ماهي الديانة المجوسية ؟

ماهي الديانة المجوسية ؟ * د. رضا العطار

المجوسية دين قديم، نشأ في بلاد فارس قبل حوالي 3000 سنة، هذه العقيدة هي في الاصل خليط من عقائد فيدية هندية موغلة في القدم، منها تناسخ الارواح ومعتقدات غريبة اخرى.

والمجوس يعبدون النار ويقيمون لها المهرجانات كل عام، ويؤمنون بوجود إلهين في الكون، احدهما إله الخير والاخر إله الشر، والمجوسية تزعم ان عقيدتها هي مصدر الديانات السماوية، وقد تفرعت منها كل من :

المانوية والمزدكية والزرادشتية.

واحد هذه المهرجانات التي كان المجوس يحتفلون به كل عام كان في بغداد زمن العباسيين هو عيد نوروز (عيد الربيع). فكانوا يمارسون طقوسه طبقا لأعرافهم الموروثة، حيث كانوا يخرجون الى الغابات والبساتين المحيطة بمدينة بغداد قبل حلول العيد بايام، يجمعون منها الاحطاب ليشكلوا منها اهرامات خشبية عالية، يشعلونها ساعة غروب الشمس يوم العيد، فتحوًل المكان من شدة حراراتها الى جهنم.

وامام هذا المشهد الساطع الوهاج والجو الساخن الذي لا يطاق، يبدأ جماعات المجوس بملابسهم الزاهية بالدوران حول كتل النار المضطرمة فرحين مبتهجين، يصخبون بالغناء بالعبارات التالية :

قد قابلتنا الكؤوس * * * ودابرتنا النحوس

واليوم هرمزدا روز * * * قد عظمته المجوس

فالنار معبودة في دين المجوس ! هكذا يقضي الاتباع ساعات ليلهم منهمكين في ممارسة طقوسهم العبادية. هذا ما يذكره المؤرخ شوقي ضيف في كتاب العصر العباسي الاول.

أما في سياق العقيدة المجوسية، يروي المفكر العراقي هادي العلوي في (شخصيات غير قلقلة في الاسلام) بان شاعرنا بشار بن برد، الذي كان يُعد من الزنادقة المجوس في بغداد والذي قُتل بسبب هذه العقيدة رجما من قبل الخليفة العباسي المهدي، كان يخاطب المسلمين العرب بالابيات الاربعة التالية :

ابليس اشرف من ابيكم آدم * * * فتنبهوا يا معشر الفجار

ابليس من نار وآدم من طينة * * * والارض لا تسمو سمو النار

الارض مظلمة والنار مشرقة * * * والنار معبودة مذ كانت النار

النار عنصره وادم طينه * * * والطين لا يسمو سمو النار

لكن العقيدة الزرادشتية تختلف اختلافا جوهريا عن الدين المجوسي، حتى اعتبره بعض المؤرخين احدى الرسالات السماوية، وتمادوا في مغالاتهم فجعلوا من الداعي زرادشت نبيا. وان العقيدة التي جاء بها زرادشت، موغلة في القدم، كان قد اسسها حوالي القرن السابع قبل الميلاد. وكتابه (الأفستا المقدس) يحوي الثوابت الاساسية الثلاث لهذه العقيدة وهي :

( الفكر الصالح، و العمل الصالح، و القول الصالح ).

و الزرادشتيون يعتقدون ان – اهورا مزدا – ( الاله العاقل ) هو اكبر الالهة. تعاونه ستة آلهة تعبرعن بعض المعاني المجردة مثل الاستقامة والتقوى والاخلاص والخلود.

وصلب دينهم يتشكل من الهين هما – سيتامانيو – إله الخير، ويرمز له بالنور

و- انجرامانيو – إله الشر ويرمز له بالظلمة.

ومن يمشي في خطى اله الخير يذهب الى الجنة، لكن من يختار اله الشر فسوف ترمى جثته بعد موته في حريق هائل. يحدث كل ذلك بعد فناء الأرض. فالعقيدة الزرادشتية في اساسها ضرب من الاصلاح الروحي والاجتماعي ترمي الى تنمية الحصاد والرفق بالحيوانات الأليفة، مصدر توفير الغذاء. .

فتاريخ العالم في ماضيه وحاضره ومستقبله ينقسم الى اربع فترات متساوية، كل فترة منها 3000 سنة. في الفترة الاولى لا وجود للمادة وتسبق الثانية ظهور زرادشت وفي الثالثة تنتشر عقيدته – وطوال هذه الفترات الثلاث يستمر النضال بين الخير والشر – ويعين اهورامزدا الاخيار من البشر، في حين يقف اهريمان الى جانب الاشرار –

ويعبر المرء بعد موته جسر الفصل الذي يمتد فوق جهنم فيضيق بالعاصي حتى يسقط. ويتسع للطائعين، كي يدخلوا الى عالم النور – – – وفي الفترة الرابعة يظهر مخلّص اسمه ساوشيانت يبعث الحياة في الموتى من جديد، ويرسل الصالحين منهم الى جنات النعيم ويرسل الاشرار الى جهنم، حيث العذاب الاليم، ثم يسود الخير الى الابد.

ويقدس اتباع زرادشت النار، فهي في نظرهم رمز النقاء والصفاء لكنهم لا يعبدونها، بل جعلوها شعارا في مناسباتهم الدينية. ومن صفاتهم انهم بحرصون على التدقيق الزائد في وسائل التطهير.

قرأت حديثا كتاب (هكذا تكلم زرادشت) للفيلسوف الالماني نتشة، فعلمت انه كان يعظم تعاليم زرادشت القيمة وافكاره الاصلاحية النيًرة التي وضعها لبني جنسه لكي يتفاعل مع عصره، وهي اصلاحات روحية تهذيبية، تحررهم من عاداتهم الاجتماعية البالية و معتقداتهم الغيبية الضالة.

وعندما دخل الاسلام بلاد فارس في منتصف القرن السابع الميلادي حارب المجوسية و اتباع زرادشت على حد سواء.

وقد ادى الاضطهاد الديني والسياسي بالزرادشتيين في بداية الامر وفي مراحل تاريخية لاحقة الى ترك موطنهم بلاد فارس والهجرة الى الهند، فاستقروا هناك وكثروا بمرور الزمن فاصبحوا يلقبون ب (البارسيين).

اما الزرادشتيين الذي بقوا في ايران وتكيفوا مع الظروف الصعبة، عاشوا ولا يزالون يعيشون دون مضايقة تذكر، وان معبدهم الكبير كائن في مدينة يزد.

وعندما قامت ثورة أية الله الخميني عام 1979 وانشأت جمهورية ايران الاسلامية، لم تتعرض الزرادشتية بأذى بل بالعكس اصبح لهم مقام محمود ليس على المستوى الرسمي انما على المستوى الشعبي ايضا، يعرف عن اصحاب هذه العقيدة انهم اناس محترمون.

في تسعينيات القرن الماضي كنت امارس عملي في مستشفى الفارابي لجامعة طهران واثناء هذه المدة عُقد الموتمر الاقليمي لأطباء العيون الايرانية في العاصمة طهران فشاركت فيه. وفي احد ايام المؤتمر وجدتني واقفا امام المطعم ظهرا انتظر دوري، ثم تبين لي انني لم احمل محفظتي معي، وعزمت الخروج عن الصف، وإذا بزميل يمنعني من ذلك ويبادر بدفع الثمن، فشكرته وانا مرتبك، قال (ما لك تشكرني، هاك هذا الكارت وارجع المبلغ لحسابي)

وعندما سألت عن الزميل بعدئذ، قيل لي انه من جماعة الزرادشتية وهذا سلوكهم.

لم يبقى لنار المشعل (المقدسة) سلطانها الروحي مقتصرا على طائفة المجوس او جماعة الزردشتية في إطارها العقائدي فحسب انما اصبحت لدى الطبقات المثقفة والمتحمسة لقوميتها الفارسية، رمزا لمجد حضارتهم الساسانية ونظامها الكسروي العتيد، فلا عجب ان شاهدت انهم يزينون موائد عشائهم الفخمة بقبس النار الوهاجة في مناسبات افراحهم في الاعياد والاعراس، تبقى مشتعلة طيلة ساعات سمرهم. وقد حالفني الحظ ان اكون احد المدعويين في احداها.

* مقتبس من كتاب الحضارة السريانية حضارة عالمية لمؤلفه موسى مخول مع اضافات لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here