من هو المحتل ومن هو الفاتح

من هو المحتل ومن هو الفاتح :
بقلم ( كامل سلمان )
المهاجم الذي يحتل اراضي الخصم يسمي نفسه فاتحا للأرض ومبشرا بالخير ، وعملية السيطرة على اراضي الخصم يسميها فتحا مباركا او فتحا مبينا ، اما المدافعين عن الارض واصحابها الذين خسروا ارضهم بالقوة فيسمون الطرف المهاجم بالمحتل وسقوط الاراضي بيد الخصم يسمونها احتلال ، ونحن العراقيين اكثر شعوب الارض خبرة بالفتوحات والاحتلالات ، ولنا ملاحظات من خلال خبرتنا الطويلة التي تزيد عن الاف السنين حيث لم يبقى احد في الارض لم يحتل بلاد الرافدين وكلها كانت فتوحات مع انهر من الدم ورغم ذلك لا زلنا نجهل من هو الفاتح ومن هو المحتل و مازالت احاديثنا لا تخلو من تحرير الاراضي القومية العربية وتحرير الاراضي والمقدسات الاسلامية وكأننا اولياء الامر لكل ارض سليبة او ارض مغتصبة من اراضي الدول العربية والاسلامية ، ندافع عن دمشق وعن فلسطين واليمن وافغانستان والجزائر وحتى ندافع عن الهنود الحمر في امريكا ، ونظن بأنفسنا العلو والشموخ وننسى بإن الايادي ( ايادي المحتلين ) تتلاقفنا من يد الى يد منذ الاف السنين وحتى يومنا هذا !!! وكما يحلو لنا ان نسمي هذا احتلال وذاك فتح مبين بل ونتفاخر ببعض قادة الاحتلال في تأريخنا ونسمي مدننا وشوارعنا بأسمائهم الميمونة . بل حتى نسمي اسماء ابناءنا بأسماء المحتلين تيمنا وتبركا بهم .
الفرق بين المحتل والفاتح ، المحتل يجلب الحاكم او الوالي او الامير معه وينصبه على الاراضي المحتلة ويجبر اهالي تلك الارض بالخضوع له ودفع الاموال والجزية له ويقوم ذلك الوالي بإرسال تلك الاموال واحيانا مع النساء والغلمان الى عاصمة دولته الام .
المحتل يلغي مفردة دولة بالنسبة للأراضي المحتلة ويجعلها اقليم او اراضي تابعة لدولته الام وقد يسمي الاراضي المحتلة بالامصار او الولايات … المحتل يفرض عقيدته ودينه وحتى لغته وملبسه وعاداته على سكان الاراضي المحتلة وبالقوة … المحتل يوحي الى الناس من سكان الاراضي المحتلة بإنه هو السيد وغيره هم العوام من الناس …. المحتل يعبأ السكان وخاصة الشباب من سكان الاراضي المحتلة في افواج قتالية للدفاع عن بلده الام ويرسل بهم الى اماكن اخرى بعيدة خدمة لمخططاته ولا عزاء لمن يموت منهم…. المحتل لا يعلن نهائيا عن موعد انسحابه لإنه يريد البقاء للأبد … المحتل يقوم بتصفية العناصر المناوئة له او التي يتوقع منها تأثير سيء على وجوده وخاصة الكوادر العلمية والثقافية … المحتل يخلق الفقر والفاقة في المجتمع ويستحوذ جنسيا على النساء . هذا هو المحتل حتى لو كان من نفس القومية او الدين . وحالة واحدة من الحالات التي ذكرناها اعلاه حتى لو كانت من بلد صديق او شقيق او حليف اذا وجدت فيه فإنه محتل مع سبق الاصرار ولا عذر ديني او قومي او انساني يقبل منه ….
اما الفاتح لا يفعل اي من اعلاه ، لإن كلمة الفتح تعني اعادة الاراضي السليبة الى اصحابها ورفع مرارة واجحاف الاحتلال وتحرير اهلها من العبودية فتفتح لأهل البلد وسكانها البركات والنعم وتفتح لهم ابواب الحرية ، والفاتح يحدد اهدافه بوضوح واسباب الفتح ، ثم يخيير اهل الارض باختيار حكومتهم ولايفرض عقيدته او ثقافته ويعلن استعداده عن الانسحاب متى ما تحققت اهدافه . ويرفض ان يسمي نفسه سيد ليميز نفسه عن اهل الارض..
نحن والغالبية من سكان الارض لا ننظر الى هذه النقاط لنميز الفاتح من المحتل بل ننظر الى ساداتنا وكبراءنا ماذا يقولون ، وقولهم الفصل حتى وان كان قولهم مخالف لما ذكر اعلاه واحيانا نغض الطرف ونفضل السكوت والرضا خاصة اذا كان المحتل لا يتوانى عن قطع الرقاب ، وهذا سر من اسرار الخوف من الحاكم عند شعوبنا لإننا تعودنا على مدى التأريخ ان يكون الحاكم المحتل قاسي القلب شديد الحساب وتصل درجة الطاعة له حد العبودية حتى بعد مماته ..
اكثر شعوب الارض نسيانا للماضي هو شعبنا ، واكثر شعوب الارض تسامحا للاخرين هو شعبنا ، ننسى مساوئ المحتل ونستذكر محاسنه غير المرئية على الارض الموجودة فقط في مخيلتنا ونعتبر قادة الاحتلال الذين نصبوا انفسهم قادة وسادة علينا رموزا تأريخيين ونلعن من قاتلهم حتى وان كان من ابناء جلدتنا متصديا لوجودهم المحتل ، ولكننا نلعنه لعنا شديدا لأن هذه هي تركيبتنا وهذا هو عيبنا الكبير .. تأريخنا يخبرنا بأنه لا يوجد محتل قد عانى من احتلال ارضنا بل كانت الامور تجري له بسلاسة بينما امام الفاتح تجدنا صناديد اشداء لا تأخذنا بالله لومة لائم ، فكم صنديد عندنا يستطيع ان يفرز المحتل من الفاتح منذ الاسكندر المقدوني مرورا بالدولة الفارسية والبيزنطية ودولة الخلفاء والامويين والعباسيين والتتر والعثمانين والبريطانيين وعشرات دول محتلة اخرى وصولا الى مجاميع من المسلحين الارهابين ( داعش ) وحتى يومنا هذا احتلال يليه احتلال . وكل محتل يمر علينا نتمسك بما ترك لنا من سلوك ونخلد ذكراه ونذهب الى ابعد من ذلك عندما نقيم النصب والتماثيل لرموز المحتل بل وحتى قبورهم نقدسها .
لا توجد دولة في العالم تسرق النشيد الوطني لدولة اخرى وتنسبها لنفسها في اهانة علنية للشعب والوطن يعني حتى النشيد الوطني هو احتلال جلبناه لأنفسنا ، حتى في النشيد الوطني نرفض الاستقلال ، والكل يعرف نشيد ( موطني )هو نشيد فلسطيني مع لحن فلسطيني وينشد في المدارس الابتدائية الفلسطينية حتى يومنا هذا . واغرب مافي الكون كله ان المحتل السابق يحشد الناس ضد المحتل اللاحق وليمهد الارض لمحتل حليف !!!!!!! يعني المقاوم محتل والمحتل مقاوم ووصلت السذاجة وعدم المعرفة الى درجة ان نسمي التعاون الامني احتلال ونسمي المحتل اخوان لنا في الدين ونختلق من التسميات التي تتقبلها عقولنا فقط . فلم نعد بحاجة الى التحرر من الاحتلال لإن عقولنا في المحصلة هي تحت الاحتلال منذ مئات السنين والمحتل اصبح هو المالك لعقولنا !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here