انا ابوهم اكلهم — انا امهم احميهم

انا ابوهم اكلهم — انا امهم احميهم

بمناسبه يوم المراه العالمي

عربي الخميسي

من الفلكلور الشعبي العراقي القديم ، العاب الاطفال والقاصرين ايام زمان
حينما كان الصبية والصبايا الصغار يمارسون مختلطا بعض الالعاب البريئه
حيث لم تتوفر آنذاك وسائل الترفيه والالعاب التي يلهوا بها الفتيات
والفتيان مثل ما يحصل الان ومن تلك الالعاب هي اللعبه موضوع حكايتي – انا
الذيب اكلهم — انا امهم احميهم — التي سارويها لكم مع المعنى والقيم
التي يمكن استخلاصها منها
انا لا اعرف من اوجد هذه اللعبه وغيرها من العاب التراث الشعبي ؟ ولا
زمان ممارستها للاول مره ؟ وباي مكان ؟ إنما انا شخصيا اشتركت بها ضمن
جمع الصبيان ، ولا اعرف هل تمارس بالوقت الحاضر ام لا ؟ في زخم توفر
وسائل تقنيات التكنلوجيا الحديثه وطرق اللعب بها ، والتي خرقت سيادة سيد
الاسره ودخلت البيوت عنوة ودون إستئذان ، واصبحت من الامور اللازم توفرها
لعالم خاص يمكن ان نطلق عليه عالم الصغار ، وقد أقرت بها بحكم الضرورة
والواقع ، معظم الدول المتحضره وبشكل مدروس ومبرمج ضمن خطة التربيه
والتعليم بمدارسها ومعاهدها المختصه
من عنوان موضوعي اعلاه وردت مفردتا الذيب والأم اللذان يمثلان محوريَ
الحكاية اسردها للقارئ الكريم بمناسبة عيد الام العالمي الذي حل علينا
قبل الايام
هناك في مساء ليلة ربيعيه مقمره و بالشارع العريض من الحاره ، تجمع
الصبية ومعهم الصبايا ، باعمار متقاربه تجمعوا باراداتهم وبلا حواجز او
اعتراضات من الاهل أو اهل الحي بانتظار اكتمال العدد المناسب دون تحديد
حيث اعلن بدأ اللعبه
انتخب الحضور واحدا من الصبيان لأن يكون هو الذيب القوي الوحش المفترس
الجبار هكذا كانت تقضي قواعد وضوابط هذه اللعبه ومن ثم انتخبت الام
الحنون الرؤوف الحريصه على اولادها والتي تفديهم بالغالي والثمين من اجل
حمايتهم من الذئاب ووحوش الغاب المفترسه والذود عنهم وصد العدوان ومقاومة
الشر والاشرار وكانت تلك الفتاة الصغيره قوية البنية طويلة القامه سريعة
الحركه تجيد المناوره يمنة ويسره وحسب متطلبات الموقف
اصطف الصغار ذكورا واناثا على شكل خيطي مثل حبات سبحة ابو فلان او كما
يطلق عليه بالعسكريه – الرتل المفرد – خلف الام محتضنين احدهم الاخر
اعتبارا من الام ومتشبثين ببعضهم البعض بقوه وصلابه… اما الذيب الوحشي
فقد وقف منتصبا امام الام وهو يبعد عنها ببضع خطوات بانتظار اشارة البدء
باللعبه وكان هناك الحكم المتفق عليه وهو احد الصبية او احد الحضور من
المتفرجين لأقرار صحة الممارسة واعطاء نتيجة اللعبه بفوز أحد الفريقين
وفقا لمشيئة ذلك الحكم
اعلن الحكم ببدء اللعبه ، فبادر الذيب بالصراخ وبصوت جهوري وتحدٍ مرعب –
انا الذيب آكلهم – وتقدم نحو الام البرئيه وهو يناور ويهاجم مرة يمنة
ومرة اخرى يسره ، محاولا الانقضاض على فريسته لأنتزاع احدهم كما تفترضه
اللعبه ، الا ان الام كانت بارعة ومالت ومال معها اولادها الصغار لصد
العدوان ودفع المعتدي وهي تصرخ ومعها اطفالها وتصيح بأعلى صوتها -انا
امهم احميهم – والكل يضحك وقد اختلطت الاصوات بين الضجيج والهيجان
والفرفشه والجديه والتحدي
فيرد عليها الذيب قائلا
عيني على ذيج الورا ذيج الورا …..؟
عيني على ذيج الورا ذيج الورا …..؟
فتتحداه الام قائلة
إبعد ورا إبعد ورا
إبعد ورا إبعد ورا
وهكذا تتكرر الحاله والكل فرحين والام وابناءها في وضع متأهب حذر
وهكذا حتى يعلن الحكم ختام اللعبه ويقوم بعد الخسائر ويتفرق الجمع والى
مساء اخر وتصبحون على خير
———————-
الى هنا واللعبة لم تنتهِ بالنسبة لي على الاقل تعالوا معي
انا لا اعتقد ان القارئ الفطن سينهي قراءته للحتوته كما يقول المصريون
دون الوقوف عند رموزها ومفاصلها للتفتيش عن اجوبة مقنعه لكثير من الاسئله
والاستفسارات الوارده والتي تطرح نفسها من خلال شكليه اللعبة ومضمونها

ترى من اوجد هذه اللعبه التي تجسد الوحشيه ، وقانون الغاب ، والغاء حق
الحياة ، والصراع بين القوي والضعيف من اجل البقاء بل الصراع بين الخير
والشر ، وفرض حالات القهر والظلم والاعتداء محل روح الانسانية والرأفة
بحق البشرعامة والضعفاء المساكين الممثله بالام واولادها الصغار ؟ ولماذا
الام بالذات ؟ وقد غيب الاب ودوره المفترض ؟ وما المغزى من اختيار الذئب
او الذيب تحديدا كما ورد باللعبه وليس غيره من الحيوانات المفترسه ؟ اليس
هذا الحيوان – الذيب – اشد الحيوانات البريه وحشيه وشراسه وعنفا وذا
طبيعه سلبيه يستحيل تهجينه ؟ أم ألم يكن تسمية الذيب جاءت كناية عن
تصرفات البشر الاشرار والمقصود بالذكور منهم قساة القلوب ؟
حيث ان التراث الشعبي ما هو الا حصيلة ممارسات وعادات اجتماعيه ، اعتادت
عليها المجتمعات في ظروف معينة ، انعكست على نمط واسلوب حياتها فيما بعد
، ومن ثم ظهرت على شكل حكايات وقصص تراثية يتناولها الناس كما تجسدت
معالمها بهذه اللعبه ؟؟
اعود فاقول ان من اوجد اللعبة ، لا بد ان يكون حكيما ورحيما وانسانيا ومن
الذين يحترمون المراة ، ويقدرون اخلاصها وحنانها وتضحياتها وبطولاتها
للدفاع عن الحق والحقيقة بشجاعه وأباة ، كما يخيل الي ، ان من اوجدها كان
يأن من وطأة التسلط والعسف في زمان ما وبمكان ما ، وسط بيئة اجتماعيه
تضطهد المرأة ، وتستهين بقدراتها الخلاقه ، تظهر هذه بجلاء من خلال حالات
الرفض والاصرار والتصدي للأم البطله للشر المحدق في هذه اللعبه انطلاقا
من حبها المطلق لأبنائها الى حد التضحية بالنفس من اجلهم وهذه المرأة
وستبقى كذلك مخلصة امينه ما دامت الحياة
ولتحيا المراة الام رمز الخصوبة والحياة ومثال التضحيه ونكران الذات من
اجل انسان حر بلا قيود
عربي الخميسي
سدني / استراليا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here