الجيوش الديكتاتورية العربية

الجيوش الديكتاتورية العربية
علي الابراهيمي

قرار الرئيس التونسي الجديد بجعل صلاحيات حل ( الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ) بيد شعبة تابعة إلى مجلس الوزراء ليست سوى آخر ضربة قاصمة للنظام الديموقراطي في ذلك البلد .
حيث أنه فضلاً عن كون هذا القرار فاقداً للشرعية الدستورية ، فتبريرات إصداره كانت ضعيفة ، حيث ادعى مصدره أنه ضروري لوقف التمويل الخارجي لتلك المؤسسات المدنية ومنع اختراق البلاد من الأجانب ، وللحد من نشاطات غسيل الأموال ودعم الإرهاب الإجرامية ، فيما أن هذه الجرائم يقع عبئ إثباتها على الجهاز القضائي الذي لديه صلاحية حل تلك الجمعيات والمنظمات بالفعل عند ثبوت ما يدينها .
والحقيقة أن قرار الحل الحكومي لتلك المؤسسات تتمة آليات تقويض النظام الشعبي الديموقراطي هناك ، بعد حل البرلمان ومجلس القضاء ، وبعد تشريد وحبس وجوه الأحزاب السياسية ، وهذه الكيانات هي أسس ذلك ، وبالتالي لم تعد تونس تعرف شيئاً غير الديكتاتورية .
لكن الملفت هو ليس الصمت الدولي عن هذا الانقلاب الاستبدادي العسكري هناك ، فهو صمت رافق الانقلاب الاستبدادي الذي قاده عبد الفتاح السيسي في مصر ، لكن ما يثير الانتباه والاشمئزاز في ذات الوقت مستوى الدعم الذي حظي به الرئيس المستبد قيس سعيد من قبل الغرب ، لا سيما فرنسا ، ومن قبل صندوق النقد الدولي ، ومن دول الخليج بقيادة المملكة السعودية .
إن الغرب ( أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ) الذين حجبوا ثورة الشعب البحريني العريق ضد الديكتاتورية الطائفية الأعرابية ودعموا من قمعها ، وكذلك شاركوا في دعم الدول الديكتاتورية التي حاربت الشعب اليمني وفرضوا الحصار الاقتصادي الخانق على فقراء ذلك الشعب , وهو الشعب الذي تدعو شخصيات اكاديمية خليجية مثل ( د. عايد المناع ) الى ابادته على ( الطريقة الفيتنامية ) التي تعني حرق الأرض والبشر كما فعل الامريكان حينها , فيما يرى اعلامي فلسطيني يسلب حلفاء الخليجيين من الإسرائيليين ارضه ان الطيار الذي يقصف الشعب اليمني تزداد حسناته في الجنة ، ولم يدعموا سوى الفصائل الارهابية المتطرفة في سوريا لأسباب سياسية ، حتى جعل إعلام حلفائهم الخليجيين ( الملائكة ) مشاركة في القتال هناك ، ذلك الغرب ذاته هو من ساند – بصمت – الانقلاب العسكري الديكتاتوري في مصر على النتائج الديمقراطية لثورة الربيع العربي هناك ، وساند ميليشيات بقايا النظام العسكري الديكتاتوري في ليبيا التي تمثلت في قوات ( خليفة حفتر ) الموالية لإسرائيل ، والتي أجهضت الفصل الديمقراطي في ذلك البلد .
وكانت الوفود والأموال الخليجية دائماً وسيلة دعم وإنقاذ سريعة لكل الانقلابيين العرب ، لسد أي عجز اقتصادي أو أمني أثناء فترة الانقلاب . ثم سريعاً تعود تلك الأموال إلى الخليجيين – لا سيما الإماراتيين والسعوديين – على شكل اصول اقتصادية وطنية ضخمة يتنازل عنها الاستبداديون لصالح من يدعمهم .
فيما يقود الغربيون بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الحروب في مختلف بقاع العالم باسم الديمقراطية ، التي اجهضها حلفاؤهم العسكر في كل بلدان الشرق الأوسط . وهم يسيرون بخطى ثابتة وقوى ناعمة وخشنة لإجهاضها في البلدان التي لم تخضع بعد للديكتاتورية بصورة مطلقة أو بصورة جزئية ، كما في إيران والعراق ولبنان .
وفي بلد مثل العراق يتحالف الغربيون حلفاً إستراتيجياً مع اجلى مثال للديكتاتورية في هذا البلد ، وهو مسعود بارزاني ، الذي يقود أسوأ حكم عنصري قبلي عائلي في المنطقة ، تسبب في هجرة آلاف العراقيين الأكراد وتشتتهم في الحدود الباردة للدول الأوروبية ، بعد أن فقدوا الأمن السياسي والحقوقي والاقتصادي . ولم يعد بالإمكان خروج مظاهرة شعبية مطلبية آمنة في مدن كردستان .
والمثير للاهتمام تلك السيطرة الخارجية على معظم الجيوش العربية منذ زمان الاحتلال البريطاني والفرنسي للمنطقة ، حيث قادت تلك الجيوش عدة انقلابات دموية ، كانت نتائجها في صالح الغرب على العموم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وساهمت جميعها في سقوط حقب الديمقراطية الجزئية أو النسبية في العهود الملكية ، واسقطت معها منظومة القيم الأخلاقية والدينية والعرفية والوطنية لتلك الشعوب ، ومنعت من ظهور روح استقلال علمي واقتصادي يمكن الاعتماد عليه .
واليوم هي تلك القوى العسكرية ذاتها من تئد الديموقراطيات الشعبية الوليدة ، بانقلابات ناعمة أو خشنة ، مدروسة ومفصلة على مقاس كل شعب وكل بيئة ، وتحت شعارات متشابهة .
وكان هدف هذه الانقلابات جميعاً واحد في معظم بلدان الربيع العربي ، متمثلاً في مظاهر ( جماعة الإخوان ) العالمية في كل بلد ، حيث أن تلك الوجوه الإخوانية هي من حققت ثمار نتائج الانتخابات الديمقراطية والخيار الشعبي في البلدان الإسلامية السنية . وهو ما يكشف رغبة الشعوب في توفر خاصيتين في القوى السياسية المناسبة لثقافتها ، الإسلام ، الفكر . فكان المصداق الأنسب في البلدان الإسلامية السنية هي جماعة الإخوان . وهو خيار مرفوض غربيا ، لأنه رغم خضوعه لبعض القيم السنية من مداراة الحكام ، وخشيته من القوى المادية الغربية ، إلا أنه سيحافظ على شيء من الاستقلال الوطني لا يناسب المشاريع الغربية الجديدة .
فتلك المشاريع التي اعتمدت في المنطقة على القوى البدوية الأعرابية في الخليج والشام ، تدرك أن الإسلام السلفي الوهابي ، والإسلام البعيد عن السياسة ، هو ما يناسب وجودها وخدمة أهدافها . لذلك لم يتم منح الأحزاب الإسلامية الإخوانية فرصة سياسية وإدارية تعادل ٥٪ من الفرصة التي تم منحها للأحزاب العربية العلمانية والعسكرية في الحكم . وقد تم استغلال سذاجة وقلة خبرة تلك الأحزاب في إسقاطها ووأد مشاريعها ، التي هي في كل الأحوال ستكون أفضل من مجمل مشاريع من سبقهم في الحكم .
وتم جعل فترة حكم الأحزاب الإخوانية مرحلة انتقالية بين فترة حكم الأحزاب العلمانية العسكرية الاشتراكية ، التي كانت مرحلة تمييع للثقافة الإسلامية السابقة للشعوب العربية ومن ضرورات خلط الأوراق في تلك المرحلة ، وبين مرحلة الرؤساء العلمانيين العسكريين الرأسماليين الذين هم على استعداد لوأد المشاريع الوطنية وبيعها رأساً للمستثمر الغربي . وقد تم خداع الجماعات الإخوانية بوجود بوابة أمان خلفية ، هي لم تكن سوى جهاز مراقبة وتحكم بمسار تلك الجماعات لئلا تخرج عن الطريق المرسوم لوأد فكرها العملي ، تمثّل في دولة ( قطر ) ، اللي هي في الوقت الذي تظهر دعمها لفكر تلك الجماعات كانت الطريق الأمريكي لسلفنة ووهبنة القبائل الأفغانية البشتونية من أجل المشروع الأمريكي ، وكانت هي ذاتها قاعدة العسكريين الامريكان ، وهو ما لا يناسب الفكر الإسلامي الإخواني النظري . فيما كانت تركيا تلعب ذات الدور القطري ، لكن بمساحة حركة اكبر منحتها الجيوسياسة العالمية للأتراك لاستخدام تلك الجماعات في الضغط السياسي والاقتصادي على القوى الدولية من أجل انتفاع العنصر التركي .
لذلك يجب على المؤسسات الأكاديمية والمدنية دراسة واقع تأسيس وتكوين الجيوش العربية منذ نشأتها الحديثة في القرن العشرين ، وسر هذه السيطرة الغربية عليها إلى اليوم ، وما سبب عداء هذه الجيوش للديمقراطية والخيارات الشعبية . وهي في الغالب جيوش اعتمدت على خليط من الوجوه الوطنية المعروفة ، التي تم خداعها والانقلاب عليها لاحقاً كما حدث مع محمد نجيب في مصر ، أو مجموعات من العنصريين العرب ، أو على مجاميع من المنبوذين اجتماعياً من أهل الخمارات والملاهي ، أو على جماعات بدوية أعرابية كانت ضرورية للانقلاب على العثمانيين ومناسبة للحكم الطائفي .
وعلى البلدان التي لازالت على مسار مناسب من الديمقراطية فرض قوانين صارمة على الجيوش ، ومنع قادتها أو ضباطها من اي تواصل مع السفارات الأجنبية الغربية المساندة للديكتاتورية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close