النص الكامل لإحاطة بلاسخارت أمام مجلس الأمن الدولي

نظراً لأهمية الخطاب، وما تضمنه من حقائق ومعلومات.. تنشر (المدى)، النص الكامل لكلمة الممثلة الخاصة للأمين العام ورئيسة بعثة الأمم المتحدة اليونامي لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، امام مجلس الامن الدولي بخصوص الاوضاع في العراق. النص الكامل للإحاطة:

إذا سمحتم لي، سوف أبدأ إحاطتي اليوم بلمحة عامة عن التطورات الأخيرة المتعلقة بالتعيينات السياسية وتشكيل الحكومة.

فبعد المصادقة على النتائج الانتخابية، تم انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه بتاريخ 9 كانون الثاني. ورغم الطعن على ذلك في البداية، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا حكمت بتاريخ 25 كانون الثاني بأن الجلسة البرلمانية الافتتاحية (التي تم خلالها انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه) قد عقدت وفقاً للدستور.

والخطوة التالية هي انتخاب رئيس الجمهورية (وفقاً للدستور) خلال 30 يوماً من انتخاب رئيس مجلس النواب.

بيد أنه، بعد فترة الترشيحات الأولية، لم يكتمل النصاب القانوني البرلماني لجلسة انتخاب الرئيس يوم 7 شباط. وقرر البرلمان إعادة فتح باب الترشيح لثلاثة أيام أخرى: ولم تصدر المحكمة الاتحادية العليا حكمها بعد حول دستورية إعادة فتح باب الترشيح، ولكنها حكمت بعدم أهلية أحد المرشحين.

والآن، بمجرد انتخاب الرئيس، سيقوم أو ستقوم (خلال 15 يوماً وفقاً للدستور) بتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر، أي رئيس مجلس الوزراء المكلف، بتشكيل مجلس الوزراء، لتتم المصادقة عليه من قبل مجلس النواب.

ومن الواضح أن الوضع الحالي يوحي بأننا لم نصل لتلك المرحلة بعد.

ومع استمرار المشاورات السياسية (أو ربما على نحو أدق: مع استمرار حالة الجمود السياسي) يمضي الوقت. الوقت الثمين.

سيدي الرئيس، وراء الجدل الرئيسي حول حكومة أغلبية مقابل حكومة توافقية، يزداد تساؤل الكثير من العراقيين إذا ما كانت المصلحة الوطنية هي بالفعل “الشغل الشاغل” للمفاوضات الجارية – بدلاً من الحصول على الموارد والسلطة أو كيفية تقاسم كعكة التعيينات السياسية والوزارات هذه المرة؟

وغني عن القول: ينبغي أن تكون الأولوية هي الاتفاق بصورة عاجلة على برنامج عمل يعالج فوراً وبشكل هادف قائمة العراق الطويلة من المسائل الداخلية المعلقة.

وما أقوله هو: لقد انتهت الانتخابات منذ 4 أشهر وحان الوقت لإعادة تسليط الضوء على من يستحقه: شعب العراق.

شعب العراق الذي لا يزال ينتظر فرص عمل مربحة ومنتجة وينتظر الأمن والأمان وخدمات عامة مناسبة والحماية الكاملة لحقوقه وحرياته والعدالة والمساءلة والمشاركة الفعالة للنساء والشباب، على سبيل المثال لا الحصر.

وبالطبع، يمكن أن يُسامح المرء على صبره على مرحلة مطولة يستغرقها تشكيل الحكومة، إذا كنا نشهد حوارات حيوية حول توجهات السياسات ومسارات التنمية وخطط الإصلاح الاقتصادي. إن كان ذلك هو ما يحرك المفاوضات يكون الصبر فضيلة بالفعل.

ولكن حتى الآن، ما نشهده هو العكس تماماً: عرقلة التغيير والإصلاحات التي تحتاجها البلاد بشدة.

إضافة إلى ذلك، وكما أشرت مراراً وتكراراً، إن الجبهة الداخلية الضعيفة تؤدي إلى الضعف، على سبيل المثال، في مواجهة تنظيم داعش المستعد لاستغلال أي فراغ سياسي وأمني. وكذلك الضعف إزاء التدخلات الخارجية المستمرة. وفي حالة العراق، هذه النقطة ليست افتراضية.

وفي غضون ذلك، يُمتحن صبر العراقيين. ففي تشرين الأول 2019 بلغ هذا الصبر أقصاه وخرج الكثير والكثير من العراقيين إلى الشوارع احتجاجاً على انعدام الفرص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ونحن نعلم كيف انتهى ذلك. قُتل المئات وأُصيب الآلاف. إن أقل ما يتوقعه العراقيون الآن هو شعور ممثليهم المنتخبين بهذه الضرورة الملحة.

شعور بالضرورة الملحة للتغلب على الانقسامات الداخلية والاتفاق على برنامج يُطلع العراقيين على ما يمكنهم توقعه في السنوات الأربع القادمة والتعامل مع توقعات الجمهور والارتقاء إلى مستوى التحدي لتحقيق طموحات 40 مليون شخصاً يسمون العراق الوطن.

سيدي الرئيس، لديّ بضع كلمات لأقولها بشأن العلاقة بين بغداد وأربيل؛ فكما تعلمون، لقد أكدت باستمرار أهمية عقد حوار منتظم ومنظم وذي طابع مؤسسي بين بغداد وأربيل – بجداول زمنية محددة – لمعالجة القضايا التي ظلت عالقة لوقت طويل وطويل جداً.

وكما قلت من قبل: هذه مسؤولية مشتركة.

والحقيقة هي أن عدم القدرة على تجاوز الخلافات (أو مجرّد عدم الرغبة في التوصل إلى اتفاقات) سيكون له – عاجلاً أم آجلاً – ثمناً.

وصحيح أيضاً، أنه إذا وجد فراغ سياسي لمدة طويلة جداً، فإن إضفاء الصبغة القضائية على المجالات التي هي في الأصل تشريعية أو تنفيذية، يمكن أن يصبح فجأة حقيقة واقعة.

والآن، في ظلّ حكومة تصريف أعمال وأحزاب سياسية منخرطة في مفاوضات بشأن تشكيل حكومة جديدة، تم الفصل مؤخراً في إحدى القضايا التابعة للمحكمة العليا الاتحادية كانت معلقة لمدة 10 سنوات. وعليه، أثار حكم المحكمة الأخير هذا بشأن عدم دستورية قانون النفط والغاز في حكومة إقليم كردستان تساؤلات من قبل الكثيرين؛ على سبيل المثال “لماذا الآن؟”

الحقيقة هي أن ذلك قد حدث فحسب. وبالتالي، ازدادت أهمية هذا “الحوار ذو الطابع المؤسسي”، ليس هذا فحسب، بل إن البلاد باتت بحاجة إلى أن يعمل برلمانها.

وبشكل عام، ما أقوله هو: إن عدم السيطرة على زمام الأمور هو عمل محفوف بالمخاطر، ربّما يؤدي إلى عواقب بعيدة المدى، تقوض استقرار العراق على المديين القريب والبعيد.

لذا، مرة أخرى، أدعو جميع الأطراف المعنية إلى التركيز على الأمور المهمة فعلاً، وإلى الاتحاد بدلاً من التنافس. وسواء أعجبنا ذلك أم لا، تحتاج الأطراف إلى أن يكون بعضها البعض في أفضل حالاته؛ ومن ثم، ينبغي أن تنصبّ كلّ الجهود على حلّ القضايا العالقة، لا عن طريق الاستحواذ على السلطة، ولكن عن طريق العمل بروح الشراكة والتعاون.

أنتقل الآن لأتناول بإيجاز موضوع الاقتصاد: فبين ارتفاع حاد في أسعار النفط وانخفاض في قيمة العملة، انخفض مستوى العجز وتزايد احتياطي العملات الأجنبية.

وتم توسيع شبكة الأمان، لا سيما بسبب زيادة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية استجابة للجائحة.

قد يبدو هذا الأمر للوهلة الأولى مشجعاً، ولكن لا يمكن إنكار حقيقة أنه في ظلّ تقويض المقترحات والجهود الحكومية المهمة أو تأخيرها أو تعطيلها بشكل فعّال، فإنه لا يمكن اعتبار هذه النتائج نتيجة مباشرة لستراتيجيات مستدامة.

وبشكل أساسي، العراق اليوم ليس أقل عرضة لتذبذب أسعار السلع، وليس أقل معاناة جراء الفقر أو البطالة، ولا يشهد العراق مستوى أقل من الفساد عمّا كان عليه في العام الماضي أو العام قبل الماضي.

إنني أكرر ما قلته مرة أخرى، ولكن الحلول الهيكلية الدائمة لا يمكن أن تأتي إلا من خلال إصلاح هادف. نعم، إن الحديث عن ذلك أسهل من القيام به وأنا أدرك هذا.

إلا أن الوقت ينفد أمام العراق. وكما قال لي مسؤول عراقي منذ مدة: حتى لو بدأنا تنفيذ الإصلاحات الأكثر إلحاحاً، فسوف يتطلب الأمر جهوداً تفوق قدرات البشر لمعالجة التحديات المالية والاقتصادية والبيئية بشكل كاف اليوم.

وفي حين أودّ التفكير من منظور “نصف الكوب الممتلئ”، فإنه لا ينبغي التهوين من شأن هذه الملاحظات.

أيضاً، فيما يتعلق بالتحديات البيئية: فهي تمثل تهديداً ماثلاً غالباً ما يعد أقل إلحاحاً، ولكنه في النهاية أحد أكبر التحديات العالمية التي نواجهها بشكل جماعي.

وقبل أسابيع قليلة قمت بزيارة الأهوار في جنوبي العراق التي تتمتع بمنظر جميل لا يضاهي تنوعه البيولوجي إلا أهميته الثقافية.

ومع ذلك، فإن ندرة المياه في تلك المنطقة ليست مجرد تهديد يلوح في الأفق، ولكنها خطر قائم. وكما هو الحال في أجزاء أخرى من البلاد، فإن ملوحة المياه والتربة والتصحر واختفاء الأراضي الصالحة للزراعة ما هي إلا مخاوف بيئية قائمة.

إضافة إلى ذلك، فإن ندرة المياه، كما نعلم جميعاً، عامل مضاعف للتهديد حيث تصاحب ذلك زيادة مخاطر الفقر والنزوح وعدم الاستقرار والصراع.

ويمكن أن نعزي معظم، وليس كل هذه الندرة إلى تغير المناخ: بالإضافة إلى نقص تدفق المياه بصورة فعالة من قبل البلدان المجاورة.

علاوة على ذلك، فإن مياه الشرب والبنية التحتية للري والصيانة متراجعة إلى حد كبير. كما أنه لا تتم إدارة الموارد المائية في العراق بصورة فعالة منذ فترة طويلة.

بعبارة أخرى: إن العراق معرض بشكل حاد لآثار ندرة المياه بسبب تغير المناخ ونقص تدفق المياه من أنهاره.

وبينما أعلم أن هذه أولوية لحكومة تصريف الأعمال الحالية، أود أن أؤكد بأن الملكية المشتركة لهذا الملف بالغ الأهمية بين الأطياف السياسية ستكون مسألة ضرورية.

سيدي الرئيس، هناك أمر آخر: المخيمات والسجون وراء الحدود تؤوي الكثير من العراقيين، في شمال شرقي سوريا على وجه التحديد.

ولعلنا جميعاً تابعنا الأحداث الأخيرة عن كثب. الأحداث التي جعلت المخاطر المرتبطة بهذه الكارثة بطيئة الحركة واضحة مرة أخرى.

إذ يشكل الوضع في هذه المخيمات والسجون تحديات غير مسبوقة تحمل آثاراً على المنطقة وما وراءها. فهي بمثابة قنابل موقوتة.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، لقد سمعتموني أؤكد أن التركة التي خلفها قتال الأمس ضد داعش يمكن أن تتحول بسهولة إلى حرب الغد، وأننا لا ينبغي أن ننتظر الأطفال الصغار حتى يبلغوا سن الرشد في مخيم مثل مخيم الهول.

هؤلاء الأطفال، الذين يعيشون ظروفاً قاسية، لم يرغبوا مطلقاً بأن يكونوا جزءاً من هذه الفوضى. بيد أنهم وجدوا أنفسهم مسلوبي الحقوق. ويجد هؤلاء الأطفال أنفسهم عرضة للتجنيد القسري والتطرف العنيف.

وبطبيعة الحال، أدرك أن عدداً من الدول قد اضطلعت بمسؤولياتها من خلال إعادة الأطفال، وفي بعض الحالات، عدداً محدوداً من النساء كذلك. ولا يسعني إلا أن آمل أن تحذو الدول الأخرى حذوها قريباً. وكما أثبت عدد متزايد من البلدان: يمكن أن يتم ذلك بنجاح.

فالواقع هو أن هذه الحالة الراهنة ليست مستدامة. وإبقاء الناس إلى أجل غير مسمى في ظل ظروف مقيدة وسيئة في تلك المخيمات يؤدي في نهاية المطاف إلى مخاطر على مستوى الحماية والأمن أكثر من إعادتهم بطريقة منضبطة.

وفي الوقت ذاته، أبدى العراق شجاعةً، إذ تمت إعادة قرابة 450 أسرة، أو ما يقارب 1,800 شخص إلى العراق حتى الآن. وبينما لا يزال آلاف العراقيين في تلك المخيمات، تدرك السلطات العراقية أنه لا يمكنها أن تتوقف عند هذا الحد.

سيدي الرئيس، وبالتعريج من موضوع مخيم الهول إلى مقاتلي تنظيم داعش المشتبه بهم الموجودين حالياً قيد الاحتجاز في مناطق شمال شرقي سوريا. مرة أخرى، هذا الوضع غير مستدام.

وعلاوة على ذلك، وكما هو الحال بالنسبة إلى مخيم مثل مخيم الهول، فهذه المنشآت تؤجج مشاعر الاستياء وكذلك تلهم الإرهابيين: من القيام بعمليات الهروب من السجون إلى شن هجمات واسعة النطاق، مثلما شاهدنا.

وكذلك، حقيقة أن بعض المقاتلين (وأفراد أُسرِهِم المرتبطين بهم) تمكنوا من الهرب، تشير إلى أنه سيكون من الأفضل التحكم في الموقف وإدارة عمليات العودة، بدلاً من المجازفة بفقدان أثرهم وهم يتسللون – دون أن يتم اكتشافهم – إلى أي بلد.

وهنا أيضا يستحق العراق الثناء. فلم تبدأ الحكومة العراقية في إعادة العائلات العراقية في مخيّم الهول إلى الوطن فحسب، بل بدأت أيضاً في إعادة مقاتلي داعش العراقيين.

وبشكل أساسي، ما أقوله هو: من أجل مصلحة الجميع، فإن الحجة الأمنية النهائية (مقابل الحجة السياسية قصيرة المدى) تتمثّل بالإقرار بأن استمرار الوضع الراهن هو الخيار الأكثر خطورة.

ومن أجل تهدئة المظالم المتفاقمة، ومنع ظهور صراعات جديدة، ونزع فتيل القنابل الموقوتة: من المهم التدارك والتخفيف ومن المهم التعجيل في التعامل مع الأمور وإنجازها.

سيدي الرئيس، أنتقل الآن إلى مسألة المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك الأرشيف الوطني.

بتاريخ 16 شباط، سهلت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إعادة (من الكويت إلى العراق) آخر 6 رفات بشرية تم تحديد أنها ليست جزءاً من قوائم الأشخاص المفقودين للكويت أو المملكة العربية السعودية.

وبعملية النقل هذه، اكتملت عملية التعرف على جميع الرفات البشرية المكتشفة في السماوة بمحافظة المثنى في عامي 2019 و2020.

وكما أكدت من قبل، يتحتم على الحكومة العراقية ألا تفقد هذا الزخم، بل أن تستغل الخبرة المكتسبة حتى الآن، وبالتالي التحرك نحو الانتهاء كليّاً من هذا الملف الإنساني المهم.

سيدي الرئيس، في الختام: اسمح لي أن أكرر أهمية الإحساس بالضرورة الملّحة. فمن الضروري أن يتغلب القادة السياسيون في العراق على الانقسامات وأن يضعوا التحزّب جانباً ويدفنوا الثارات الشخصية.

وكما تعلمون، فإن العراق يمتلك بالفعل إمكانات هائلة! وفيما لو تم تسخير هذه الإمكانات، لَكُم أن تتخيلوا كم سيكون مستقبل العراق مشرقاً.

شكرا جزيلاً سيدي الرئيس.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here