أثمن عواطف الانسان !

أثمن عواطف الانسان ! (*) د. رضا العطار

اثمن العولطف البشرية هي تلك التي لا نهدف منها الى مآرب شخصية. ولا ننتظر منها منفعة خاصة. نحس احتدامها في صدورنا، ونندفع بقوة هذا الاحتدام الى العمل بهدف خدمة الانسانية ونيل المجد والشرف. وقد نؤذى في سبيل ذلك ولكننا نرضى بالاذى لاننا نحس اننا نسمو في ممارسة هذه العواطف بهدف الارتقاء بالاخرين من بني جنسنا.

رأيت ذات مرة حوذيا، يجهز على جواده يضربه على وجهه بالعصا، لأنه مجرد تباطئ في جرعربته. واحسست انه لا يمكن ان يكون في الدنيا اخس من هذه الدناءة:

حيوان مربوط الى عربة ومقيد بها ويضرب على وجهه بالعصا وهو عاجز عن الفرار او الاحتماء.

ان الرفق بالحيوان هو إخاء في معنى ما. هو احساس انساني ننقله الى الحيوان.

هو عاطفة نبيلة نطلقها عفوا ولا ننتظر منها اية منفعة لنا. هو رقة وحنان واحترام.

هذه الاحساسات، الرقة والحنان والاحترام هي التي تفصل بين الرجل الجاهل والرجل المثقف، وبين الرجل الرخيص والرجل الشهم. وهي التي تحملنا على ان نحترم الشيخ الهرم، ونعين الرجل البصير. وننظر بروح التقدير والتوقير للمرأة العجوز. ونحجم عن ايذاء طفل او اغراء فتاة.

يقول كاتب السطور : لا ازال اتذكر ما شاهدته في حديقة الغزلان في طوكيو، عندما انهمك احد اليابانيين (يسعف) غصن شجرة كسرته الرياح، فكان يقوم بهذا العمل الجليل بكل رقة وحنان، وكانه يضمد ساق طفله.

يجب ان نرعى كل ما في الطبيعة من كائن حي، حيوان كان او نباتا او شجر. واهمها الزهور. نحن مع الاسف آخر الأمم التي ترعى الزهور وتعرف قدرها. في الوقت الذي تعتبر الزهور بالنسبة الى الانسان، الصديق الحميم. فنحن حين نجلس الى مائدة الطعام والشراب، تزين الزهور مجلسنا. وحينما نعشق، يأتي الحب من خلالها، وعندما نجلس الى احبتنا، تكون باقة الورد بيننا. ولما نتزوج، يكون الورد رونق عرسنا. ويوم ننال حظوة في حياتنا نستقبل التهاني من احبتنا عبر باقة من الزهور. انها تلازمنا حقا في افراحنا واتراحنا. فهي تبهج قلوب العاشقين وتزيل كرب المنكودين وتفرج غم المكتئبين.

انها حماقة من الانسان ان يعبث في بركات الطبيعة و جمالها. يحرق حقول الورد كي يبني محلها ثكنة عسكرية. او يقتل الفيلة كي يحصل على انيابها او يبيد الطيور الجميلة كي يحصل على ريشها الزاهي يزين بها قبعات سيدات مجتمع ما.

ان ارضنا المفعمة بالسحر والجمال، يجب ان تكون مصانة من عبث العابثين. حتى تبقى عشا آمنا رائعا لكل ابناء البشر. تجمعهم حياة العواطف المهذبة.

واذا شئت ان تقدر قيم الرجال وان تتعمق وتعرف ما يختلج قلوبهم كي تصل الى الاسس التي تبنى عليها اخلاقهم، فليس عليك الاّ ان تسألهم وتمتحن عندهم هذه العواطف التي لا يطالبهم قانون بان يمارسوها، ولا يعاقبهم اذا خالفوها. هذه العواطف التي تنطلق منها ثقافة الاحساس بالحنان والاحترام والرفق بالحيوان.

وتجمع هذه الصفات جميعها كلمة الشهامة. وهي اجمل كلمة في اللغة العربية، وهي تعني ذكاء القلب وحدة الاحساس.

* مقتبس بتصرف من كتاب مشاعل الطريق للشباب للعلامة سلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here