في حضرة ابن الرئيس ! : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم
تفاجئ بأمر إداري يقتضي بتنسيبه إلى إحدى الجامعات في بغداد ليكون في خدمة رئيس الجامعة و عائلته في هذه المرة بصفته مستخدما كسائق سيارة حكومي ..ففرح لذلك كثيرا لأن مكان عمله السابق كان عند أحد المسؤولين الحزبيين في تكريت كسائق سيارة منتسب خصيصا لخدمة ذلك ” القائد الحزبي ” الأمر الذي كان يتطلب منه حركة مكوكية للقيام الدائم بأعمال النقل من بغداد إلى تكريت على طوال اليوم أو في معظم الأوقات لغرض تزويد العائلة باللحوم والخضروات والخبز و السكر و الحليب ، فضلا عن مستلزمات بيتية أخرى ، الأمر الذي كان يضطره مجبرا إلى أن يذهب إلى بغداد لعدة مرات في اليوم ليجلب هذه الحاجة أم تلك و التي نسيت ربة البيت أن تطلبها في المرة السابقة عند ذهبه إلى بغداد بهدف التبضع .. و أحيانا حتى في مساء متأخر أيضا كان يجب عليه شراء هذه أم تلك من حاجات بيتية فكان يرجع إلى البيت فجرا ليرجع مرة أخرى بعد نوم قليل ..
أما الآن ، و بعدما جرت عملية تنسيبه إلى إحدى الجامعات في بغداد في قسم الخدمات ، فلن يتحتم عليه بعد الآن أن يذهب إلى خارج بغداد مرارا و تكرارا في يوم واحد ، بل ولا حتى لمرة واحدة لقيام بواجبه كسائق سيارة عند جهاز الدولة ، إنما كل ما كان عليه هو إن ينقل ” رئيس الجامعة ” من بيته إلى الجامعة ذهابا وإيابا ، و كذلك أبنته الطالبة الجامعية التي كانت تدرس في جامعة أخرى غير الجامعة التي كان والدها رئيسا لها ..
و قد بدا رئيس الجامعة لطيفا معه ووديا ، معاملا إياه باحترام أيضا، و على عكس من معاملة ذلك المسؤول الحزبي السابق و الجلف والمتعجرف ، و قد أوصاه رئيسه الجديد بأن لا يكون سائقا لأبنته فقط إنما حارسا لها أيضا ، و أن يلتزم بمواعيد ذهاب ابنته إلى الجامعة ورجوعها منها بكل دقة وأمانة :
ــ إذ أن ثمة اخبارا مقلقة قد انتشرت بين سكان بغداد عن سلوك “أبن الرئيس” المتسم بالشراسة و البلطجية و تحديدا عن “هوايته ” في خطف البنات من الشوارع و اغتصابهن ، ومن ثم إما تزوجيهن من أحد حراسه حراسه زواجا إجباريا مؤقتا ، أو قتل بعضهن الآخر إذ لم يجد من يتزوجها بعد عملية الاغتصاب والهتك الوحشي ..
و كان ” أبن الرئيس” لسبب من أسباب ، يهوي فتيات جامعيات بشغف أكثر ، و يفضلهّن على غيرهّن .. ليفتك بهّن بنزعته السادية .. و من اجل تحقيق ذلك كان يرسل بعضا من عناصر مرافقيه و حراس أمنه الشخصي ليحوموا بسياراتهم في الشوارع أو بقرب الجامعات لاصطياد البنات من هناك فريسة جديدة وطازجة للذئب المسعور ….
ومع ذلك فلم يقلق السائق ولا انتابه خوف أو هواجس من هذه الناحية ، وهو يقوم بنقل أبنة رئيس الجامعة ذهابا و إيابا بين الجامعة والبيت ـ متفكرا مع نفسه بأنه من غير معقول أن يقدم أبن الرئيس على خطف ابنة رئيس جامعة في وضح النهار ، الأمر الذي جعله أن يطمئن قليلا ، بالرغم من وجود قلق مجهول استمر مستوطنا قلبه تاركا إياه متقلبا بين شك و يقين ..
و ذات مرة ، بينما كان راجعا من الجامعة برفقة أبنة رئيس الجامعة ، لمح من خلال مرآة السيارة العاكسة عدة سيارات مظللة ، ذات لون أسود ، تتعقبه عن سابق قصد وترصد ، من سايد إلى سايد ، من منعطف إلى آخر ، بل و يلوّحون له عبر إشارات واضحة بالوقوف على جنب ، فخفق قلبه مضطربا اضطرابا و ذعرا : “إنهم هم صيادي الطالبات الجامعيات ” فكر مع نفسه ، فيالها من ورطة عويصة ، فتذكر وصية رئيس الجامعة بالحرص على سلامة ابنته ، و كذلك معاملته الطيبة له ،فتظاهر بعدم الانتباه لهم ، ثم شيئا فشيئا ، وجد نفسه يدوس على البنزين و ينطلق بأقصى سرعة ممكنة ، مناورا ، بحركة بارعة ، ليتجاوز بمخاطرة شديدة شاحنة كبيرة أمامه و التي كاد أن يصطدم بها ، ومن ثم أن ينعطف إلى فرع جانبي ، فإلى فرع آخر ، و هكذا ناوّر ، حتى فقدوا أثره بشكل نهائي ..
و بالرغم من نجاحه بفضل سياقته البارعة و مخاطرته الشديدة في إنقاذ الفتاة الجامعية من براثن أبن الرئيس ، فأن خوفه لم يغادره نهائيا : إذ أن قلبه كان يواصل دقاته بقوة ، ووجهه لا زال شاحبا من شدة الذعر ، إذ أدرك جيدا إن الأمر ما هو سوى مسألة وقت فقط ، لكي يستدعوه بعد كشف و تشخيص ومعرفة معلوماته الثبوتية من خلال لوحة السيارة ..
حتى الشكر الجزيل والامتنان الكبير الذي أبداه له رئيس الجامعة لهذه المأثرة الاستثنائية ــ حسب تعبير رئس الجامعة نفسه ــ ” في إنقاذ شرف بنتي ” ‘ ثم قراره القاطع بعدم إرسال أبنته بعد الآن إلى الجامعة ، فإن كل ذلك لم يمح أو يزيل شعوره بالمصير المرعب الذي ينتظره في غضون ساعات أو أيام قليلة قادمة ..
وبالكاد استطاع أن يقف علي رجليه من شدة الخوف أمام أبن الرئيس الذي نظر إليه باحتقار واستهانة سائلا إياه بلسان ثقيل :
ــ يا ول ليش ما وقفت عندما شفت حراس الأمن يؤشرون لك بالوقوف ؟
فتمتم بنبرة تجمع بين توسل وشفاعة ومسكنة:
ــ عفوا سيدي ما انتبهت ..
فجأة تلقى لطمة قوية على قفاه مرفقة مع رفسة شديدة تلقاها من أحد الحراس المرافقين ” للأستاذ ” فترنح وكاد يسقط أرضا ، ولكنه تماسك وجمع قواه ليظل واقفا ..
ـــ زين ..و ليش انهزمت بسرعة واختفيت بالفروع ..
في أثناء إلقاء السؤال كان أبن الرئيس يقلّب متلاعبا مسدسا ذا مقبض بين أصابعه ، و يفحصه حينا و ينفخ في فوهة السبطانة حينا آخر ..
ــ سيدي !.. أبنة رئيس الجامعة طلبت مني اسوق بسرعة .. لنذهب إلى السوق لتشتري لنفسها أغراضا .. حتى … ما تتأخر عن البيت وقتا أطول ..
مرة أخرى تلقى صفعة مع رفسة قوية ولكنه بقي واقفا ، منتظرا في أية لحظة سيطلق أبن الرئيس رصاصة إلى راسه .. إذ إنه كف عن التلاعب بالمسدس و امسك مقبضه جيدا ففكر هو : لقد اقتربت نهايتي .. إلا أنه بدلا من صوت الرصاص سمع بآخر جملة أطلقها أبن الرئيس على بنبرة ثقيلة
مع ظل ابتسامة ساخرة على نحو ــ
ــ يا كذا .. يلا روح ولي .. إذا مرة ثانية تعملها أنهيك برصاصة في رأسك أو أرميك للنمور ..
فاستدار خارجا من مكتب أبن الرئيس ،في حالة نفسية مزرية ومضطربة .. بالكاد تطاوعه رجليه المرتجفتان فزعا ورعبا على المشي والخطو إلى الأمام .. .. لكونه كان يتوقع ثمة رصاصة سوف تستهدف رأسه من الخلف في أية لحظة قادمة ، و ذلك لما سمعه عن قسوة وشراسة أبن الرئيس وقتله للبشر بسهولة شرب قدح من شاي أو قهوة ….
وقال له العنصر الأمني الذي رافقه إلى الشارع :
ــ أنت شنو علاقتك بالبنت قابل هي بنت عمك ؟ حتى تخاف عليهة .. يلا روح و أنصرف بسرعة يا كذا …… عندك حظ .. لأنه ” الأستاذ ” اليوم في مزاج جيد لحصوله على هدية على شكل سيارة روز رايس حمراء التي يحبها جدا .. ربما لهذا السبب لم تتلق رصاصة على جبينك الوسخ !..
ولم يصدق حتى بعد مرور أيام بانه قد فلت سالما وحيا بأطراف كاملة ومكملة ..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here