متعة القراءة في (بحر ازرق .. قمر أبيض)

متعة القراءة في
(بحر ازرق .. قمر أبيض)
رنا صباح خليل
بمزاوجة بين الواقع كحقيقة بائنة وبين الخيال بوصفه حلما قابل للتحقيق ينتصر حسن البحار في روايته (بحر ازرق قمر ابيض) لجمال الحكاية وحكايته كما عنوان روايته واضحة لا غموض فيها أو تعقيد، أما فتنتها فتكمن في ايقاعها السردي المؤثر ولغتها التي ترقى بالمشاعر الجميلة والاحاسيس العذبة الى درجة رفيعة من العلو، فهي تحاكي تجربة الهوى والوقوع في شراكها الجاذبة لمتعة القراءة بما تخفيه من معاناة وألم، هذه المتعة والاحساس بها هو ما دفعني للكتابة عن الرواية بعدما باتت تفارقنا تلك المتع ونحن نقرأ الكثير من الروايات وهي محملة بكم هائل من افانين السياسة واحكام الوضع الاجتماعي المتردي، على الرغم من انني لا انتقص من هذا الشأن ولكنني مثل غيري من القراء ابحث عن التلقي الممتع لما اقرأ وهو من اهداف الرواية المهمة، ولا يخفى ان تجربة الحب هي وليدة تجارب إنسانية ممتدة في كل زمان ومكان ولذلك فإن الروائي قولبها في اطار لا يكتنف فيه لحبٍ نشأ بين اثنين وهو محكوم برحلة لها مداها الزمني المحدد ومكانها الذي يقع خارج البلد الذي يقصده من وقع بذلك الحب وعن طريقه يصف لنا الراوي بصيغة المتكلم التداعيات التي يمر بها بطل الرواية ليكون هو بطل الروي الاوحد الذي يصور لنا بعينه الرائية وقلبه الدافق ما يحفر فيه عميقا في سفوح نصه ويقدم لنا صورا مختلفة لبلاد متعددة مثلت عالما ضبابيا صاخبا مجنونا يضم تنقلات عدة ما بين شاطئ ومحيط ومضيق ومدينة صغيرة واخرى كبيرة، تعقبه ضلال هدوء ماكر وهيام يتجدد بلا انقطاع رغم فتوره العابر .
ثمة لحظات قانصة غايتها ترصين خطى البناء المتصاعد على ارض الغرابة والتفرد والغرابة التي اقصدها هنا هي ليست غرابة موضوع ولا غرابة احداث بل ان الفكرة مطروقة بوفرة سردية لا تعد ولا تحصى ولكن ما إن انزاحت الرواية عن فعل المتعة التي يرومها أي قاريء ومتلقٍ للأدب فإنه لن يجد في الرواية ذلك التبئير النصي ولا يجد تشبث الكاتب باساليب البناء الفني ما بعد الحداثوي ومدارسه الأدبية، فالروائي يقدم روايته بالطريقة التقليدية المعهودة من حيث خط سير الرواية وتنقلات الرحلة بمسميات المدن والشواطئ وبالتسلسل المنطقي للتنقلات من مكان لاخر والوصف الصافي بلا مبالغات ولا التواءات لفظية ولا تزويقات بلاغية، هو يتحدث عن علاقة حب لامرأة بعيدة تعيش على ساحل (دوماي) لمحب متنقل من بلد لآخر بحكم عمله، ولم تكن عدة الروائي في رحلة حبه تلك سوى اللغة السلسة العذبة التي من خلالها يبدع في ضخ المشاعر التي كان العاشق ينوء بحملها والافكار التي تنتابه، حوارات النفس للنفس، الضجر من كل شيء، ومحاولة البعد عن الاخريات، وبعد ذلك رحلة البحث المتعبة، حيث تنتهي رحلة سفره الى المكان الذي التقى فيه بـ (ريتا) وهو اسم حبيبته وبحثه عنها في المدينة علّه يراها في مطعم او في شارع او اي مكان آخر و اخيرا نجاحه بالتواصل معها ومن ثم قراره الارتباط بها.
إن ما يؤخذ على الرواية ما نراه من تتبع سير السرد المتصاعد بعجالة وهو بدوره ادى الى أن تطل علينا شخصية ريتا بشكل متسرع ونحن لا نعرف عنها سوى عملها في كافتيريا مع زوجة انطونيو الذي تعرف علي البطل العاشق بالمصادفة، ولم يحاول الكاتب ان يتبنى مهمة تعريفه لنا بالشخصية عن قرب فيما عدا توصيفا عابرا لشكلها على الرغم من انه اشار الى وجود طفل في حياتها وأم تسكن معها ولم يفصح عن وضعها ذاك بصورة منطقية فلم نعلم هل ان الطفل ولدها؟ وهل هي متزوجة ام لا؟ وهل ان تلك اللقاءات القليلة والمتفاوتة بمددها الزمنية بين الحبيبين كافية لنشوء مثل ذلك الحب، ان الكاتب لم يقدم لنا مبررات مقنعة حول تأجج تلك المشاعر فلو انه اقحمنا بتفاصيل حياتية اكثر عن الحبيبين ربما كانت تمد النص بمصل الاقناع والتجاوب من قبل المتلقي، فالكاتب تنحى جانبا حتى عن اخبارنا باسم شخصية البطل وقد اطلقت عليه ريتا حبيبته اسم (س) وقد ذكر لنا تعلق عمته فيه واعتنائها به وبنشأته وتحدث عن تنقلاته في البحار ولكن من دون تفاصيل دقيقة تدعم نصه لغرض اكتمال الصورة في ذهن القاريء وكأن همه كان منصبا حول وصف تباريح ذلك الحب العاصف الذي يخلو من المنطقية في طريقة عرضه وبذلك فإن عدم اكتمال الصورة قد اخلّ بالمتعة التي شعرنا بها ونحن ننقاد في قراءة النص بعفوية واستمتاع، ذلك ان بون المساحات الجغرافية الشاسعة التي تفصل بين عالمين تحتاج الى دعم كتابي كبير يقرب المسافة بين ثقافتين ووعيين وبيئتين، ويبعد الشطط عن تقارب روحين وتحقق انسجامهما بالاعتماد على ركائز وثوابت تدعم ذلك التناغم وتقدمه على انه خيالا قابلا للتنفيذ .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here