نحن ( البشر ) يبقى لنا أمرٌ واحدٌ .!.

نحن ( البشر ) يبقى لنا أمرٌ واحدٌ .!.
بقلم : د . خالد القره غولي
القرآن الكريم حسم أمر التساؤلات الكثيرة عن الروح حتى أنزل الله وحيه على رسوله الكريم بآيةٍ حاسمة ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) “سورة الإسراء /85” وسبب نزول هذه الآية كانت بعد سؤال اليهود في المدينة للرسول عن الروح .. لكنها لم تمنع الكثير من العلماء والمثقفين المسلمين وغير المسلمين الإطلاع أولاً على ما تُفسره الديانات والحضارات والأمم الأخرى وما كُتب قبلنا بآلاف السنين.. جميع الأديان قبل الإسلام لم يُحسم بها أمر هذا التساؤل ، في المنظور الديني الإسلامي لدينا حقائق حاسمة تُعَدُّ جزءاً مكتملاً للإيمان.. بدايتها أنَّ الروح تتكلم بعد الموت وكما أجمعَ الكثيرُ من علمائنا بأنَّ الروح تنطق الآرامية وتتوحد جميع لغات الناس بلغةٍ واحدة هي لغة سيدنا إبراهيم الخليل حين تَخرجُ من الجسد وتتلقاها الملائكة حتى تنزل في مستقر الأرواح وتبدأ بالتحدث إلى الأرواح الأخرى وتتبادل السلام والحديث معهم ، النظر كذلك يبقى مع الروح والنظر هنا ما يشبه نظر الجسد أي أن الروح ترى أهل الدنيا ونظرٌ إلى العالم الآخر ترى به الروح الجن والملائكة والعالم الآخر ، كذلك السمع فالروح تسمع ما يدور في الدنيا وفي العالم الآخر كذلك .. هذه الحواس جسدية مخلوقة بالتوافق الفسيولوجي بين جسد الإنسان وروحه ، بمعنى بسيط نصل إلى حقيقةٍ أولى تُثبتُ أن أرواح البشر تختلف عن أرواح المخلوقات الأخرى المرافقة له في الحياة الدنيا كالحيوانات لأنها قد تتمتع روحها بعد الموت بالنظر والسمع ولا يمكنها النطق أو تبادل الأحاديث !
الحواس المذكورة تكوينية فالسمع يحتاج إلى جهاز سمعي متكامل والبصر والنطق والفرح والحزن كذلك .. كيفَ إذاً يُمكن لهذه الحواس التكرار بعد الموت ! الجواب بالتأكيد سيكون بالنفي أي عدم وجود هذه الحواس بشكلها الجسدي بل بإدارة لا يمكن التعرف عليها إلا بعد الدخول في المضمون اللاحق للموت.. ماذا يمكننا أن نستنتج .. هل أنَّ الروح نور كما تدعي بعض الديانات أم تشخيصات وبيانات ضبابية تخرج من الجسد الميت .. ديانات ومعتقدات فضّلت أمراً آخر كالسيخ والدروز وهو إستقرار الروح في جسدٍ آخر بعد موت جسدها الأول وهو ما يتناقض مع ديننا الحنيف والديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية والصابئية المتقاربة بعض الشيء في التعريف أو التعرف على معنى أو ماهية الروح .. اليهود لو كانت لديهم أدنى معرفة بالروح لما سألوا الرسول عنها وبقيَ سرها مجهولاً وسيبقى في رأي الجمهور بالإجماع .. الروح يبقى تعريفها في مفاهيمنا مجهولاً لأنَّ الله جلَّ في علاه فسرها بأنها أمرٌ يختصُ به الله وحده .. المسيحيون لا يتفقون معنا في هذا الأمر ( و لما إعتمدَ جميعُ الشّعبِ إعتمدَ يَسّوع أيضاً، وإذ كان يُصلي إنفتحت السماء و نزلَ عليهِ الروحُ القُدسٌ بهيئةٍ جسميةٍ مِثلَ حَمامةٍ ، وكان صوتٌ منَ السماء قائلاً أنت هو إبني الحبيب الذي به سُرِرْت) “لوقا 22 : 3″، هذا بعض ما ذُكر من مئات التعريفات للروح في اللاهوت فالأخوة المسيحيون يُجمعون على أنَّ الروح يمكن لها أن تتوزع بينَ مخلوقات وتشبيهات عدة وهي أصل يتوزع بين فروعٍ عدة .. نعود إلى تفاسير العلماء المسلمين حول هذا الموضوع بعد أن توصلنا إلى نتيجتين الأولى أنَّ روح البشر تختلف عن أرواح المخلوقات الأخرى وهي منعزلة في العالم الآخر ومستقر الأرواح يختص بالبشر، الثاني الروح ليست تكوين كالجسد أو الضباب أو النور لأنَّ ما يُخلق من حواس تابعة للجسد يُعاد خلقه مع الروح بعد موت الجسد .. وماذا بعد؟!.. هل الروح إيحاء مثلما يظنُّ بعض متتبعي الجدل بعدما توهموا بما آمنوا به لبعض التفسيرات وهي صحيحة .. فالروح بعد الموت لا يمكن لها الثبات ولا ترتبط بالزمن فنحنُ نرى من ماتَ قبلنا بآلاف السنين ونتحرك أسرع من الضوء وهو وقت الزمن، الروح تتحرك وتستقر في مكان موت الجسد الأول وتنتقل منه إلى مكانات بعيدة جداً لا يمكن تخيلها بأقل من ثوانٍ معدودات !
بإستثناء المسلمين ، جميع الديانات والمعتقدات والنظريات الأخرى تتفق على أن الروح إيحاء بعضها آمن بأنها إيحاء مجزء والآخر آمن بالإيحاء المجهول .. الروح تكوين غير تعريفي وإيحاء غير معلن يختصُّ به الخالقُ وحده .. فنحنُ أحياء يُمكنُ لأرواحنا التحرك خارج جسدنا بمسافات هائلة وإنتقال بين الزمن كما حدثَ للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج وهو بشر.. وكما يحدث لنا أيضاً حين ننام وتتحرك أرواحنا أو تذوب في سلسلة مكانية وزمانية مفتوحة ترى وتسمع وتتألم وهي الأحلام والرؤى .. الروح خَلَقها الله وهو جلَّ في علاه وحده يختص بتكوينها أو وحيها أما نحن البشر يبقى لنا أمرٌ واحدٌ علينا الإيمان به وهو أنَّ الروح خالدة لا تموت وعليه فإن أرواحنا خُلقت قبل أجسادنا .. ولله الأمر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here