ، وفي هذا السياق نخص ثلاثة عوامل وهي القدرة والرغبة والفرصة ، والقدرة ليست بالضرورة معارف ومهارات اكتسبت من الدراسة او التأهيل او أي وسيلة أخرى وإنما ملائمة قدراته العقلية والبدنية والمهارية مع ما يمكن أن تتوفر من أعمال ، ومن الأخطاء الشائعة عند البعض هو تفضيل قدرات معينة على أخرى ليس لها رواج في أسواق العمل من باب التمسك غير المبرر فقد يكون الفرد يمتلك قدرات علمية ومهارات متنوعة ولكنه يفضل تحصيله الدراسي على ما يمتلك من قدرات فيقع في خطا الاختيار ويصنع البطالة لنفسه دون إدراك ، ولوتم إحصاء عدد العاطلين عن العمل وتم تحليل قدراتهم لوجدنا الكثير من القدرات المهدورة التي استثمرها البعض ممن لديهم الاستعداد في التضحية بالبارز من قدراتهم وتوظيف قدرات أخرى تجد فرصا في الأعمال .
والرغبة تشير إلى الاستعداد السلوكي للعمل والتضحية للحصول على الأجر المشروع ، وتتفاوت درجاتها من إنسان إلى إنسان من حيث الكم والنوع ، فالرغبة لا تعني أحلام اليقظة والكبرياء والتباهي وإنما تتطلب قدرا من التضحيات و القبول بالتنازل المعقول بما يؤدي إلى تحويل القدرات لواقع ملموس ، والكثير منا يهدر الفرص رغم رغبته العالية لأسباب واعتبارات تعيق تفجير الرغبات كالكسل والاعتماد على الغير والتردد في اختيار القرار او انتظار الفرصة حتى تجيء ، والعديد من الذين لا يمارسون الأعمال ويعدون أنفسهم من العاطلين هم من الذين يجدون صعوبات في مطابقة رغباتهم مع قدراتهم والمتاح من فرص العمل فهم ينحازون بتلك الرغبات بما يعتقدون انه مطابق للبارز من القدرات ، والبعض يرفض العمل بمجالات خدمية او ثانوية او هامشية من باب الكبرياء ، متناسين إن البطالة قد تنال الكرامة أكثر من الكبرياء ، وفي ذلك يتذكر البعض ممن درسوا في الخارج من دون تمويل ماذا عملوا لكي يوفروا مصاريف الدراسة والمعيشة رغم إنهم كانوا يدرسون في الدراسات العليا او في فروع وتخصصات دقيقة ، فرغبتهم الممزوجة بالتضحية هي التي قادتهم لولوج الممكن والمستطاع وليس الوقوف على الأطلال ، وفرص العمل في بلدنا محدودة وقد لا تكون بالقدر الذي يطابق القدرات والرغبات التي يبديها البعض ، ولأنها محدودة فإنها لا تبقى شاغرة إلى الأبد فمصيرها أن تشغل من هذا او ذاك ، واغلب أصحاب الأعمال يقدمون ابسط العروض والمزايا لإشغال الأعمال لأنها تمثل كلفة بالنسبة لهم وهم من الباحثين عن الأرباح لذا فأنهم يسندون العمل لمن لا يزايد على الشروط إلا عند الاضطرار الشديد ، وأمام تنازل بعض الشباب عن الكثير من الأعمال نجد إن عمال من مختلف المحافظات يزاولون الأعمال وينقلون البطالة من محافظاتهم إلى مدن أخرى فيعملون في البناء والمخابز والأفران وفي الكثير من الأعمال ، وهي تناسب رغباتهم في العمل قبل كل الأشياء رغم إن منهم يمتلكون قدرات أعلى بما هم يعملوه ، كما إن العمالة العربية والأجنبية لا تجد صعوبات في إشغال أعمال في حقيقتها من بقايا الرغبات والقدرات وهدر الفرص أي إنهم يعملون على منتجاتنا في صناعة البطالة .
ورغم إننا لا نمتلك إحصاءات دقيقة عن عدد العاطلين عن العمل ، إلا إننا نتوقع بان الكثير من فرص العمل التي يشغلها العاملون من خارج سكناهم وإقامتهم ( من الداخل والخارج ) بالإمكان أن تشغل من قبل مستحقيها الأقرب في المكان والتوقيت ولكنهم لم يستثمروها لأسباب اغلبها تتعلق بعدم القدرة على التكييف الصحيح للرغبات والقدرات بما ينسجم مع واقع الحال والأعمال ، فهناك من لا تبعد عنهم فرص الأعمال المهدورة خطوات او أميال لكنهم يشكون البطالة ويعبرون عن استيائهم منها بكل ما يستطيعونه من إشكال ، وليس الهدف رمي اللوم على العاطلين في كل الأسباب والنتائج فهناك جهات عديدة تتحمل وزر ما يحصل منذ سنوات ، ولكنا نقول ذلك من خشيتنا عليهم كون الوقائع الحالية تشير إلى إن الفرد مطالب بان يتشبث بعمل معقول بدلا إن يكون منتجا في صناعة البطالة ، فالوزارات والدوائر تشكو الترهل والتضخم بنفقات الأفراد والتوجهات الاقتصادية لا تشير إلى أمل قريب في تفعيل قطاعات الأعمال ، والمؤكد حاليا إن البطالة ستزداد ومعالجتها تتعقد وتحتاج لإرادة تتفوق على الموجود ، بمعنى إن الخيارات باتت محدودة وتضيق والعمر يمضي ولا يعود لذا فان اقتناص الفرص أفضل من الحسرة على المفقود ، ولا يعني ذلك الهدر بكرامة الإنسان او المبالغة في العمل خارج القدرات ، وإنما القصد هو خلق فرص للعمل بمشاريع فردية او جماعية او اقتناص الموجود وعدم التعويل على التعيين والمكرمات لا في العام ولا المختلط ولا الخاص فجميعها تمر بنفس الداء ، وصناعة البطالة تزدهر أكثر مادام إخراج العمالة الخارجية تكتنفه الصعوبات لان الدولة لم تعرف عددهم بعد .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here