كيف الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد؟ (1)

محمد عبد الرحمن

لم يعد تفكيك منظومة المحاصصة والفساد والخلاص منها مطلبا فكريا وسياسيا مجردا، بل ان له بعده العملي وكونه حاجة ماسة للمجتمع. فهذه المنظومة هي التي أوصلت بلدنا الى ما هو عليه اليوم، وهي الكابحة والمعرقلة لأي مسعى لإحداث أي تغيير غايته بناء الدولة ومؤسساتها واستعادة هيبتها، وتغيير نمط وآلية عمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليقوم على أسس مغايرة لتلك المعتمدة منذ 2005 حتى الآن، والتي أثبتت فشلها قرائن لا تحصى، ومعها الواقع الحي المعاش ومعاناة أبناء شعبنا متعددة الأوجه والتي تتفاقم يوما بعد آخر. ومن المؤكد ان لهذا أبعاده الراهنة وارتباطه الوثيق بمستقبل بلدنا.

لهذا أصبح ضروريا وملحا ان يجري التخلص من هذه المنظومة المتنفذة، التي تمثل أقلية مرفهة بيدها قرار السياسة والمال والنفوذ والسلاح، فيما الغالبية الساحقة من أبناء الشعب تنوء تحت ثقل الأزمة العامة التي تتعمق بجوانبها المتعددة يوما بعد آخر.

ان البدائل المطروحة واضحة وجوهرها يتمثل في وجوب الانتقال من دولة المكونات الى دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية. وهذا ما يفترض أن يكون عنصرا رئيسا واساسيا في اية رؤية جدية وتوجه ملموس نحو الإصلاح والتغيير، والعمل على تحقيقهما .

ولنا هنا ان نسأل: من المستفيد من ادامة الوضع الراهن؟ انه قوى المحاصصة والفساد والفاسدين والمرتشين والمنتفعين، وهي قوى موجودة في مركز القرار السياسي، وهناك من يترابط معها من كبار أصحاب المال والبنوك والتجار والمليشيات المتمردة على الدولة، ممن لهم تأثير كبير وسيطرة وسطوة على الإعلام في منابره المختلفة. وتحظى هذه القوى من جانب آخر بدعم خارجي مكشوف، يشكل أحد العناصر المهمة في غطرستها ونفوذها ، بل وحتى تجاوزها على الدولة .

وفي مقابل هؤلاء هناك فئات اجتماعية واسعة وطيف عريض من أبناء الطبقات الوسطى والكادحة والفقيرة وجماهير غفيرة، قد وصلت الى قناعة بأن استمرار هذا الحال من المحال وهي تتطلع الى تغيير شامل، تغيير سياسي بامتياز يمس أسّ منهج الإدارة والحكم وبناء الدولة.

وفي هذا السياق تبرز واضحة أمام القوى التي تنشد التغيير، حقيقة أن موازين القوى ما زالت حتى الآن (وجزء من ذلك يستند الى فوضى السلاح والدعم الخارجي) مختلة لصالح قوى الإعاقة والتمنع والعرقلة والتشبث بالمحاصصة والإصرار عليها. ورغم الحاجة الى عدم النظر الى هذه الموضوعة بنحو ميكانيكي جامد، فان قراءة متمعنة للواقع الملموس تؤشر ذلك.

ان على قوى التغيير ان تعلن عن نفسها باعتبارها البديل، وان تعمل من اجل تحقيق ذلك عبر اصطفافات سياسية واجتماعية وتشرينية وجماهيرية، وحراك شعبي فاعل ومؤثر، لتغيير موازين القوى والسير على طريق تفكيك منظومة المحاصصة والفساد، وكسر احتكار السلطة من قبل “بيوتات” لم تعد تمثل الا قوى وأحزابا وشخصيات تقول انها تمثل هذا المكون او ذاك، في حين ان انتخابات تشرين ورغم كل ما لها وما عليها، أظهرت خلاف ذلك، واسقطت ورقة هذا “التمثيل”. وفي هذا انجاز وخطوة مهمة نحو التفكيك المحاصصاتي – المكوناتي، والذي سيترسخ اكثر ان جرى التمسك قولا وممارسة، بتكوين حكومة اغلبية سياسية لها برنامج يشكل قطيعة مع النهج الفاشل المتبع في إدارة الدولة حتى الان. وما على قوى التغيير والحراكات التشرينية وعموم المكتوين بنار الازمة الشاملة، الا مواصلة الضغط لقطع الطريق على “التوافقات” التي تكرس المحاصصة ، ولّادة الازمات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here