اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 17)

اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 17)

الدكتور فاضل حسن شريف

في خطبة الجمعة للسيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: إن نموذج من الإخلاص والمخلصين والوعي والواعين كان قليلا في صدر الإسلام حتى قال أمير المؤمنين عليه السلام لعدد من اصحابه او نستطيع ان نقول لاكثر اصحابه : (يا اشباه الرجال ولا رجال) و النساء طبعا وقال ما مضمونه: (انني ان دعوتكم في الشتاء قلتم دعنا حتى يذهب عنا البرد واذا دعوتكم في الصيف قلتم دعنا يذهب عنا القيض واذا كنتم عاجزين عن حر الصيف فإنكم أعجز عن تحمل حر السيف). وهذا النموذج هو الذي كان في صدر الاسلام وسبّب انتصار معاوية في صفين واللجوء الى التحكيم كما سبب تفرق الناس عن مسلم بن عقيل سلام الله عليه وعن الحسين سلام الله عليه. إلا انه عن طريق التربية المركزة والمستمرة بمقدار ما هو ممكن من قبل قادتنا المعصومين عليهم السلام وعلمائِنا المرحومين رضوان الله عليهم تبدل هذا النموذج بالنموذج الآخر المخلص المتفاني الذي كان ولا يزال نراه يفيد الدين ويضحي في سبيل شريعة سيد المرسلين.

اذكر لكم فيما يلي قصتين باختصار نتذكرهما لأجل زيادة العبرة وتجديد الهمة في سبيل الله تعالى : أحدهما ان المتوكل حين حرث قبر الحسين عليه السلام واجرى عليه الماء منع زيارته ووضع الحرس وكانوا يمسكون بالزوار فيقطعون ايديهم من المعصم كأنهم سراق والعياذ بالله حتى جاء رجل وهو ملتف بعباءته فامسكوه وقالوا له اخرج يدك لكي نقطعها فاخرج لهم يده اليمنى فاذا هي مقطوعة فقالوا له أخرج يدك اليسرى فأخرجها فإذا هي مقطوعة قال أنتم قطعتموها في زيارات سابقة لي. ومع ذلك فهو مقبل للزيارة غير خائف ولا هائب طبقا لقول رسول الله صلى الله عليه واله كما في الرواية: (ان لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب شيعته ومحبيه لن تبرد الى يوم القيامة).

وكذلك قصة الرجل الخراساني الذي ارسله المجتمع في خراسان الى الامام الصادق سلام الله عليه لكي يدعونه اليهم فان له في خراسان مائة ألف سيف. فبينما هو جالس عنده اذ اقبل احد اصحابه المخلصين فامر الامام الصادق عليه السلام ان يسجر التنور فلما ارتفعت ناره قال الإمام الى هذا الثاني اذهب فاجلس في التنور فوضع نعله على الارض وجلس في التنور واقبل الإمام الصادق عليه السلام على الخراساني يسأله عن تفاصيل المجتمع هناك وأحوال الناس هناك في خراسان الى برهة من الزمن ثم امر الخراساني ان يذهب فينظر في التنور فذهب فنظر فاذا بذاك الرجل جالس فيه وهو يبتسم. فهذه هي نماذج رجالنا المخلصين رضوان الله عليهم اجمعين.

ان المنع حصل، سبحان الله في الحكمة الالهية لقصور او تقصير في المجتمع بما فيهم السيد محمد الصدر ولو كنا على مستوى المسؤولية حقيقة وموضوعاً للرحمة الالهية من جميع الجهات لما حصل المنع بكل تأكيد. أما ما هو سبب القصور والتقصير فليس هذا مهما الان وانما المهم والاهم هو ان نحاسب انفسنا وننظر الى اعمالنا والى مدى اخلاصنا لربنا وهدفنا وديننا ونحاول السير الحثيث للزيادة والتكامل بفضل الله سبحانه وتعالى. ولا ننسى ان المخلصين الممحصين من اصحاب الانبياء والمعصومين لم يكن يخطر في بالهم الخوف طرفة عين كما قال الله تعالى : “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ” (البقرة 249) وقال تعالى في قصة طالوت : “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (البقرة 249).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here