سارة توم… محمد

سارة توم… محمد
جر الغطاء عنها وهو يقول: سارة هيا لقد تأخرنا عن الدوام حبيبتي… فلا بد لي او اوصلك أولا ومن ثم اذهب الى عملي… لدي اجتماع مهم ولا استطيع ان اتأخر عليه هيا قومي نظفي اسنانك واغسلي وجهك ومشطي شعرك ثم ارتدي ملابسك لقد جهزتها لك منذ البارحة إنها هناك على كرسي حاسوبك… هيا أنهضي لا تجعليني ارمي بالماء البارد على وجهك….
سارة: ارجوك ابي دعني انام لخمس دقائق أعدك بعدها اكون جاهزة بثلاث منها فقط.. فالنعاس في عيني لا استطيع ان افتحهما…
والدها: لا … لا يمكنني ان اسمح لك بذلك فوالدتك لم تأتي إلى الآن من عملها لقد كانت خفارتها في الامس وأظنها ستتأخر… سأجهز الفطور وما ان انتهي انادي عليك لا تنسي كأس الحليب وضعته عند رأسك هيا سارة لقد مللت الصراخ…
سارة: حسنا يا أبي لقد نهضت.. حوقلت وهي تدفع بجسدها النحيل بملل… المدرسة يا له من اسم كنت احقد عليه وأكرهه… وأقول ما الدافع الى التعليم؟ وصار كل شيء يمكن ان تتعلمه بلمسة زر، او لماذا اتعلم والعالم مآله الخراب والدمار؟ الحرب القتل والجريمة دون عقاب في كل مكان من العالم، الارهاب من اجل الثروات صار برنامجا تنمويا يزداد بإزدياد تجار الرقيق والمال والحروب… كم اكره مادة التأريخ والجغرافية خاصة عندما يتحدث المدرس عن التأريخ حين كان الانسان يعيش الكهف عبارة عن ثقب في جبل وظلمة يقتبس ضور القمر ويتصوره إله يعبده ويرمي له بالنذر رغم جوعه وحياته البائسة.. يا لنا من أمة عشقت العيش في تأريخ متصفحة لا يشم سوى الخيانة والنفاق والغدر… اما الجغرافيا فهي متغيرة كالمد والجزر لا يمكنك توقع متى يمكن ان يرتفع الماء ليغرق من يعيشون على سواحلة او متى ينكسر ليموت من يعيش على ضفافة.. هكذا كانت المدرسة بالنسبة لها حتى تغيرت نظرتها بعد ان تعرفت على سارة ولينا صدقتيها في نفس الفصل والمدرسة
سارة هل انتهيت ام بعد؟
سارة: لحظات يا ابي ها انا انتهي من لملمة شعري.. سأكون في دقائق معك
مسكين أبي يكد في النهار حتى يأتي المساء ليحط رحله بإبتسامة وقبلة يتلقاها من والدتي ثم اسارع بمد ذراعي لإستقباله وهو يسألني كما في كل يوم منذ ان دخلت المدرسة ارد عليها أنه جيد مثل كل يوم… حتى لو اردت تغيير العبارة لا استطيع لقد تربعت على اطراف لساني الذي يرمي بها على شفاهي التي تموت عليها عشرات من المئات من الحروف طوال اليوم… يجلس ويسأل والدتي عن يومها والتي بدورها تقص ما حصل لها في المستشفى وعن بعض الحالات الصعبة التي تواجهها وتكون حزينة جدا عندما يفقد احدا من المرضى وهي تغطي وجهه بملاءة بيضاء قبل ان ينام في صندوق خشيبي الى يوم لا اعلم متى؟ دون مقدمات أجدني في بعض الأحيان اقاطعها او والدي قائلة:
سارة: لم لا تملان الحديث عن عملكما اليوم وتأتيا بجديد فالعالم به متغيرات الاحداث في كل ثانية كأني واياكما نقبع وقوفا الى الزمن الذي ما ان يمر على باب منزلنا حتى يسجل في سجل زمنه لا تغيير يذكر… أليس هناك في حياتكما غير عملكما وما يجري فيه، ألا تخططان الى رحلة او القيام كعائلة بالعشاء في احد تلك المطاعم الراقية لنلقي بضفاف أعيننا على الناس الذين يعيشون ونحن نموت… فالعالم يتجدد قد يكون تجدده بالحروب وعلى دماء الابرياء وهذا ليس لنا يد فيه… لكننا صرنا كمن يدور في فلك بلد مثل بلدنا يغتصب حريات وثروات الشعوب والبلدان بحجج الحرية والديمقراطية كأنا نُصبنا محامين ومدافعين عن دول العالم الذي نستصغرهم وندعي انها دول متخلفة او من كما يطلق عليهم العالم الثالث وننسى انهم بشر مثلنا اولم يأتي المسيح بذكر ذلك لقد قرأت الانجيل مرات عدة ورأيت اننا نقتل المسيح في كل يوم نغتصب حق الاخرين ونسفك دمائهم في طرق ملتوية كما حدث للعراق او تلك التي تسمى افغانستان وسوريا واليمن وغيرها… لم اتخيل يوما بأني اعرف تلك الدول او أنها موجودة على خريطة العالم إلا حينما غزوناها وقمنا بتشغيل ماكنة الحرب… إني يا ابي حين اجلس مع صديقات لي من غير الامريكيات وخاصة سارة صديقتي العربية ولينا وهن مسلمات ولعل ما شدني هو ان اسم سارة هو اسم لأحدى زوجات النبي ابراهيم المدفون في العراق في مكان يسمى الناصرية او ليس غريبا وقد تعمقت بعلاقتي الى الجلوس معهن وهن يتبحرن في علوم دينهن المتفقهات فيه اكثر منا فنحن لا نعلم عن ديننا إلا من خلال ما يقوله القسيس الذي نراه مرة واحدة في الاسبوع كأن الرب عنا مشغول بأعمال أخرى… إن الله موجود في كل مكان هنا… هناك في الخارج وفي البيت وفي المدرسة في كل مكان يسمع ويرى… أين ربنا الذي لا يسمع لنا إلا مرة واحدة ولا يغفر لنا خطايانا إلا حينما نعترف له من خلال غرفة مثقوبة وشخص نصب نفسه واسطة بيننا وبين من صلب على خشبة وثبت بمسامير خوف ان يهرب…
والدة سارة: سارة ما هذا الذي تتحدثين عنه كأنك وحديثك هذا قد مسك جن من إرهاب المسلمين لا يا ابنتي لا اريد لك منذ الآن ان تري او تجلسي مع تلك الفتيات إنهن إرهابيات لاشك فما عرفنا الارهاب إلا من خلال ما فعلوا في 11 سبتمبر انسيت لقد كنت واعية لذلك..
الاب: سارة إن ما قالته امك صحيح فبالغد سأذهب الى ادارة المدرسة واحذرهم من تلك الفتاتين اللتين يبثان سمومهن بينكن لاشك هناك غيرك قد تأثر بهن…
سارة: إفعل ما بدا لك أبي وانت كذلك أمي ماعدت صغيرة بعد الآن لقد تخطيت مرحلة الانصياع إلا الى عقلي وما حدثتكما إلا كي تعلما اني قد انخرطت في الاسلام وبت مسلمة أخبركما لتفهما التغيير الذي ستشاهدونه في قيامي بالاعمال التي تقربني الى الله الواحد والى النبي محمد خاتم الانبياء صلى اللع عليه وآله وسلم… مثل الصلاة والصوم وقراءة القرآن وكذلك تغيير ملابسي التي يدعو الاسلام إليها… ارجوكما عيشا حياتكما كما تريانها ودعوني اعيش حياتي كما اراها تناسبني فالطريق الصحيح بات هو الخط الاسلامي في التقرب الى الله سبحانه وتعالى.
كانا والدا سارة مستغربان متحيران!! وهما يجلسان الى مديرة الثانوية العامة التي تدرس فيها سارة يحدثانها ويقدمان شكوى ضد تلك الفتاتين سارة ولينا ويطلبان نقل ابنتهما الى صف آخر او سيعملان على نقلها الى مدرسة اخرى… تبسمت المديرة بعد ان ارسلت في طلب ابنتهما والفتاتين ايضا… ما ان دخلا اشارت لهما بالجلوس وهن يلقين تحية الاسلام بالقول السلام عليكم…. ردت المديرة وعليكم السلام…
المديرة: لعلكما سمعتما انهن يحييني بتحية الاسلام اي السلام وانا رددت بالمثل… فأنا أيضا امريكية مسلمة مثلهن اعتنقت الدين الاسلامي منذ حوالي ستة أشهر وقد راودتني الكثير من الاحلام وكذلك الرفض من قبل زوجي واولادي حتى ادركوا اني لن احيد عن تغيير رأيي حتى لو تخلوا عني، فمن يتذوق لذة الاسلام ومعرفة الحقيقة ان الله خالق كل شيء رب موسى وعيسى ويوسف واسحاق ويعقوب وادم ونوح .. هو رب الانبياء جميعا له الملك في كل شيء ولقد كنت في متاهة خرجت منها والحمد لله لست متاخرة في الدخول الى بيت الطمأنينة والحقيقة…
كانت ردة فعل والدي سارة الصراخ والتعنيف والتهديد بتقديم شكوى الى اعلى سلطة في الدولة…
المديرة: إفعلا ما بدا لكما ولكني اوصيكما ان لا تنصدما بما سترونه او ما ستعرفانه فنحن في بلد يعيش الهاوية بعد ان سفكت حكومتنا دماء الابرياء ولا تعيش إلا على الخراب منذ القدم فتأريخنا ملوث بالدماء منذ ان اطحنا بالهنود الحمر واستولينا على اراضيهم وهجرناهم وها نحن قد فعلنا بالعراق ومن قبلهم الصومال ومن ثم افغانستان ولعبة الربيع العربي… لقد تجرعنا عنصرية من يقود بلدنا بعد تزييفهم صورة الاسلام والمسلمين حتى طفحت مجارينا وصرنا نشمها كما يشم الشباب والفتيات الهروين والويد وغيره من المخدرات القاتلة، كل الذي اتمناه ان تجلسا الى سارة وتستمعا إليها لعل الله يهديكما الى دخول الاسلام لتطهر قلوبكما وتكونا من الفائزين إن أراد وشاء الله لكما… هذا كل ما يمكنني قوله.. اما انتن يا فتيات فهيا عدن الى فصلكن وكن خير مرآة لتعاليم الاسلام الغير متشدد او المتطرف..
خرج ابوا سارة وهما في حالة صدمة… جلسا وتحدثا كثيرا عن ما سيؤول حال ابنتهما سارة…فتركا الامر الى ما هو عليه…
حتى في يوم بعد ان دخلت سارة الكلية التي ترغب وتخرجت بدرجة جيد جدا وقد حضر حفل تخرجها جميع معارفها كانا والديها في الصف الاول وهما يصفقان بشدة الى تفوق سارة التي بدت غير التي يعرفان وقد إزدادت نضارة وجمالا سارعت بعد ان استلمت الشهادة الى حضن والدها الذي استقبلها بقبلة على جبينها وضمتها أمها الى صدرها بحرارة وهي تقول الحمد لله سارة حبيبتي لقد اثلجت صدورنا بنجاحك وتفوقك شكرا لله على نعمته يا ابنتي أليس كذلك يا محمد …كان والدها قد غير اسمه حين دخل الاسلام من توم الى محمد وهو يعلق نعم حبيبتي إني فرح الى حد ان اصرخ الى الله حامدا شكره ونعمته…
هاهي سارة الآن طبيبة مثل والدتها لكنها تهتم وتخصصت في طب الاطفال كونها تؤمن ان الرعاية الحقيقة هي ان تؤسس للحياة في مرحلة الصغر حتى تنعم بالسعادة وتستعين بالقوة عندما تواجهك مغريات الفساد والاغواء متى ما بلغت سن المراهقة.
القاص والكاتب
عبد الجبارالحمدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here